قبل ثلاثة ألاف عام حدثنا أستاذ التاريخ قصة عجيبة غريبة في بلاد العروبة فقال : زياد بن أبيه ، من أهم قادة الدولة الأموية ، رجل لا أصل له ولا فصل ، ولا يعرف له أب ، وعندما حملت به أمه في العصر الجاهلي ، سألوها ، من أبوه ؟ فاحتارت من تختار من الرجال الذين زرعوها ولاكوها ، ثم نظرت إلى أبي سفيان وقطبت جبينها وقالت :إنه ابن أبيه ! وبقيت الأم هائمة إلى أن احتاجه سادة بنو أمية ليقف معهم وينقلب ضد قائده على بن أبي طالب الذي احتواه وصنعه ، واعترف بنو أمية بغير صراحة أنه ابن أبيهم ، زياد بن أبيه لا يجيد فن القراءة ولا قراءة الواقع ولا المستقبل ولا المجتمع ، لكنه يجيد فن القتل والتهديد والوعيد وإلقاء القبض على العلماء والحفظة وأهل البيت ، وكان أيضا يحب النساء والطعام والنواك ، ولا يحب زيارة ( نواك شوط) لانها تمثل الشورى العربية المنفتحة ، زياد بن أبيه لم يكن له انتماء للوطن أو القضية ، لكنه أوهم شعبه بذلك ،وإنما كان يقوده حقد داخلي على الأصلاء والأغنياء كحقد المهمشين ، كان يحب الوصول والسلطة ولذة الحياة وتعذيب الآخرين . زياد بن أبيه عندما تقدم به السن استشعر نهايته ، لكنه أبى واستكبر وتكابر ، لعن واستلعن ،بكى واستبكى ، وتخلى عنه من دفعوه للقتل والتدمير وتركوه وحيدا إلى درجة أنه لم يكن يقدر على كش الذباب عن وجهه وقدميه المنفرجتين ، فمات وهو نادم وساخط على نفسه ، ولاعن ولي أمره ، مستعطفا جيرانه الذين لم يرحمهم في عز جبروته . فابتسمت وأنا أقدود سيارتي فانحرفت إلى اليمين ليسألني عن بطاقة هويتي ، واخذ يسأل زوجتي التي تجلس أمامي ، فرفعت صوتي عاليا عله يخجل فأنا موجود .
الدكتور محمد بكر البوجي