واضح بأن العقبات أمام تشكيل ما يسمى بحكومة التوافق قد تم تجاوزها،فقد تنازلت حماس عن اشتراطاتها بالإعتراض على وزير الخارجية رياض المالكي،وقبلت ببقاءه وزيراً للخارجية تحت إصرار الرئيس عباس،وكذلك تنازلت عن شرطها بأن يكون ضمن التشكيلة الوزارية، وزارة لشؤون الأسرى والمحررين،على يكون هناك بدلاً من ذلك ملف خاص بالأسرى وليس وزارة تعنى بشؤونهم،وواضح بأن هذه القضية تثير الكثير من التساؤلات،فهل موافقة امريكا واسرائيل واوروبا الغربية على هذه الحكومة،مرتبط بحل وزارة الأسرى..؟؟،واذا صح ذلك فهذا يعني تنازل مجاني عن أسرانا كأسرى حرية وأسرى حرب ومعتقلين سياسيين،وحتى لا تظهر حكومة عباس بأنها غير داعمة للإرهاب والإرهابيين،ويبدو مع ذلك بأن هناك مشروع سياسي يدار بأيدي واطراف عربية وإقليمية ودولية،من اجل العودة الى طاولة المفاوضات،بعدم وجود معارضة سياسية فلسطينية جدية على ذلك،فالمعارضات سيجري تطويعها أو تهميشها،حماس يجري إستيعابها في النظام السياسي والعمل على فك عزلتها وحصارها عربياً ودولياً،وكذلك تامين الرواتب لأفراد اجهزتها الأمنية (40000) موظف،بحيث تتولى قطر دفع تكاليفهم ورواتبهم،فهذه الأجهزة ستبقى على ما هي عليه في فترة إتفاق الإطار،والجبهة الشعبية وصلتها الرسالة بعد انسحابها من الجلسة الختامية للمجلس المركزي،واعتراضها على الفقرة الخاصة بالعودة للمفاوضات،الطرد من المنظمة ومؤسساتها،وقطع مخصصاتها من الصندوق القومي،وعليها أن تختار،البقاء في المعارضة وتحمل التبعيات،او الوصول الى صيغة اتفاق مع عباس،وخصوصاً ان اللجنة التنفيذية والفصائل،لم تعبر عن رأيها أو موقفها،في مثل هذا التفرد والنهج الإقصائي وثقافة القطيع،بالعمل على إقصاء وطرد فصيل مؤسس في المنظمة.
حماس ما كان لها أن تقدم مثل هذه التنازلات قبل عام او عامين،ولكن المتغيرات العربية والإقليمية،هي من دفعتها لذلك،فمصر حيث سقط نظام الإخوان المسلمين،الأب الشرعي والإمتداد الأيديولوجي لهذه الحركة،وتجارة الأنفاق بعد هدم الكثير منها من قبل النظام المصري، تراجعت الى حد كبير،وايران توقفت عن دعم حركة حماس ودفع مخصصات اجهزتها،بعد أن غادرت الحركة موقعها بالإصطفاف الى جانب قوى المقاومة والممانعة عربياً وإقليمياً(سوريا وحزب الله وايران) واختارت ان تتجه وترتمي في أحضان معسكر مشيخات النفط والغاز(قطر والسعودية) وما يسمى ب"ثورات الربيع العربي" و"جماعة التتريك" والتي خدعت تلك الحركة واوهمتها بأن نظام الأسد أيامه معدوده،ولكن مع بقاء الأسد وصموده وقرب انتصاره،وفقدان ثقتها بالمعسكر الذي ورطها،والذي لم يقدم لها شيئاً لا المال ولا السلاح،بل السعودية بدات بمطاردة وطرد عناصرها،لوقوفها ضد نظام العسكر في مصر،عادت لكي تغزل من جديد مع ايران وحزب الله وسوريا،ولكن من غير الممكن ان تعود العلاقات الى ما كانت عليه سابقاً،وبتولي رئيس الوزراء رامي الحمد الله لرئاسة الوزراء ووزارة الداخلية،وكذلك بقاء المالكي وزيراً للخارجية،فإننا نرى بان تلك الحكومة كما قال الرئيس عباس هي حكومته بإمتياز وبرنامجها برنامجه،حيث سقطت شعارات حماس عن ان الوحدة لا تلغي المقاومة،فالرئيس عباس بلقاءه الإسرائيليين في المقاطعة،قال بما لا يقبل الشك بأن التنسيق الأمني،ليس فقط سيستمر بل انه مقدس.
