المصالحة و عدم اليقين

بقلم: مصطفى إبراهيم


تسود حال من عدم اليقين بين الفلسطينيين بتوقيع إتفاق "مخيم الشاطئ" للمصالحة بين حركتي "فتح" و "حماس"، لكنهم غير واثقين بإطراف الانقسام، وعدم صدق نواياهم في التوصل الى انهاء الانقسام. ما جرى جميل وأجمل من حال التيه السائدة منذ سنوات، و مع ذلك فخوف الفلسطينيين قائم ومشروع من ان تكون هناك افخاخ وليس عثرات وعراقيل فقط، وبعض المشككين وأصحاب المصالح من الداخل والخارج، والذين لا يروق لهم إتمام المصالحة، وأن يستمر النفاق وتغييب المصلحة الوطنية، وغياب العدالة وعدم احترام حقوق الإنسان والحريات، الفلسطينيون شعب يرزح تحت الاحتلال و تحقيق الوحدة الوطنية هو الاختبار لمواجهة المأزق الوطني.
ما جرى خطوة وبادرة مهمة على طريق البدء بتنفيذ الاتفاق الذي وقع في العام 2011، فالإتفاق جاهز منذ زمن وجميع التفاصيل تم نقاشها، و هو استكمال لما تم الإتفاق عليه سابقاً، ربما يقال أن الطرفين بحاجة للمصالحة، و أنهم في مأزق و وصلوا إلى طريق مسدود و حال من الإعياء والفشل.
أياً كان فالمشروع الوطني هو من يمر بالمأزق، والإتفاق هو بمثابة خارطة طريق لتفكيك العقد المتراكمة ليس منذ الانقسام في العام 2007، إنما من سنوات طويلة والإشكالات الكبيرة والمعقدة، القائمة بين أركان الجماعة الوطنية الفلسطينية وتهدد المشروع الوطني.
يكفي المفاجأة التي وقعت في إسرائيل لنعرف خطورة الانقسام و إستمراره، و بمتابعة وسائل الاعلام الاسرائيلي و ردة الفعل الاسرائيلي وحالة الاستنفار الهستيري التي صاحبت ردود فعل نتنياهو، وأركان حكومته من المتطرفين على توقيع اتفاق المصالحة، هذا وحده كافي للبدء بتشكيل الحكومة والبدء بتنفيذ الاتفاق وترجمة الوحدة الوطنية حقيقة على الارض، فالإنقسام خطير وهو مصلحة إسرائيلية كبيرة.
وعلى الرغم من ذلك وردود الفعل الإسرائيلية، التي قامت باتخاذ قرار بوقف المفاوضات والتهديدات جراء المفاجأة، إلا انه يجب الحذر، فالموقف الإسرائيلي ايضاً يتسم بالضبابية وعدم اليقين، فبعض الاطراف الإسرائيلية لديها امل في تفجير الاتفاق، ويتحدثون عن افخاخ كثيرة في الطريق لإتمام المصالحة، ويراهنون على عدم جدية الطرفين في اتمامها، فالحكومة الاسرائيلية تراجعت عن وقف المفاوضات الى تجميدها، وهذا مؤشر على عدم السكوت والضغط على الرئيس محمود عباس لعدم المضي قدما في تنفيذ المصالحة. ومع ذلك فوسائل الاعلام الاسرائيلي مستمرة في التحريض على اتفاق المصالحة و الرئيس عباس وحماس، وهذا يؤشر على ان اسرائيل تنظر بخطورة لإتمام المصالحة ولن تهدأ إلا وهي ترى فشل الاتفاق.
ما تم التوصل اليه مقدمة على طريق انجاز المصالحة، و يفضح الوجه الحقيقي لإسرائيل و يبين أهمية الانقسام لها، و مدى الابتزاز والوقاحة والسفالة التي تمارسها اسرائيل وحكومة نتنياهو، ويعري تلك السياسة الاجرامية التي تمارسها بحق الفلسطينيين، ومحاولاتها المستمرة لفرض الشروط و الاملاءات على الفلسطينيين. فالرد العملي هو تذليل كل العقبات والمخاوف و إتمام الوحدة الوطنية لمواجهة الاحتلال ووقاحته وإجرامه. و المصالحة ضرورية لمواجهة الاحتلال والخروج من المأزق الفلسطيني المستمر منذ عدة سنوات، وهو ليس ضروري لغزة وحركة حماس فقط، انما للكل الوطني والمشروع الفلسطيني.
من غير المعقول ان يبقى الوضع على ما هو عليه من شرذمة واستفراد اسرائيلي، وان تبقى غزة تحت النار طول الوقت و محاصرة وان يبقى وضع غزة كحالة منفصلة ومستقلة عن عموم الشعب الفلسطيني، و تكريس هذه الحالة الشاذة التي ترغب اسرائيل في استمرارها، وان تستمر في جرائمها وتهويد القدس ونهب الارض وبناء الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية وحصارها.
ما هو قائم جريمة ويهدد المشروع الوطني، ومن أجل ذلك يجب عدم الاستمرار في بقاءه و إعادة الاعتبار للمشروع الوطني وبناءه على اسس وحدوية، و ان يكون الاساس هو الوحدة الوطنية، ولا يجوز ان يستمر هذا الحال ونحن تحت الاحتلال.
و بات من الضروري العمل على تكوين رأي عام فلسطيني قوي للضغط من اجل تطبيق بنود المصالحة وما تم الاتفاق عليه وتشكيل رأي عام في قضايا حقوق الإنسان والحريات العامة، و كشف الممارسات والانتهاكات والتصدي لها، بصرف النظر عن مرتكبيها، وعرضها باستمرار للمناقشة مع الفصائل الفلسطينية و منظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام ووضعها اما مسؤولياتها، و تكوين رأي عام فلسطيني قوي ومقتنع بأن استمرار الانقسام يهدد الكل الفلسطيني والمشروع الوطني بالضعف والتراجع.
[email protected]
mustaf2.wordpress.com