غزوة البنوك وتدارك الازمة

بقلم: مصطفى إبراهيم

من الشك وعدم التصديق وغياب اليقين و الشفافية و المعلومات ووضع الناس بحقيقة اتفاق الشاطئ، عادت الاتهامات والمصطلحات والتراشق الاعلامي، و الحزن والخوف أصبح سيد المشهد في قطاع غزة، وكأن الناس يعلمون أكثر بالخفايا وببواطن الامور ويدركون بسرعة حدسهم من أن القيادة و المسؤولين في حركتي "فتح" و"حماس" بان المصالحة بالنسبة لهم هي الخروج من أزماتهم و غير حقيقية ولا يوجد صدق في تنفيذها، ربما التجربة علمتهم عدم الثقة بأحد، حتى الفصائل التي تقف عاجزة وشامتة وغائبة عن المشهد باستثناء مواقف هزيلة وكأنهم ينتظرون لحظة الانفجار.

منذ البداية كان الغموض يكتنف المشهد وأسئلة كبيرة تطرح ولا اجابات، التنازلات قدمت على عجل وتم التمسك في قضايا ليست جوهرية، و تم التنازل عنها من اجل مصلحة الوطن كما قيل، ولا اشكك في مصداقية احد، فهي خطوة للإمام من اجل طي صفحة سبع سنوات من المأساة والمعاناة والظلم والقهر وغياب الامل، والخوف والخشية على المشروع الوطني.

منذ اليوم الاول ظهرت الحكومة مرتبكة وغير قادرة على التواصل مع الناس وإقناعهم بجدية المصالحة وعزمها على البدء في تنفيذ المصالحة حسب الاولويات، لم تقدم خطاباً قوياً متماسكاً تقنع الناس بان لها خطة وطنية، ولم تقدم خطوات للمجتمع والفصائل على انها حكومة الكل الفلسطيني، وهي بحاجة لكل جهد وطني من اجل الخروج من ازماتنا او توفير الحد الادنى من متطلبات الناس المعيشية، وتضعهم في صورة الوضع المالي والاقتصادي للسلطة.

اول من عبر عن غضبه من الحكومة هم موظفو قطاع غزة واعترضوا على مصطلح رئيس الوزراء الدكتور رامي الحمد لله عندما وصفهم بالمستنكفين، وقيل انه لم يصرح بذلك، حتى غضب الموظفين لم يكن له مبرر، فهم سبع سنوات اجبروا على المكوث في منازلهم وعاشوا معاناة كبيرة وحالة نفسية سيئة من الخوف والقلق على مصدر رزقهم، وفي بداية كل شهر كان ينتاب الموظفين حال من الرعب الشديد في انتظار الأسوأ تحسبا لقطع رواتبهم او تقليصها كما حصل في العلاوة الاشرافية وغيرها من العلاوات التي حرموا ولا زالوا محرومين منها، ولم يجرؤ أي منهم على مقاضاة الحكومات السابقة.

ومع كل ذلك ظهرت الشماتة من عدد من كبير من الموظفين عندما نزلت رواتبهم ولم يكن هناك رواتب لموظفي حكومة حماس وادعوا انهم هم الشرعيين وغيرهم غير شرعيين.

حتى تفجرت ازمة الرواتب وغزوة البنوك من قبل موظفي حكومة حماس ومنعهم لموظفي السلطة السابقين من تلقي رواتبهم، وتم الاعتداء عليهم، وظهر الامر بان هذا السلوك مخطط له ولم يكن نابع من تصرف فردي او أنهم مجموعات من موظفي حماس المظلومين ومن حقهم تلقي رواتبهم، فهم موظفين قبلنا ام لم نقبل، وتعاملت حركة حماس بنزق وعصبية وغطرسة القوة، وهي تريد ارسال رسالة واضحة بان موضوع الرواتب يجب ان يحل، ولم تنتظر الحلول فهي تعتبر موظفيها جزء اصيل من موظفي السلطة هكذا تم الاتفاق كما تقول.

لكنها لم تستخلص العبر، وربما فضلت طريق الهجوم والتخويف لوضع حل فوري وسريع للازمة التي تفجرت في وجهها ووجه الناس، وبدل من ان تستوعب الموقف وعدم سلك طريق العنف وتخويف الناس و الوقوف معهم و العودة لهم واحترامهم. كان الهجوم و كان بإمكان حماس وموظفيها أن يقوموا بخطوات احتجاجية سلمية معبرة وذات تأثير أكبر من ما جرى. وكان على الشرطة والأجهزة الامنية ان يعبروا انفسهم جزء اصيل من حكومة الوفاق الوطني و يقوموا بدورهم في حماية الموظفين، وليس منعهم من تلقي رواتبهم والاعتداء عليهم.

حماس لم توقع على اتفاق المصالحة من دون ان تضمن رواتب موظفيها وتسكينهم على ملاك موظفي السلطة الوطنية، فهي لم تقفز في الهواء وتترك موظفيها يستجدون ولا يكونوا ضمن موظفي السلطة، واعتقد انهم حصلوا على ضمانات من الرئيس فيما يتعلق بهذا الموضوع، لكن واضح ان السلطة لم تكن جاهزة او انها تعمدت خلق ازمة وتريد ان تساوم حماس وتركت الموضوع للنقاش والحوار.

وهي لا تدرك حجم المأساة والأزمة التي قد تعصف في الناس في قطاع غزة عندما يحرموا من الحصول على رواتبهم، فالحكومة مرتبكة و حملت أكثر من طاقتها وستكون كسابقاتها محملة بأعباء وديون ومطالبة بتسديد فاتورة شهرية لمئات الالاف من الموظفين واسر الشهداء والجرحى وحالات الشؤون الاجتماعية والفقراء والبطالة وغيرهم من الفئات المحتاجة الى الضمان الاجتماعي.

ربما يكون لازمة الرواتب فوائد لتدارك الخلل و العوار الذي اصاب اتفاق الشاطئ وتشكيل الحكومة، من دون نزع فيتل سبع سنوات من المشكلات والأزمات التي بحاجة الى سنوات لوضع حد لها، والاهم ان يتم العمل على اعادة العمل وتأهيل المجتمع الفلسطيني المدمر اجتماعيا واقتصاديا في ظل غياب مجموعة القيم واحترام وقبول الاخر وسيادة القانون واحترام حقوق الانسان، وعدم التعامل مع الناس و الوطن وقضاياه من خلال رؤية حزبية مقيت وعلى قاعدة انتو شعب وإحنا شعب.

لا يكفي الانتظار هناك حلول يجب ان توضع ويجب اشراك المجتمع وفئاته وعلى الفصائل ان تخرج من سلبيتها وبيانات التنديد والتحذير من وقوع الاخطر، دورها اكبر من ذلك فهي جزء من المسؤولية والوطن للجميع.