الاسير كريم يونس: جسدٌ آخر يتحرك داخل جسدي

بقلم: عيسى قراقع

اخي كريم: يصعب الآن بعد 33 عاماُ ان تتقيا الا ظلاماً، بعد ان تحول كل شيء الى انتظار على ساعة توقفت دقاتها منذ ان وطئوا نهارنا هؤلاء المحتلين الغرباء.

تمضي الى ما يحب قلبك ويعانده، قلبك حريتك، جميلاً في البعيد، وجميلاً في القريب، ولانك كذلك، اطبقوا عليك الابواب السبعة، انزلوك عن مشنقة الاعدام الى الوقت الاطول في الاعدام، زنزانة تسال اختها، باب يصك باباً، وفيك مفتاح يتدلى على كل الاسئلة.

تسالني هل سابقى هنا؟ اتجادل مع سجان او حاخام لا يفهم،لا يراني الا شبحاً، ولا اراه الا في الظلمة ياتي مع الكرباج والبرد واصوات المقتولين صمتاُ، يعتقد ان المكان يذوب في لغتي، وان هويتي العربية تصدأ، ولكني لا اخشى على نبوءاتي.

جسد آخر يتحرك في جسدي سالاقيه، حياتي ذوقي وشمي ولمسي، لغة في الهواء لغتي، سالاقيه من اعطيته جسمي وروحي، ولن ابدل جلدي، رافعا راسي عاليا، عائداً من السماء الى الارض، وصاعداً من الارض الى السماء، تلك هي دربي، لا اقف يمينا ولا شمالا، لا اتطلع الى الوراء الا لوداع امي، والبحر الذي يسبقني الى طفل مائي.

اخي كريم:

 ثلاثة وثلاثون عاماُ، هاهي السجون تفيض في روحك الواضحة، كنت قبل قليل سيفرج عنك في الدفعة الرابعة، وصرت بعد قليل في الدفعة الغامضة، وسمعتك تقول لحكومة اسرائيل: سابقى فوق حصاني وفي ميداني، لا اسقط في المسافة بين الحرية والمساومة، فاليبنوا سجونهم على جسدي، حليبي ابيض، مائي يتدفق في الحصى، لا يتوقف الموج عن المقاومة،

يا ايها الاسرائيليون: الم تتعلموا من الاسرى ان هذه الام ، الارض، لا تتغذى الا بجثث ابنائها، وعليكم ان تصدقوا اننا الذين نبحث عن الحياة في غباركم واغلالكم، لتتركونا وترحلوا الى اوهامكم الزائفة.

كم سجنا بنيتم، وكم سجانا مر علي، الم تتعبوا من حلمي الثقيل، سنة وراء سنة، رياحاً تعصف رياحاً، حجري ظل حجري، صوتي ظل صوتي، احلامي ويقيني وذكرياتي، انا الحالم المستمتع بنومي، وانتم الساهرون على ليلي، حقيقتي تداهمكم كلما تحركت يدي او فتحت عيني.

ايها الاسرائيليون، انا ادعو حيفا الى برشي، ادعو القدس الى صلاتي، وانتم لا تدعون سوى العسكر وقوات النحشون لقمعي و ضربي، آياتي تضيء روحي، قنابلكم تضيء ليل غزة، انا عائد من تحت الشجرة المباركة، وانتم عابرون على غيومي، متناثرين، مسلحين بالخطايا، وباسطورة لا تحرسها الآلهة.

اما رايتم ايها السجانون كيف ادارت السماء ظهرها لكم، انا شهاب احمر فوق رؤوسكم، الشجر والجبال والبيوت تنحني لتقبل ارضنا المالحة، ولا زالت بين معسكر ومعسكر اقدامكم تائهة.

اخي كريم:

ثلاثة وثلانون عاما، ربما الآن تستوعب الامم المتحدة الوقت الاطول في الصراع، وربما الآن يعرف مجلس الامن كيف يضع حداً زمنياً لهذا الاحتلال، وربما ينهض الشهداء من جدران السجون بدمهم واصواتهم ويجلسون امام قاضي محكمة الجنايات الدولية، وتبلغ العدالة الانسانية سن الرشد والمحاسبة.

هنا ستطرح على العالم كل الاسئلة: كيف تمكن الحياة على ارض لا يتكلم فيها سوى مستوطن وبندقية، وصاروخ  مزق اجساد الاطفال في الشجاعية، وكيف يمكن الحياة على ارض طوقتها الجدران والحواجز، وقصت في ليلة الميلاد اجنحة الملائكة؟؟.

اخي كريم:

لا تقل لي عن رحلتك الاخرى، قادماً من السجن الى الكرمل فلاحاً يلبس كوفية، ولا تقل لي عما يخبئه قلبك من حكايات، منذ ان قتلوا قاسم ابو عكر في المسكوبية، حتى اغتالوا رائد الجعبري بطريقة وحشية، لا تقل لي عن المرضى المعاقين والمصابين بالسرطان ورحيل ميسرة ابو حمدية، وبتر قدمي ناهض الاقرع، وحمى الموت البطيء في مستشفى الرملة، لا دواء  ولا هواء، ولا صدى في تلك الظلمات.

ثلاثة وثلاثون عاما بالسجن، قولوا لهم ان ختام شعبنا الحرية والدولة والقدس عاصمة، وقولوا  لهم ان حقول الاسرى يحصدها الفجر، يطلع من الغيب لحماُ ودماً يضيء الكون، مسافة قصيرة عبرها مروان البرغوثي واحمد سعدات اليوم..

ثلاثة وثلاثون عاما في السجن

اصغو الي:

الدم في التراب لا في الكتاب

الورد في الحقل لا في الهيكل

الاسرى امواج تلطم شفتي اليابسة

اصغوا الي:

وراء القضبان عاصفة...