بعيداً عن حادثة الهباش.. رمضان والأقصى مجدداً

بقلم: راسم عبيدات

أنا اتفهم حالة الإحتقان الشعبي عند الكثير من أبناء شعبنا الفلسطيني وبالذات اهل القدس منهم،كردات فعل وحالة إحباط من تصريحات وبيانات وخطابات ومقابلات العديد من قادة السلطة الفلسطينية،والتي تتعارض مع اغلب مكونات الشعب الفلسطيني،والتي لا تكون معبرة عن هموم وتطلعات شعبنا،او يشتم منها الإنتقاص والتفريط بحقوقنا،او أنها تطلق في الزمان والتوقيت الخاطئين،ففي ذروة العدوان على شعبنا بإستباحة بشره وحجره وشجره وحيواناته،من غير المعقول ان تقدم القيادة على تصريحات وبيانات وخطابات عن قدسية التنسيق الأمني او ان يصبح جل اهتمامها وتركيزها البحث عن ثلاثة مستوطنين إختفت آثارهم،ماسورين إفتراضياً حتى اللحظة لدى حركة حماس او غيرها من فصائل المقاومة،في وقت يختطف فيه الإحتلال شعب بأكمله،والهباش واحد من الشخصيات التي لا تشكل عنوان توافق او تحظى بثقة شعبنا،لكون هذا الرجل يشعر الكثيرون بأن تصريحاته تاتي في إطار الدفاع عن مصالحه وموقعه والتبرير وإيجاد الذرائع للسلطة في كل ما تقوله أو تنشره فيما يخص قضيتنا وحقوق شعبنا،وتصريحاته وبياناته وخطبه تحمل طابعاً توتيرياً وتسهم في بث الفرقة والإنقسام وليس الوحدة،ورغم إختلافي بالمنطق والموقف السياسي والرؤيا والمنهج والفكر مع الهباش،ولكن ما حدث أمس في المسجد الأقصى من محاصرة العديد من الشباب المقدسي الغاضب له،ومطالبته بالخروج من المسجد الأقصى لكونه غير مرغوب فيه،فهذا ما اود التطرق له كون العملية تكررت في المسجد الأقصى أكثر من مرة،وكادت ان تصل بالأمور الى مستوى الفتنة الشاملة،والتي تاكل الخضر واليابس.

علينا ان نتفق ونتوافق جميعاً بأن المسجد الأقصى،هو مكان ديني مقدس حصرياً للمسلمين دون غيرهم،يقصده المسلمون على اختلاف مشاربهم ومنابتهم الفكرية والسياسية من اجل الصلاة والعبادة وتادية الشعائر الدينية،وطلب المغفرة والرحمه،ونيل الأجر والثواب،ولا احد يمتلك الحق في تكفير او تخوين أحد،او منع من يأتي للمسجد الأقصىى طلبا للمغفرة والأجر والثواب أو التوبة او التكفير عن ذنب او معصية إرتكبها،مع إدراكنا بانه قد يأتي الى المسجد الأقصى في شهر رمضان الفضيل وغيره من الأشهر من هو مطعون بوطنيته او مسلكه او تصرفاته،وهذا علينا ان ننبه ونحذر المصلين والقادمين الى المسجد منه،بأن قصده او قدومه قد يكون لغاية او سبب غير طلب الرحمة والمغفرة،او لربما يريد التوبة والمغفرة حقاً،اما من كان معروف للمصلين بأنه يقف في خانة معادية لأبناء شعبه ويريد الإساءة والشر بهم،فواجب الجميع ان يقف ضده وليس هذه الفئة او تلك.

وفي سياق آخر على ضوء ما نعيشه من حالة خلاف وإنقسام سياسي،فمن الضروري ان لا تعكس تلك الحالة نفسها على المسجد الأقصى،فهو مكان للعبادة وتادية شعائر وفروض دينية والتقرب الى الله،لا يمتلك فيها اي طرف ان يكفر او يخون طرف او فئة اخرى،او ان يفرض رؤيته ومنطقه ووجهة نظره السياسية او رؤيته الفكرية على مجموع المصلين،أو ان يقوم برفع صور ويافطات سياسية من شانها ان تحدث حالة بلبلة وفراق وخصام،وقد تدفع بالأمور نحو الفتنة والإقتتال الداخلي،وتحول المسجد الأقصى الى ساحة للمزايدات ورفع الصور والشعارات واليافطات السياسية،على حساب قدسيته كمكان ديني.

