يشعر الناس بمرارة من الحال الذي وصلوا اليه ويزداد سوءً يوماً بعد الاخر، وعند مراجعة مسيرتهم بعد وفاة الراحل ياسر عرفات لم يجدوا انهم حققوا أي انتصار في مسيرتهم النضالية لدحر الاحتلال وتقرير المصير، ويبحثوا من سنوات في تعزيز الانقسام وتشتيت المشتت.
ولم يديروا أي نقاش جدي للبحث في مستقبل قضيتهم والمشروع الوطني والمخاطر والتهديدات التي تحيق بهم، ويتكبدوا الخسائر الكبيرة والخطيرة، وكأنهم نسوا العدو الذي امضوا عقوداً من الزمن في مقارعته لاسترداد حقوقهم المسلوبة وما يقوم به من سرقة للأرض وتهويد ما تبقى منها.
يجتمع المسؤولون في حركة فتح للبحث في نائب للرئيس محمود عباس في ظل خلافات فاجرة وغير مفهومة و لم تعد خافية على احد، حركة فتح تتآكل وأصابها الوهن جراء السياسات الخاطئة والاستبداد والاستفراد بالقرار والناس.
وكثر من قيادة فتح يطمحون بالمنصب الذي يشكك كثر في بقاء الرئيس فيه بعد التهديد الاسرائيلي والأمريكي ضده، وانه لا يستطع التوقيع على اتفاق ينهي الصراع، البحث بهذه الطريقة غير مجدي ويكرس الحال القائم من الانقسام والخلافات والشرذمة وحال التيه.
وكأن مشكلة الفلسطينيين هي في منصب الرئيس ومن سيخلفه، في الواقع ما يحتاجه الفلسطينيون في هذه المرحلة الخطيرة والحساسة الى اعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية وإحياء المشروع الوطني والشراكة و توزيع المهام والأدوار على قاعدة بناء المؤسسات الهرمة وما اصابها من تهميش و تعطيل.
في موازاة ذلك يجب انهاء الانقسام الحاد في حركة فتح و اعادة اللحمة الداخلية للحركة، فأسباب الخلاف القائمة ليست قائمة على برامج سياسية مختلفة، و لا يحتاج الواقع الفتحاوي الى توضيح اكثر، ولا يحتاج المسؤولون الفتحاويون الى من يذكرهم بأن مستقبل فتح في مهب الريح وتشرذم اكثر وما يطرح من مخاوف ومخاطر حول القضية الفلسطينية.
فالخلافات بين عضو المجلس التشريعي محمد دحلان وفتح الرسمية تتعمق، وتقطعت كل السبل للتوصل الى حل بين الطرفين، وكأن حركة فتح لا تدرك أو تتجاهل عن عمد ان غالبية كبيرة من حركة فتح خاصة في قطاع غزة تصطف خلف دحلان وتؤيده، وان لم تعلن تلك الاغلبية ذلك صراحة خوفا من العقاب وقطع الرواتب.
ما كان للخلافات ان تتعمق لو لم تكن المؤسسة القوية مغيبة و المصالح الخاصة والخلافات غير المنطقية وغير المقنعة للناس، و غياب الحديث عن برنامج سياسي واضح المعالم لحركة تحرر وطني، بما في ذلك المقاومة بما فيها المقاومة السلمية والشعبية مغيبة بفعل فاعل و تخشاها اسرائيل.
يتعين على المسؤولين الفتحاويين ان يبحثوا عن بديل للحال القائم من خلافات، على ان تكون المهمة جماعية وليست مهمة الرئيس فقط، حتى لا يتم تكريس حكم الفرد الذي يتحكم في كل مقاليد الامور.
المشهد معيب ومؤلم، إسرائيل في أفضل حالاتها وتجلياتها، مطمئنة وتحتل البلاد والعباد، من دون أي خسائر وتحقق انتصارات، ومستمرة في فرض الامر الواقع من بناء مزيداً من المستوطنات وسرقة الارض، وتقطيع اوصال الضفة الغربية، وتفرض حصارا شاملاً وخانقاً على قطاع غزة.
ونحن ننتظر مزيدا من الانقسام و هدايا كيري وشروطه وتهديده بفرض حل لتصفية القضية الفلسطينية، فمسؤولية القيادة الفلسطينية ومهمة الرئيس انهاء الانقسام الفتحاوي أولاً، وان لا يكون رئيسا لفصيل على حساب فصيل اخر، و ان لا يقتصر دوره على رئاسة السلطة في الضفة الغربية وقطاع غزة، انما تمتد مسؤولياته على جميع الفلسطينيين المشتتين في بقاع الارض ويعانون القتل والتشريد واللجوء من جديد.