ذكرى استشهاد الشهداء الستة في مخيم جباليا

بقلم: سامي إبراهيم فودة

سلامي المفعم إليكم يا أخوتي الشهداء ورفاق دربي الأوفياء بشذى أريج الأقحوان ورائحة الفل والياسمين ومسك العنبر والريحان,سلامي عليكم يا عظماء شهداء ثورتي,سلامي عليكم يا عشاق الشهادة ونبراس أمتي, سلامي عليكم يا جذور الأمة وملح الأرض ورائحة طينها كلما خفق القلب ونبض الصدر باسمكم أخوتي, سلامٌ على كل قطرة دم نزفت من دمائكم, سلامٌ على كل شهقة وزفرة خرجت معها أرواحكم وارتفعت كالشهب إلى سدرة المنتهي تلاقي ربكم, سلامٌ على جثامينكم الطاهرة يوم أن نخلها رصاص القتلة ورقصوا فوق جثتكم, سلامٌ عليكم يا من كتبتم بدمائكم الطاهرة تاريخ أمتكم وحرثتم أرضكم بسواعدكم الفولاذية وزرعتم زهراً ووروداً وصنعتم المجد والعزة لأمتكم, سلامٌ عليكم يا شهداء الله بالأرض يوم أن غدرت بكم خفافيش الظلام وامتدت يد الغدر والخيانة والنجاسة لتنال منكم,سلامٌ عليكم بتحية الوطن الذي ينحني صاغراً إجلالاً وإكباراً لطهارة أرواحكم, سلامٌ عليكم بتحية قرص الشمس التي تغيب خجلاً من تلك الشموس المضيئة بنوركم,تحية شموخ وكبرياء في ذكرى استشهادكم أيها الشهداء يا أبناء القائد الشهيد أبو عمار وأخوة الشهيد أبو جهاد وأخوة الشهيدة دلال المغربي وأحفاد الشهيد صلاح الدين ومن تبقى من جيوش حطين..
نستذكر اليوم يا أبناء شعبنا الفلسطيني العظيم. يا أبناء الثورة الفلسطينية الباسلة..يا أبناء الفتح الديمومة..ذكرى أليمة ومؤلمة مازالت خالدة في الوجدان وراسخة في القلوب,ذكرى استشهاد القادة الشهداء الستة أبرز قادة الجهاز السري لصقور الفتح (الجناح العسكري لحركة فتح ) في مخيم جباليا الثورة والصمود, ذكرى جريمة بشعة لن تمحى من ذاكرة الأجيال وستبقى تندى لها الجبين ويدمى لها القلب وتدمع لها العيون, ذكرى اختلاط الدم والبارود وأسماء الشهداء الستة لن تموت,ذكرى وقعت يوم الاثنين الموافق 28/3/1994م فقد طالتهم يد الغدر والخيانة والأيدي الآثمة المجرمة مع موعد أذان المغرب,حيث انتفض على أثرها السواد الأعظم من أبناء المخيم بكل فئاته العمرية المختلفة بالصراخ والهتاف والتكبير والشجب والتنديد من داخل الأزقة وشوارع المخيم متجهين أمواجاً بشرية إلى ساحة الجريمة المكان الذي تم فيه أرتكاب المجزرة البشعة في منطقة تسمى"القطاطوة"لقد تمكنت وحدات خاصة من المستعربين العملاء وبمساندة قوات الجيش الإسرائيلي من تنفيذ مهمة اغتيال القادة الشهداء الستة في كمين محكم ومطبق وتعتبر هذه الجريمة النكراء البشعة في تنفيذها على أيدي القتلة من أقسي الضربات الموجعة والمؤلمة التي تلقاها الجناح العسكري السري لصقور الفتح بتاريخ الثامن والعشرين من مارس آذار 1994..
