كان الإنقسام الفلسطيني و بعيداً عن كل المواقف التي يعلن عنها على المستوى الرسمي والشعبي ... حول رفضه و إنكاره و السعي الحاد لإزالته ...
وامام هذا الإستمرار للإنقسام هذه المدة من الزمن و ذلك الإستقرار والثبات له داخل المجتمع كمؤسسات و بنى إجتماعية مختلفة ..
يجعلنا هذا الأمر ننظر بنظرة أعمق " للإنقسام " كظاهرة سسيولوجية ...وليس كحالة سياسية ناتحة عن العمليات السياسية المختلفة على الصعيد الداخلى أو الخارجي ...
و من خلال التعامل معه كظاهرة سسيولوجية بداية الطريق السليم لهذا الأمر هو توصيف المجتمع الفلسطيني كجزء من المجتمعات العربية والشرقية ذات السمات المحددة في سيادة " القبيلة" ثقافة و ممارسة و محدد سلوكي و سياسي وإجتماعي للفرد والجماعة في هذه المحتمعات .
وهنا التساؤل ما دور "القبيلة " في الإنقسام الفلسطيني ؟ ...
و بالإجابة على هذا التساؤل نستطيع القول بأن " القبيلة" أو العشيرة أو الحمولة من أذكى البني الإجتماعية التي تعاملت مع الإنقسام الفلسطيني منذ بداياته و خلال أحلك لحظات الأزمة المتعلقة به و حتى هذه اللحظة ...
فقامت " القبيلة" بحماية ذاتها من تداعيات الإنقسام و منعته من الإنعكاس عليها بل و كيفته مع مصالحها بتسويغ علني حيناً و مخفي أحياناً ... و بمجموعة من الأجراءات العرفية المتعلقة بالحفاظ على العلاقات بين أبنائها بكافة توجهاتهم السياسية أو على صعيد العلاقات الخارجية من الآخر " القبيلة " او السلطة أو الأحزاب السياسية ...
كل هذا يتم بذكاء شديد و بهدوء وبتلقائية مستقاة من تجربة عملية و تاريخية متوارثة في هذا السياق الإجتماعي والسياسي " القبيلة" ...
وبإستمرار الإنقسام .. إزدادت قدرة "القبيلة" على التكيف معه بل بالعكس كيفته لمصالحها ... بعد أن نجحت بإحتواء تداعياته التي كان من المتوقع أن تحدث هزات داخلها إذا إنعكس الإنقسام على العلاقات بين أبنائها ... فتحاوزت القبيلة هذه الحالة و تكيفت مع الإنقسام ... بل حولته لأداة في تحقيق مصالح أبنائها ... الموزعين على كافة الأطياف السياسية ومن بينها أطراف الإنقسام الفلسطيني ...
فيمارس الفرد الإنقسام فكراً و قولاً ودعاية وإعلام و فعلاً على الأخرين ولكن عند أبناء " القرابة" يتوقف وبقوة بحكم قانون" القبيلة" ... الذي يطبق بالخفاء أكثر من العلن من باب إستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان ...
تحليل وإستنتاج لا أقدمه جزافاً بل أستقيه من كم هائل من الأمثلة التي أقف عليها يومياً وفي جميع المجالات والمناسبات ...
ويظل السؤال ...إذا كان " للقبيلة" هذه القدرة الهائلة في التأثير على الإنقسام و الحفاظ على إستقراره ... فما هو الحل ؟؟؟
بتقديري عند الحديث على الحل فإن الأمر محكوم بأحدى الأمور التالية أو جميعها وهي :
1- فرض " القبيلة" هذا الواقع السياسي والإجتماعي من الإنقسام والتكيف مع الإنقسام فلا تمتلك القيادة السياسة سوى خيار القدرة على إدارته .
2-إمتلاك النظام السياسي الإرادة لإنهاء الإنقسام و فرضها بالقوة القانونية والسياسية والفعلية ...
3- التحرك الإيجابي " للقبيلة" من منطلق ديني ووطني وإنساني بإتجاه إنهاء الإنقسام والخروج بموقف مؤسساتي عملي جاد بهذا الإتجاه ...
