أنقذوا ما تبقى من القدس قبل فوات الأوان

بقلم: ندى الحايك خزمو

يعز علينا أن تصل الأحوال ببعض مؤسسات القدس الى ما وصلت عليه بعد أن طال الاهمال لها ولم يعد هناك من مجال للاستمرار والصمود..

يعز علينا أن نقف مكتوفي الأيدي بعد أن فشلت كل الجهود في اعادة احياء هذه المؤسسات التي هي الآن في طور النزاع الأخير.

مجلة البيادر واحدة من تلك المؤسسات، فبعد اكثر من أربعة وثلاثين عاماً من النضال والصمود والعمل بكل ما أوتينا من قوة وجهد في سبيل أن تؤدي هذه المجلة واجبها تجاه شعبنا وقضيته، نجد أنفسنا مجبرين لأن نوقف اصدار المجلة المطبوعة، ونصدر المجلة الكترونياً فقط، وهذا ما آلمنا جداً، فكل عدد من أعداد البيادر نعتبره كطفل وليد نجيء به الى الحياة بعد مخاض أليم وصراع مرير وبخاصة في السنوات العشر الأخيرة حيث أثقلت علينا الديون ..

خلية نحل، هكذا كانت البيادر، تعمل من دون كلل او ملل، المجلة السياسية، والمجلة الأدبية، ونشرة أنكليزية لأهم ما جاء في المجلة من مقالات وتحليلات، ومنشورات البيادر التي أصدرت العديد من الكتب السياسية والثقافية، ونشرات اخبارية يومية لما كان يدور في الوطن من مآسي وويلات وانجازات كانت ترسل الى صناع القرار الفلسطيني..

ولأن كل هذه المهام كانت تحتاج الى مجهود كبير، فقد ضمت البيادر في فترة من الفترات اكثر من خمسين عاملاً وعاملة في داخل الوطن وفي خارجه، بمعنى انها كانت تعيل أكثر من خمسين أسرة.

لم تأل البيادر جهداً الا وقامت به، في سبيل قضيتنا المقدسة، قضية شعب عانى وما زال يعاني من ظلم الاحتلال وجبروته، وصمدت البيادر رغم كل ما تعرضت له من ملاحقات ومضايقات واعتداءات وتهديدات ومحاولات اغتيال واعتقالات، وكل ذلك لم يكن أبداً مصدر خوف أو حجر عثرة أمام البيادر، بل كان مصدر تشجيع واصرار وصمود أكبر وأكبر، فكل تهديد أو اعتداء، أو اعتقال أو.. كان دليلاً على أن البيادر ترعب أعداءنا ولذلك يريدون لها أن تتوقف بكل السبل والوسائل التي اتبعت، ولكنها صمدت وصمدت وصمدت حتى الآن.

لن نتحدث عما قامت به البيادر، فتاريخها الطويل الذي تجاوز الأربع وثلاثين عاماً يتحدث عنها وعن انجازاتها. والآن فإننا نرى أن هذه المؤسسة التي كانت خلية نحل أخذت تذوي شيئاً فشيئاً بعد أن تم اهمال القدس ومؤسساتها، وبعد أن تركت تلك المؤسسات تحارب لوحدها في سبيل الصمود في قدسنا التي نالها التهويد من كل جانب، وهُجرت أو هاجرت معظم مؤسساتها عنها بعد أن لم يعد هناك من مجال للاستمرارية في ظل الأوضاع المستحيلة التي تعيشها تلك المؤسسات، والتي أثقلت كاهل مسؤوليها، بحيث لم يعد هناك من حل الا الانتقال من القدس الى مناطق السلطة ليخف الضغط المتواصل عليها، ولتستطيع الاستمرار في تقديم خدماتها.. والبيادر من المؤسسات القليلة التي صمدت حتى اللحظة في القدس، ورفضت الرحيل عنها متحدية كل الظروف القهرية والضغوطات الكبيرة واصرت على الصدور من قلب القدس العربية..

انها البيادر.. بيادر الانتفاضتين الأولى والثانية والتي وثّقت كل كبيرة وصغيرة فيهما.. انها بيادر السجناء والتي فتحت صفحاتها لهم ليعبّروا عما بأنفسهم من مآسي وويلات ، انها بيادر القدس والتي تدافع عنها وعن مواطنيها ومقدساتها وكل ما فيها وتفضح كل محاولات تهويدها.. انها بيادر الجماهير الفلسطينية التي تنقل معاناتهم ومشاكلهم وما يتعرضون له من مؤامرات ومحاولات القضاء عليهم.

انها البيادر في رمقها الأخير، ورغم ذلك فانها ما زالت صامدة على أمل أن تفتح العيون فتسارع لنجدتها والوقوف معها واعادة انعاشها لتواصل تقديم خدماتها للوطن وشعبه..

انها مؤسسات القدس.. توجه صرخة الى الجميع.. لا تساهموا في تفريغ القدس مما تبقى من مؤسساتها فهذه كارثة كبرى، بل ساهموا في صمودها، بل أيضاً في اعادة كل المؤسسات التي رحلت عنها ليعود الى القدس نشاطها الحيوي وعنفوانها، وبالتالي لتؤدي دورها في التصدي لكل مؤامرات تهويدها وتشريد أهلها عنها..

انها القدس.. بكل من وما فيها من مقدسات ومؤسسات ومواطنين و... تنادي: أنقذوا ما تبقى من القدس قبل فوات الأوان..