وقد حدث في اكثر من حادثة أن وصلت الأمور حد التشابك والعراك بالأيدي والتطاول اللفظي،وكادت الأمور ان تخرج عن السيطرة،ففي ذورة ما حصل من خلاف على الساحة المصرية،العام الماضي بعد أن أسقط المصريون حكم مرسي والإخوان،وبغض النظر نتفق او نختلف مع ذلك،وجدنا بأن البعض يريد نقل هذا الخلاف الى المسجد الأقصى من خلال رفع شعارات سياسية وصور الرئيس المخلوع مرسي،وهذا بحد ذاته ساهم بدفع الأمور نحو الإحتقان،وكادت الأمور ان تخرج عن السيطرة لولا تدخل العقلاء،وكذلك هناك من يستغلون المسجد الأقصى دائماً لرفع يافطات وإطلاق شعارات تقدح وتذم وتكفر وحتى تخون الآخرين،وهنا واجب إدارة الأوقاف ان توضح للجميع في إطار صلاحياتها ومسؤولياتها،بأنه المطلوب الحفاظ على قدسية هذا المكان،كمكان لممارسة الشعائر الدينية.

ولذلك وبعيداً عن حادثة الهباش،فانني ارى بأنه لا يجوز ولا يحق لأي كان ،ان يقوم بممارسات او افعال،قد يكون ضررها واثرها السلبي اكثر من فائدتها وقد تترك إنعكاسات كبيرة وخطيرة،ليس على المصلين او المتخاصمين،بل قد تكون النافذة التي يستغلها الإحتلال لتنفيذ مخططاته بالسيطرة على المسجد الأقصى لجهة التقسيم الزماني والمكاني،او لجهة الهدم وإقامة الهيكل المزعوم.

الجميع عليه ان يدرك ويتنبه بان الأقصى في خطر جدي،وهو بحاجة ماسة جداً الى وحدتنا وتكاتفنا،من اجل حمايته والدفاع عنه،فكل يوم أصبح يجري إقتحامه من قبل المجموعات والجمعيات الإستيطانية،وليس بشكل فردي،بل وبشكل جماعي،ويتقدمهم اعضاء برلمان"كنيست" ووزراء وحاخامات وغيرهم،يدخلون تحت حماية وحراسة الشرطة والجيش،يدنسون المسجد الأقصى ويؤدون طقوس وشعائر تلمودية وتوراتية في ساحاته،واكثر من ذلك ممارسة أفعال فاضحة،مخلة بالاداب والأخلاق،ووصل الأمر أن يصعد الحاخام المتطرف "يهودا غيلك" الى قبة الصخرة المشرفة ويرفع العلم الصهيوني،ويلوح به،وأصبحت الدعوات لهدم المسجد الأقصى علنية،والتقسيم الزماني نجده قائم على الأرض،ولذلك علينا جميعاً ان نحكم العقل وبعد النظر والبصر والبصيرة،وان لا نفقد اتجاه البوصلة،وكذلك ان لا نحرف معركتنا الأساسية من معركة الدفاع عن قدسية المسجد الأقصى وإسلاميته الى معركة داخلية تستنزف جهودنا وتعمق شرخ الإنقسام في صفوفنا،فالإحتلال يتربص بنا جميعاً،وعلينا ان نتمثل ونعتبر من تصريحات قادة دولة اسرائيل،بانه لو احضر الرئيس عباس رأس قادة حماس على طبق من ذهب،فالإستيطان لن ولن يتوقف،وكذلك سمعنا الكثير من التصريحات الإسرائيلية بحق رئيس السلطة الفلسطينية،عندما توجه الى الشروع في تحقيق المصالحة وحكومة "الوفاق" الوطني،فمنهم امثال بينت وليبرمان من دعا الى قتله او طرده.

هم لا يردون ان يقدموا أية تنازلات جدية من اجل السلام،لا بالمفاوضات ولا من خلال الأمم المتحدة،ولذلك نحو بحاجة لمراجعة جدية شاملة لكل المسار السياسي السابق،وبحاجة الى وحدة وطنية حقيقية،ليس مجرد شعارات و"فذلكات إعلامية"

الأقصى يجب ان يجمعنا ويوحدنا لا ان يفرقنا،وحتى شعورنا نحن المقدسيين بالظلم والغبن من أبناء جلدتنا،يجب ان لا يفقدنا تجاه البوصلة ابداً،فالعنوان الأول والأخير والمسؤول عن تدميرنا،والمستهدف لنا ولأقصانا ومقدساتنا وأرضنا وشعبنا هو الإحتلال.