خمسون عاما مضت على انطلاقة المارد الفتحاوي .. خمسون شمعة تضيئ درب الشعب على طريق الحرية والانعتاق .. خمسون وردة تزين قبر وضريح المعلم والمؤسس والرمز القائد ياسر عرفات , على بعد كيلو مترات قليلة من القدس , ولا زال صوت أبو عمار يجلل في المكان " على القدس رايحين شهداء بالملايين " .. خمسون عاما والعهد هو العهد والقسم هو القسم .. خمسون عاما وحلم الاستقلال وقيام الدولة العتيدة بات قريبا .
وعلى الرغم من احتفال حركة التحرير الوطني الفلسطيني ( فتح ) باليوبيل الذهبي على انطلاقتها المباركة والعملاقة , معلنة في الفاتح من يناير من العام 1965 , اندلاع الثورة الفلسطينية المسلحة , وهي سنوات طويلة في عمر الثورات , لكنها ليست طويلة في عمر الشعوب المناضلة , التي تتوق للتحرر والإنعتاق , خاصة في ظل الاستعمار الكولونيالي الاستيطاني الإحلالي , مثلما تعيش العديد من الشعوب الحرة اليوم , أمثال الجزائر وجنوب إفريقيا وزيمبابوي " روديسيا سابقا " التي خضعت للاحتلال مئات السنين , خمسون عاما هي سنوات تحسب في حياة الإنسان , بالوصول إلى عمر يصبح فيه الإنسان شيخا وجدا , مع استقباله أول الأحفاد تقريبا , يقل ذلك العمر قليلا أو يزيد , غير أن فتح رغم هذا العمر في مقارعة العدو والأنواء والمؤامرات , لم تعجز ولن تشيخ , فهي " أم الولد " ومازالت أما وأبا لكل من تلاها من الفصائل والحركات والأحزاب , وما زالت يافعة تضج بالشباب , وما أدل على ذلك من قرب انعقاد مؤتمرها السابع مع بداية العام الجديد, وتجديد شبابها بانتخاب كوكبة جديدة من الشباب في لجنتها المركزية , ومجلسها الثوري .
فتح العصيبة على الانكسار.. فتح الأبية الرافضة لكل شروط التراجع والانهيار , لازالت تحمل راية الثورة والانتصار , رغم كل ما واجهها من محطات منذ انطلاقتا , عند اتهامها بأنها صناعة أميركية غربية , لأنها حملت راية القرار الوطني المستقل , في وجه دعاة " البعث " العربي والقومية العربية والاسلام السياسي , والمتاجرين بالدم الفلسطيني , وبأنها تشق عصا الطاعة على الأمة العربية , بينما هي أعلنت في ميثاقها أنها لن تتدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة عربية , ورأت أن النصر والتحرير , هو الذي يعزز الوحدة العربية , وأنها لن تنتظر الوحدة العربية من أجل نصرة القضية وتحرير فلسطين.
لقد عبرت " فتح " كل المطبات والمؤامرات بقوة وثبات , فمن أيلول ومحطته السوداء في الأردن, والتي كانت بحق الامتحان الأشبه بكربلاء , إلى معارك الصمود في لبنان من " فتح لاند " في الجنوب , إلى بيروت تل الزعتر وصبرا وشاتيلا , تقارع العدو وتتصدى لمؤامرات الشقيق والصديق , من اقتحام المخيمات في بيروت , إلى الانشقاق في مخيمات طرابلس في نهر البارد والبداوي , ظل القائد الصامد ياسر عرفات , يحث الخطى للعودة إلى أرض الوطن , وعندما اشتد الخطب والعدوان , وكان ما كان في اجتياح لبنان , وخروج الثورة موزعة في هذه الأرض , وفي كل مكان , كان رد القائد الواثق , على كل من سأله إلى أين نحن ذاهبون ؟ فيكون الرد إلى الوطن .. إلى أرض فلسطين عائدون , وأوفى القائد بالوعد والعهد , وعاد ليقارع العدو من داخل الوطن , وهو الذي هاجمه الأشقاء والأصدقاء , واتهموه بالتفريط والتنازل , فكان يرد القول الفصل , أعطوني شبرا من فلسطين كي أعيد لكم الأمل في تحرير باقي الوطن.
وصمد القائد ومن معه من فرسان الفتح , على الرغم من جور الأعداء , وعداوة الأشقاء , الذين تحالفوا دون اتفاق , على تدمير ما أنجزه أبو عمار بعد كل اتفاق , وكانت الانتفاضة التي أطلقتها فتح حماية للأقصى والقدس , بعد أن دنسها مجرم صبرا وشاتيلا , أرئيل شارون المقبور , وكان القتل والتدمير , والحصار والدمار, في مواجهة حامل راية النصر والتحرير , وحوصر أبو عمار في مقاطعة العز والفخار , إلى أن طالته يد الغدر الحقير , بوصول السم إلى دم القائد المغوار , الذي لم يخش يوما آلة الاحتلال والدمار , واهتزت الأمة , وانعقدت القمة , لكن دون مروءة وهمة , وبقيت أيها الفلسطيني وحدك تقارع الاحتلال في كل الديار.. ورغم الفاجعة التي ألمت بأبناء الفتح , ورغم الصدمة الكبرى التي أعجزت البعض عن التفكير , بعد غياب قائدها المغوار, انتفضت الفتح من جديد , وعادت بكل عزم من جديد , تعيد أمجاد الزمن التليد , وتصنع الفجر الجديد , وقررت الاستمرار بإرادة وتمكين , من أجل القضية وشعب فلسطين , فلا تقاعس ولا تراجع عن الهدف الوحيد , ففلسطين أولا .. وأخيرا فلسطين , وكما قالها القائد الشهيد أبو علي إياد " نموت واقفين ولن نركع " , ورفعها مدوية القائد الرمز أبو عمار , لن أكون أسيرا أو طريدا , بل شهيدا .. شهيدا .. شهيدا , هكذا علمنا قادتنا العظام , أن مهر فلسطين لا يكون غير الدماء , ومقارعة الأعداء , مثلما فعل الشهيد البطل القائد زياد أبو عين , فهذا قدرنا في فتح أن نكون في مقدمة الشهداء , وليس كمن يقاتل للمصالح الحزبية والشخصية وإقامة الاستعراضات والمهرجانات , ولم يعد يهمنا أن نمنع من إقامة احتفال أو مهرجان.
في الذكرى الخمسين لانطلاقة المارد الفتحاوي , يواصل أبناء الفتح المشوار , رغم ما اعترى الوطن من انقسام , ومشروع انقلاب على المشروع الوطني , الذي أعلنته فتح على طريق تحقيق النصر والتمكين , من أجل بناء الوطن العتيد , ومهما تكالب الأعداء , وتآمر الإخوة والأشقاء , فأبناء الفتح وأبناء الياسر , على الدرب سائرون , يرددون قول القائد الراحل الشهيد ياسر عرفات , القسم هو القسم , والعهد هو العهد , وإنا لمنتصرون , وللأرض والقدس والأقصى , إنشاء الله محررون.