لقد تحركت السيارات ومن بينهم سيارة الأخ الشهيد أحمد أبو ابطيحان 504 والذي كان فيها الأخوة الشهداء الستة وغيرهم من الأسماء الأخوة الذين نجوا من الموت بأعجوبة وكتب لهم الله الحياة وقتها وهم الأخ المناضل وحيد صالح والأخ الشهيد محمد غريب"أبو المجد "و كانوا الجميع متجهين إلى حي الشيخ رضوان ما بين الساعة الثالثة والرابعة عصراً,وعندما وصلوا الأخوة إلى حي الشيخ رضوان,فقد جرى هناك اجتماع مغلق لأبناء حركة فتح وجناحها العسكري المسلح وعدوا بيان عسكري لهذه المهمة,بتعليمات من قيادات التنظيم في حركة فتح وعلى رأسها الأخ الشهيد أبو عمار وكان الهدف من هذه المهمة المحدودة هو تطهير التنظيم من بعض الشوائب والسلوكيات المشينة التي مورست باسمه وقد أساءت هذه الثلة لسمعة الحركة وتاريخها فكان لابد من استئصالها من الجسم التنظيمي للحركة وعلاج ما تم إفساده في التنظيم, كما شاركوا في حضور حفل تأبين الشهيد سامي الغول والذي صادف على مرور ذكرى استشهاده عام,وهناك ألقى الأخ الشهيد أنور ألمقوسي "أبو جعفر" كلمة بهذه المناسبة وبعد تقديم واجب العزاء فقد هموا الأخوة للرحيل إلى مخيم جباليا وعند وصولهم من دوار "القطاطوه" ومعمل الخرابيشي للحجارة..
تفاجؤا الأخوة جميعهم بما فيهم الأخوة الشهداء الستة بمجموعة من العملاء منتشرة بين جموع الناس وموزعين في أماكن متفرقة وقوات صهيونية خاصة قاتلة دموية تركب سيارات غزية وترتدي ملابس عربية ومن خلال إشارات فسفورية متفق عليها مع المنتشرين على الأرض من العملاء لحظة وصول الأخوة القادة بسياراتهم لتنفيذ المهمة وعلى الفور وعند وصول الأخوة القادة الشهداء الستة وقفت القوات الخاصة في طريقهم وعطلت حركة السير وداهمتهم بشكل مباشر وقاموا بإطلاق الرصاص عليهم بغزارة ونزل بعض الأخوة من سياراتهم وتمكن عدد منهم من الفرار من المكان والبعض الآخر من الأخوة الذين بقوا حوصروا في المكان وقد رد عليهم الشهيد أحمد أبو ابطيحان " أبو سالم" وأصاب العديد منهم ولكن حكمة الله كانت فوق كل شيء فقد تم إعدامهم بطريقة بشعة ومعظمهم تم تصفيتهم بإطلاق الرصاص عليهم من نقطة الصفرعلى رؤوسهم وصدورهم لدرجة أن رؤوسهم تفجرت من شدة الرصاص وكانوا الأخوة الشهداء الستة موزعين في أماكن استشهادهم وهذا كان واضح من غزارة دماء الشهداء الأبطال الستة الذين ترجلوا مساء الثامن والعشرين من مارس عام 1994، وسط مخيم جباليا، أربعة منهم من أبناء المخيم وهم أحمد سالم سليمان أبو ابطيحان و جمال سليم خليل عبد النبي وأنور محمد عبد الرحمن المقوسي و ناهض محمد محمد عودة واثنان من حي الشجاعية شرق غزة وهم الشهداء عبد الحكيم سعيد فرج الشمالي و مجدي يوسف علي عبيد وجميعهم أسرى محررين أعطوا حياتهم فداءً لوطنهم ورووا يوم استشهادهم تراب الوطن بدماءهم...
