حتى اللحظة لم يعلن الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بما فيهم الراعي الامريكي عن فشل المفاوضات. الاسرائيليون لم يتنازلوا عن ثوابتهم والخطوط الحمراء التي وضعوها منذ انطلاق المفاوضات قبل عشرين عاماً، الفلسطينيون هم من تنازلوا عن ثوابتهم عندما قبلوا بالعودة الى المفاوضات مع استمرار الاستيطان، فالأزمة التي تمر بها المفاوضات نابعة من تمسك اسرائيل بثوابتها و في ادارة الصراع وليس حله.
الحديث عن أزمة و تفكك الحكومة الاسرائيلية ووجود خلافات بين أركانها غير دقيق، فالحكومة الاسرائيلية متماسكة حتى الان فهي لم تتنازل عن ثوابتها النابعة من المشروع الصهيوني، وهي استمرار للثوابت المتمسك بها جميع رؤوساء الحكومات المتعاقبة من إيتسحاك رابين وشمعون بيرس ومرورا ببارك و اولمرت وانتهاء بـ نتنياهو الذي يحاول البحث عن حلول للقضية الفلسطينية المستند إلى رؤيتها وشروطها والخروج من ازمتها وضغط المجتمع الدولي الخجول، كذلك التراجع الواضح في الدور الامريكي في العالم خاصة في المنطقة العربية، على الرغم من انحيازها الكامل للمشروع الصهيوني.
الاسرائيليون راهنوا منذ انطلاق المفاوضات في يوليو/ تموز من العام الماضي على الفلسطينيين في فشل المفاوضات وتحميلهم مسؤولية فشلها، وهم في الوقت ذاته غير معنيين بفشل المفاوضات ومستمرون في الضغط على الفلسطينيين، الإسرائيليون متمسكون بالمفاوضات من اجل الاستمرار في الاستيطان وما يوفره لها من فرصة كبيرة لنهب مزيد من الاراضي الفلسطينية بغطاء شرعي، وبقاء السلطة وما تمثله لها والتنسيق الامني.
من يمر بأزمة الفلسطينيين وهم من يدفعون الثمن من استمرار الاحتلال والاستيطان والقتل والحصار والعدوان، و إسرائيل تشعر بارتياح الى حد كبير في ظل تشرذم الفلسطينيين والانقسام المستمر منذ سبع سنوات، و الأوضاع لديهم في تدهور مستمر، وغياب استراتيجية وطنية تحدد معالم مشروعهم الوطني.
اسرائيل استطاعت توظيف الانقسام لمصلحتها، وهي سعيدة بذلك وتعمقه، وتشعر بارتياح لما يجري في الدول العربية وهي تفتخر بما يحدث في الدول العربية من عدم استقرار الاوضاع والحروب الاهلية في بعض الدول العربية والخلافات الشديدة بين الدول العربية وتستغل ذلك بتهديد الفلسطينيين و بعودة علاقتها مع عدد من الدول العربية، فالوزيرة الاسرائيلية تسيفي ليفني افتخرت الاسبوع الماضي بزيارتها عدة دول عربية 11 مرة خلال 50 يوماً. و نتنياهو قال: صدّقوني أنّ حكام عرب كثر أخبرونا بأنهم لا يرون في إسرائيل عدو، ونحن معنيون بأن نوفر الظروف التي تسمح بأن تخرج علاقاتهم معنا للعلن.
وهذا يدل على ان الاوضاع العربية المتردية والخلافات الدائرة بينها تسير في صالح اسرائيل وليست في صالح الفلسطينيين المنقسمين ولا ظهر لهم، وبعض الدول العربية تبحث عن مصالحها في مواجهة ايران.
المفاوضات لم تفشل، الفلسطينيون هم من فشلوا في تحقيق أي من اهدافهم من خلال المفاوضات، والقيادة الفلسطينية مستمرة في المفاوضات وهذه خياراتها ولن تتراجع عنها، ولا نعلم ان كان هناك خطوات ومسارات اخرى قد تم سلكها بضغط من الولايات المتحدة الامريكية، حتى الخطوة التي اتخذتها القيادة الفلسطينية بالتوقيع على عدد من المواثيق الدولية هي مناورة للاستمرار في المفاوضات وتحسين شروط الصفقة فيما يتعلق بالأسرى والتي تمسكت اسرائيل بموقفها وعدم الموافقة على الافراج عنهم وهذا دلل على تماسك حكومة نتنياهو وثوابتها.
فالمفاوضات لم تنتهي ولا نعلم ما هي القضايا التي يتم التفاوض عليها، لذا فمن يمر بالأزمة الفلسطينيين فهم لم يستطيعوا اتخاذ موقف بالامتناع عن التوجه لطاولة المفاوضات المستمرة، وهم من يمرون بأزمة خانقة ومشروعهم الوطني مهدد بمزيد من التشرذم والفرقة، فهم مطالبون بالعمل فورا على انهاء الانقسام و إتمام المصالحة الوطنية والاتفاق على استراتيجية وطنية لمقاومة الاحتلال، والتوقف عن تجزئة قضاياهم كما تفعل اسرائيل التي تجرهم الى ذلك.