الثلج والشرطي.. الرواتب وجرة الغاز

بقلم: عيسى قراقع

مر المنخفض الجوي البارد جدا واحتفل الاغنياء بالثلج الابيض وجمال الكون عندما افتتحته عروسة السماء هابطة فوق اشجارنا وارضنا ومحمولة بالخير والامل مع بداية هذا العام الجديد...

ولم يحتفل الفقراء والموظفون بزفاف الثلج الابيض وموسيقاه الرياحية وهي تعزف هنا وهناك، ظلوا محشورين في البيوت، الجيوب فارغة، لا رواتب، لاجرة غاز ولا خبز ولا قدرة على الفرح والابتسام ودعوات الرجاء...

اطبق الجوع والثلج وغلاء الاسعار على انفاسهم، وكان الموظفون يتجادلون ويراهنون بعضهم بعضاً، جزء  منهم قال: مستحيل ان تتركنا الحكومة في هذا المنخفض بدون رواتب، البعض قال صحيح ان هناك ضغطاً مالياً على السلطة وان اسرائيل الملعونة حجزت اموالنا، ولكن ربما تستطيع الحكومة صرف سلف لنا لمواجهة المنخفض الجوي وتداعياته، وآخرون قالوا: علينا ان نواجه الضغوطات بامعائنا الخاوية، هذه معركة قانونية وسياسية تخوضها قيادتنا من اجل الحرية والدولة...

احدهم صرخ قائلاً: يكفي هذه الحال البائسة، ان يحتجز شعباً بكامله رهينة لاسرائيل وللدول المانحة ولشبكة امان عربية اصبحت وهمية، علينا ان نغضب اكثر، وعلى الرئيس ان يغضب، وعلى الحكومة ان تضرب على الطاولة، هذه قرصنة دولية تمارسها اسرائيل وجريمة حرب مكشوفة.

يتجادل الفقراء والموظفون، يوقدون حطباً وقشاً حملوه من هنا وهناك، النار هي الشيء المجاني الوحيد الذي يمكن اشعاله، ويمكن تحمل ديون اخرى فوق الديون السابقة، لا باس، فحياة اولادنا وقوتهم مسؤولية لا يمكن السكوت عليها...

وكلن ذلك الشرطي  الفدائي والذي معاشه 1500 شيكل شهرياً يقوم بمهمة مستحيلة خلال المنخفض الجوي في بيت لحم، ظل يتحرك في الشوارع وبين البيوت تحت قصف الثلج والبرد والمطر والرياح العاتية، حمل عجوزاً حاصرها المطر الى المستشفى، ونقل جرات الغاز الى بيت ام سالم المريضة، واستدعى الجرافة لازاحة الثلج من الشارع الرئيسي المتجه من باب زقاق الى بيت جالا...

تراكم الثلج فوق جسد ذلك الشرطي، وكان يبتسم، يتحدى الطقس، وعندما عاد بعد منتصف الليل الى بيته، اشعل شمعة لان الكهرباء مقطوعة، واولاده يتكومون تحت البطاطين العتيقة، يسمع انفاسهم الساخنة، ويقرا ما يقوله صمتهم البارد...

تسالني الشجرة:

 هل هناك منخفض آخر؟؟

قلت: قلبي على غزة

لا فرق بين هذا التراب وتلك السماء

ايها الغائب المضيء الذي لا يضيء

يا رغيف الخبز الذي لا يجيء

قبري قريب اليّْ

اولادي يردون غطائي عليّْ

شمس هذا النهار صقيع

فوق يديّْ