يبدو بأن حماس تريد الخروج من الحكومة،مع استمرار الصراع على الحكم،فهي ما يهمها بالأساس،وهذه التنازلات الكبيرة التي تقدمها حالياً،ليس على مذبح المصلحة العليا للشعب الفلسطيني،بل هذا مرتبط بما تعانيه من اوضاع غاية في الصعوبة،هي التي أجبرتها ان تعيد قراءتها السياسية للأوضاع من جديد.
في القراءة للحكومة المشكلة،فهي حكومة الرئيس عباس،وليس حكومة فتح وغيرها من الفصائل،وفي التشكيلة نرى بأننا اقرب الى تعديل وزاري منه الى حكومة توافق وطني،فمنظمة التحرير كلجنة تنفيذية،لم يجري التشاور معها في تشكيل هذه الحكومة،والفصائل الأخرى لا أعتقد انه جرى طرح الأمور عليها،وشخوص الوزارة اغلبهم يتبع الرئيس الفلسطيني.
فحتى الشخوص المحسوبين على المنظمة وليس على حماس،والذين طرحتهم حماس كبديل عن المالكي ووزير الإعلام، لوزارة الخارجية أو الإعلام أمثال مصطفى البرغوثي وغيرهم،لم يوافق عليهم الرئيس عباس.
لست متاكداً من أن قطار المصالحة الوطنية وطي صفحة الإنقسام،قد بدءا فعلاً، فالتوافق على الحكومة او التعديل الوزاري الذي جرى،سيكون الإختبار لذلك مدى الجدية على أرض الواقع،في تطبيق بقية بنود المصالحة،والتي تبدو اكثر صعوبة على الأرض،وخصوصاً قضية الأجهزة الأمنية ودمجها والمصالحة المجتمعية والإنتخابات وطبيعتها،هل إنتخابات لسلطة رئاسة وتشريعية او حكومة تحت الإحتلال وغيرها.
المصالحة يجب ان تترجم على الأرض،وان يقطف ثمارها الشعب الفلسطيني عبر الواقع المعاش،فهل ستقود المصالحة الى إعادة اعمار قطاع غزة،وتفكيك الحصار المضروب حولها؟؟،وهل سيتوقف الإعتقال السياسي؟؟وهل سيتم فتح معبر رفح وتطبيع العلاقة بين غزة ومحيطها العربي"مصر"؟؟وهل سيكون حلول جدية لمشاكل اهل القطاع في حرية الحركة والتنقل ومشكلة الطاقة والكهرباء؟؟.
نحن نبارك أي جهد تجاه إنهاء ملف الإنقسام وتحقيق المصالحة الوطنية،ولكن نرى بأن المصالحة وحكومة التوافق او التعديل الوزاري،بالضرورة أن يلبي ذلك مصالح الشعب الفلسطيني،فالشعب يريد المصالحة التي تخدم اهدافه ومصالحه،وليس مصلحة هذا الفريق او ذلك،ومن خلال ما سمعناه ولمسناه في الأخذ والرد والخلاف حول من يتولى هذه الوزارة او تلك،والتشبث بهذا الأسم او ذاك، أيقنا بأن تلك الخلافات تدور حول أثمان ومحاصصات بين هذا الفريق او ذاك،وهذا بحد ذاته مؤشر على أن مخاطر انتكاس المصالحة كبيرة جداً وفق هذه العقلية والرؤيا،وخصوصاً ان القضايا الكبرى لم يجري البت فيها،فهناك جسم وظيفي متضخم وكل طرف يريد أن يضمن حصة فريقه من الكعكة.