في الثلاثين من آذار كل عام تحيي جماهير شعبنا الفلسطيني بمختلف الأطياف السياسية والمشارب الفكرية والأيديولوجية ، في الداخل والخارج ، ذكرى يوم الأرض ، وذلك تخليداً لذكرى الشهداء الأبرار ، الذين جادوا بدمائهم ورووا التراب الفلسطيني، دفاعاً عن الأرض والوطن والهوية والبقاء والتطور والمستقبل.
إن يوم الأرض هو يوم انتفاضة الغضب الفلسطيني، التي تفجرت بين أوساط الأقلية القومية الفلسطينية الصامدة والمتجذرة في وطنها الأبدي ، التي هبت كرجل واحد قبل 37 عاماً في وجه غول المصادرة والتهويد ، وضد وثيقة كينيغ العنصرية سيئة الصيت ، وضد سياسة الظلم والقهر والاضطهاد القومي وهدم البيوت العربية غير المرخصة ، محطمة بذلك حاجز الخوف والعجز ، وهاتفة بصوت عال ومسموع قائلة لصناع ومهندسي وراسمي مشاريع الاقتلاع والتهجير والتهويد العنصرية : اننا هنا راسخون كالصبار والسنديان والزعرور والزيتون ، وصامدون كالجبال والصخور ، وباقون في حيقا ويافا واللد والرملة وزهرة المدائن ، وفي كل موقع ومكان في ارض فلسطين التاريخية . وقد تجسدت هذه الصرخة الفلسطينية الجماهيرية في قصيدة الشاعر الجليلي البقيعي الراحل منيب مخول "منزرعون" ، الذي قال :
جذوري تغور تغور ببطن الازل
مع السنديان ولدت قديماً بارض الجليل ولما ازل
خلاياي من نبت هذا الحمى غدا جسدي خيره فاآتمل
وروحي تعطرها ريحة تفوح بغصن رطيب خضل
دمي من عناصر هذا الثرى اذا ما تحلل ترباً يحل
بلادي بلادي فداك دمي جراحي لعينيك احلى قبل
ويوم الأرض ليس مجرد ذكرى وطنية احتفالية ، بل هو رمز ومأثرة كفاحية خالدة ، ومعلم سياسي بارز ، وحدث تاريخي في سفر وسجل النضال الوطني والسياسي ، الذي تخوضه جماهيرنا الفلسطينية وقواها الحية . وقد شكل انعطافة مفصلية ونقلة نوعية هامة في حياة وتاريخ شعبنا في معاركه البطولية دفاعاً عن الوجود والحياة والكرامة والمستقبل في هذا الوطن ، الذي لا وطن لنا سواه ،ولن نرضى بديلاً له . وهو يحمل بين طياته كل معاني الصمود والتحدي والعنفوان والشموخ والمقاومة الشعبية الصلبة لكل المشاريع والمخططات الترانسفيرية والتهويدية والتهجيرية ، ولأجل صيانة الهوية الوطنية الفلسطينية . انه يوم فلسطني شامل وجامع لكل القوى والشرائح الاجتماعية والسياسية لشعبنا الصابر الصامد المناضل والمقاوم للقهر والظلم والتمييز العنصري الابرتهايدي .
إن احتفالات ذكرى يوم الأرض يجب أن تتغير وتنحى منحى آخر ، فالمسيرات والمهرجانات الهشة والخلافات الفئوية الهامشية والنقاشات حول الأعلام الحزبية ورفعها في المسيرات القطرية ، افرغت كلياً يوم الأرض من مضمونه النضالي وبعده الوطني والسياسي والوجودي كاقلية فلسطينية تعاني الحصار والخنق الاقتصادي والحرمان السلطوي وتتهددها سياسة المصادرة ونهب الأرض في الجليل والمثلث والنقب ، وسياسة التهويد والتهجير والاقتلاع من الوطن . ومنذ الذكرى الأولى ليوم الأرض ونحن نرى المهرجانات نفسها ، ونسمع الخطابات والكلمات الممجوجة ذاتها ،وقد غدت هذه الاحتفالات روتينية قاتلة وليست بمستوى الحدث ، وبدلاً من أن تتوحد الصفوف في مواجهة التحديات الراهنة ، فإنها تتفرق وتتشرذم . فلنجدد ولنبدع أساليب وتقاليد كفاحية أخرى غير الخطابات والتنافس على الظهور أمام كاميرات الصحافة والمواقع الالكترونية والفضائيات ، التي لا تحصى ولا تعد.
ولتكن ذكرى يوم الأرض انطلاقة تجديدية ونهضوية، وتصعيداً للكفاح والنضال السياسي والوطني الموحد في سبيل البقاء والحياة والانزراع عميقاً في ثرى الوطن ، والدفاع عن البيت واأارض والإنسان الفلسطيني .
إن المطلوب هو إعادة الوهج والهيبة ليوم الأرض الخالد ، وآن الأوان لكي نحيي ونبعث ونعيد بناء وتشكيل لجنة الدفاع عن الاراضي ، قائدة نضالات وإضرابات يوم الأرض . وعاشت ذكرى هذا اليوم الأغر ، وتحية إجلال وإكبار لشهدائنا الأبرار خير ياسين وخديجة شواهنة ورأفت الزهيري وخضر خلايلة ورجا أبو ريا ، وسلاماً لهم .