وبعد أن تم الإجهاز على الشهداء الستة المضرجون بدمائهم والمثقوبة أجسادهم الطاهرة الفتية بالرصاص, لحظات كانت معدودة من الدقائق ويسدل الستار على ارتكاب جريمة نكراء بشعة قذرة يندى لها الجبين أبطالها قتلة مجرمين أوغاد ومنفذيها خفافيش ظلام مرتزقة عملاء مأجورين وعلى الفور فقد حضرت قوة معززة من قوات الجيش بسيارتهم العسكرية إلى مسرح الجريمة لوضع اللمسات الأخيرة للتأكد والاطمئنان من صحة خبر موت الشهداء الستة جميعاً,فتم تطويق المكان حول مسرج الجريمة وفرض منع التجول على كل مخيم جباليا,فهؤلاء القتلة كانوا يعلمون مدى فداحة جريمتهم وجرمهم الذي اقترفوه, فقاموا بطريقة هسترية بالاحتفال على طريقتهم بالرقص فوق جثث الشهداء ومصادرة الجثث بعد تفتيشها واخذ كل ما بحوزتهم من أوراق ثبوتية وغيرها من النقود والجوالات, وانسحبت القوات الخاصة مع قوات الجيش الصهيوني تاركة وراء جريمتها بركة من دماء الشهداء وأجزاء كتل لحمية بيضاء خرجت من رؤوسهم,فقد انتشر الخبر كالنار في الهشيم وبدء الغضب الجماهيري يعم قطاع غزة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب,وراح الإعلام الصهيوني عبر إذاعاته المرئية والمسموعة يروج لهذا الحدث والانتصار المهم بأنه قام بتصفية مجموعة مخربين كانوا يعدون لعمل عسكري خطير ضد المؤسسات والمنشآت المدنية والعسكرية لتبرير جريمتهم أمام الرأي العام..
وبدء مخيم جباليا وجماهيرغزة الغفيرة بالزحف نحو مكان الجريمة لتوديع الشهداء الستة ومعرفة ماذا جرى وكيف تم قتلهم ومن وراء عملية التصفية ومن المستفيد في هذا الوقت بالذات من التخلص منهم وإبعادهم عن قيادة العمل التنظيمي,وقامت الإدارة المدنية الإسرائيلية في مخيم جباليا باستدعاء ثلاثة أشخاص من كل عائلة لدفن الشهداء في المقبرة الشرقية,وتم دفن الشهداء الستة بجوار بعضهم بعض وعلى سطر واحد وأقيمت لهم بيوت العزاء وعم الحداد في قطاع غزة وارتفعت الرايات السوداء فوق المنازل حداداً على رحيل ستة شهداء أقمار من خيرة أبناء شعبنا الفلسطيني رفعوا بسواعدهم لواء الحرية وحملوا أرواحهم على كفهم ودافعوا بكل بسالة دفاع الأبطال عن ثري وطنهم,فقد مر الزمان بنا وكبرنا وهرمنا وشخنا وكبرت معنا أطفالنا وأصبحوا رجالاً يمرون للأسف صباحاً ومساءاً من أمام النصب التذكاري لشهدائنا, لا تعرف حقيقة من هم رجالنا الذين بدمائهم صنعوا المجد لنا,وتخليداً ووفاءً لدمائهم سميَ ميدان الشهداء باسمهم, فلم يتمكن قاتل إخوتي ورفاق دربي من إزالة النصب التذكاري لهم,ففعلت حماس ما لم يفعله العدو في 2008م بإزالة النصب التذكاري لشهداء أبناء شعبكم,أما بالنسبة لنا فهم وساماً على صدورنا أما لغيرنا فهم شوكة في حلق أعداءنا وخصومنا,فقد أصدرت حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح بصفة خاصة والتنظيمات الفلسطينية بصفة عامة بيانات تندد عملية الاغتيال الجبانة بحق أبطالنا الأوفياء قادة الجهاز السري لصقور الفتح (الجناح العسكري لحركة فتح )وأقيم لهم مهرجان مركزي في مخيم جباليا الثورة والصمود... المجد كل المجد والخلود لشهدائنا الأبرار..
والخزي والعار للقتلة المجرمين العملاء.
المجد والعلا لكل الشهداء الشرفاء..
وفي نهاية سطور مقالي ارفع يدي إلي السماء واطلب من الله العظيم أن يتغمدهم بواسع رحمته وان يسكنهم فسيح حنانه يا ارحم الرحمين يا الله


أخوكم ابن الفتح البار// سامي إبراهيم فودة