وبحمد الله كان الخيار الثاني وأستطاعت القيادة السياسية الفلسطينية بكل مكوانتها الفصائلية ... إتخاذ قرار جريئ بإنهاء الإنقسام و تحقيق المصالحة ...
وهذا القرار إذا أتخذ بغض النظر يتوافق مع القبيلة أو يتعارض مع مصالحها فإنه سيكون له تداعياته السياسية و السسيولوجية و الإدارية على الأرض و وبين البني الإجتماعية و السياسية داخل المجتمع الفلسطيني ...ومن ضمنها بشكل أساسي ....القبيلة
فما تأثير هذا تلك التداعيات للمصالحة على القبيلة ..؟
و هذه التداعيات والتأثير و التأثر ليست وحيدة المستوى او الإتجاه أو الزمن بل هي تداعيات قد يصل بها التأثر والتأثير بشكل واسع و إنتشار كبير وفي إتجاهات عديدة او بشكل محدود في مستوى محدد و قد يكون هذا التأثير و التأثر متواصل على مدى عملية التغيير هذه داخل المجتمع و الإنتقال من حالة الإنقسام إلى حالة المصالحة ...
وأبرز الجوانب التي تظهر الآن وبشكل جلي قضية المصالحة المجتمعة و التي وعبرات ما يصل للمهتم بمعلومات عنها من هنا وهناك بأنها سترتكز بشكل أساسي على المؤسسات العشائرية والقبلية داخل المجتمع من لجان إصلاح و مخاتير و كبار عائلات كما وأن الإطار القيمي و الفلسفي لمعالجة هذه القضية يقوم على أساس المتعارف منه من عرف وعادة عربية أصيلة مستقرة في المجتمع الفلسطيني ... هذا شيئ جميل و سيعزز المصالحة بشكل تدريجي وثابت داخل المجتمع ... و سيساعد في عملية إعادة اللحمة للنسيج الإجتماعي و الخروج من حالة الإنقسام إلى حالة المصالحة ...
ولكن يجب الحذر من إمكانية تغليب المصلحة الذاتية للقبيلة على المصلحة العامة فتتمترس العائلات و العشائر حول مصلاحها الذاتية و بالتالي سيقع الإطار الرسمي في حالة من الإبتزاز و المساومة ...
كما وأن التعامل الفردي و الذاتي مع كل قضية قد يتسبب تضييق المنظور العام لقضية المصالحة المجتمعة ... و تغيب جوانب مهمة و حيوية لم يتم الإنتباه لها في سياق السعى الحثيث لتحقيق المصالحة المجتمعية داخل المجتمع الفلسطيني...
فما هو الحل ؟؟؟
أرى بأن الحل قد يكمن في :
1- يجب أن لا ينكر أحد الدور الهام لهذه المؤسسات العشائرية والعرفية في تحقيق المصالحة المجتمعية و لكن يجب و ضع إطار مرجعي لها يمتلك القرار السياسي و القانوني و يمتلك الخبرة العلمية والكافية ويعمل من خلال المنظور العام الذي وضعت القيادة الفلسطينية أسسه لتحقيق المصالحة الوطنية .
2- عقد ورش عمل وطنية متخصصة حول موضوع المصالحة المجتمعية من خبراء و متخصصين و أصحاب تجربة و يكون الوجهاء و المخاتير جزءاً منها تشكل رؤية وطنية متخصصة لهذه القضية تزود أصحاب القرار والمتخصصين بمعلومات صحيحة و علمية حولها مما يساعد في إتخاذ الوسائل المناسبة لمعالجة كافة الإشكاليات المتعلقة بها و تقديم حلول مناسبة .
3- على الشباب بغض النظري عن إنتمائه العائلي و العشائري بناء حراك شبابي فاعل لتحقيق المصالحة المجتمعية و المصالحة و يكونوا مدركين بأنهم "الشباب " هم وقود الإنقسام ... فلذلك يجب أن يكونوا معاول بناء للمصالحة ...
بقلم : الكاتب والإعلامي : حسن حسين الوالي - غزة فلسطين