لقد أفقنا ومعنا العالم فجر يوم الخميس 21 آذار 1968م، على أنباء تصدي أبطال المقاومة الفلسطينية بقيادة قوات العاصفة وقائدها الرمز الخالد الشهيد ياسر عرفات، لأرتال القوات الصهيونية الغازية التي عبرت يومها نهر الأردن للقضاء على المقاومة الفلسطينية خلال ساعات، لكن الفدائيين الفلسطينيين وتلاحمهم مع أسود الجيش العربي الأردني تصدوا بكل بسالة وشرف للقوات الغازية ولقنوها درساً من دروس الحرب التي لا تنسى، ودامت المعركة من الرابعة فجراً إلى السابعة مساءً، دُمِرَّ فيها العديد من الدروع والدبابات والآليات الغازية وأحترقت تحت نيران المقاومة الباسلة وألغامها البشرية المتفجرة، وسقط العديد من المظليين الذين ألقى بهم العدو في أرض المعركة في كمائن الفدائيين، وما أن أصبحت الدروع والآليات الإسرائيلية تحت مرمى المدفعية الأردنية، حتى إنهالت قذائفها حمماً على الآليات والدروع الإسرائيلية، وقد وقع خلال المعركة أكثر من ألف وخمسمائة إصابة بين أفراد قوات العدو الغازية، وسقط العشرات من الشهداء من قوات المقاومة الفلسطينية الأردنية الباسلة، منهم ثلاثة وثلاثون شهيداً من قوات التحرير الشعبية أذكر منهم الشهيد البطل عبد الرحيم عيسى جاموس (خيري)، وقدمت قوات العاصفة مائة وعشرين شهيداً يتقدمهم الشهيد البطل الفسفوري، وقدم الجيش العربي الأردني إثنان وستون شهيداً بين جندي وضابط صف وضابط رحمهم الله جميعاً.
وقد اضطر العدو يومها إلى طلب وقف إطلاق النار حتى يتمكن من إجلاء حطام قواته من أرض المعركة، وهكذا خاب يومها رهان وزير الحرب والعدوان موشي ديان في القضاء على المقاومة الفلسطينية، بل ازدادت بعدها عنفاً وإتساعاً وإلتحاماً مع الجيش العربي الأردني، ومع الجماهير الشعبية الفلسطينية والأردنية، وتصاعدت أعمال المقاومة الفلسطينية الأردنية من أم قيس شمالاً إلى العقبة جنوباً، وكانت حرب استنزاف شرسة قضت مضاجع الاحتلال، وأنطلق العمل الفدائي الذي شاركت فيه بعدها كافة الفصائل الوطنية والقومية، وأثبتت حركة "فتح" مبدأها في أن التحرير طريق الوحدة، وأن المقاومة والكفاح هما طريق النصر والتحرير، وأعطت معركة الكرامة البرهان على ذلك، وأعلن حينها الملك حسين رحمه الله أنه الفدائي الأول، وقال الرئيس جمال عبد الناصر رحمه الله (إن حركة "فتح"، أنبل ظاهرة أفرزتها الأمة العربية).
واليوم ونحن نستذكر هذا اليوم العظيم بعد مرور سبعة وأربعون عاماً نستذكر تلك الكوكبة من الأبطال الذين رسموا لشعبنا ولأمتنا طريق المقاومة والعزة وعبدوها بدمائهم الزكية الطاهرة، فإن تكريمهم هو بالإخلاص والوفاء للأهداف والمبادئ التي قضوا وضحوا من أجلها، وهي العودة، والحرية، وتقرير المصير، وإقامة الدولة وعاصمتها القدس، ولولا هذه الكوكبة، لما كان لنا اليوم وجود على الخريطة السياسية ولما وجدنا العدو يدخل معنا في مفاوضات أو مساومات ولما وجدنا هذا الإعتراف العالمي بحقوق شعبنا الفلسطيني، فذلك الإنجاز ((معركة الكرامة)) هو أساس ما نبني عليه اليوم إنجازات نضال شعبنا على طريق الحرية والتحرير والاستقلال، فيوم الكرامة هو اليوم الأم للنضال والكفاح الوطني الفلسطيني المعاصر الذي قادته حركة "فتح" وقواتها العاصفة بقيادة الشهيد القائد الرمز ياسر عرفات (أبوعمار)، فلتكن الذكرى السنوية السابعة والأربعون للمعركة الأم ((معركة الكرامة)) تأكيداً على روح المقاومة والنضال الشعبي والوطني المستمر في الوطن وفي الشتات حتى يرتدع العدوان وينتهي الإحتلال وينتزع شعبنا الفلسطيني حقوقه المشروعة في وطنه فلسطين كاملة غير منقوصة.
بقلم/ د. عبد الرحيم محمود جاموس