أكاديمية مروان البرغوثي

بقلم: عيسى قراقع

في نيسان 2002 وبعد أن قامت قيامة إسرائيل بدباباتها وطائراتها وصواريخها ودمويتها، اعتقل القائد النائب مروان البرغوثي، في أجواء الملاحقات والاغتيالات والاجتياحات والحصار.

إسرائيل بأركانها الحربية والأمنية احتفلت باعتقال مروان واعتبرت اعتقاله أجمل هدية في عيد استقلالها كما قال الجنرال الإسرائيلي موفاز، وهذا لم يعجب شارون الذي تمناه قتيلا ورمادا في جرّة.

وعلى وقع إحياء الشعب الفلسطيني ليوم الأسير الفلسطيني ، وفي ذكرى استشهاد خليل الوزير أبو جهاد، وخلال حصار الرئيس الشهيد ياسر عرفات، وفيضان الدم في مخيم جنين، وإعدام العذراء في كنيسة المهد، تكالب كبار المحققين و خبرائهم على مروان في أقبية التحقيق.

ومن المسكوبية الى الجلمة إلى بيتح تكفا إلى السجن السري إلى العزل الانفرادي، إلى لائحة اتهام سياسة تحاكم نضال الشعب الفلسطيني برمته من خلال مروان، وخمس مؤبدات ثقيلات تجرّ أغلالا وسجونا وعذابا لآلاف الأسرى والأسيرات المعتقلين في الزنازين والمعسكرات الاحتلالية، ظل مروان يرفع شارة النصر بيدين مكبلتين، رافع الرأس، رافضا الاعتراف بشرعية المحاكم الإسرائيلية، ورافضا أن ينحني، حاملا دمه وقلبه وروحه على طريق الحرية والشرف والكرامة.

لقد مرت ثلاثة عشر عاما على اعتقال مروان ولم تستطع الجدران أن تحتويه، ظل متحركا في موج مبادئه وقناعته، ولم يستطع المحققون كسر مكانته الرمزية والسحرية كقائد شجاع، ولم يصرخ أمام جروحه المفتوحة وآلامه السياسية المقلقة، كان عاليا كالخواطر، ممتدا إلى ما بعد السجن، والى حيث ينفجر اليقين الفلسطيني وهو يصرخ: الاحتلال إلى زوال.

هي أكاديمية مروان البرغوثي النضالية والفكرية والثقافية والسياسية ،رؤية نبوية تخترق خاصرة الاحتلال وهو يؤكد لهم أن اليوم الأول للسلام هو اليوم الأخير من عمر الاحتلال، وأن المحتلين سيغرقون في عنصريتهم وعجرفتهم، وتتحول قوتهم المتضخمة إلى نقمة عليهم إذا ما استمروا دولة عسكرتارية وبوليسية.

أكاديمية مروان البرغوثي بدأت منذ أن دعا إلى مقاطعة محاكم الاحتلال، معتبرا أن القضاء الإسرائيلي هو أداة لتعميق وتكريس هذا الاحتلال، وبدأت منذ أن فضل أن تقطع يده على أن يعترف خلال استجوابه القاسي في أقبية التحقيق ، وبدأت منذ أن حول السجن إلى مدرسة لتعليم الأسرى في المواد الجامعية والثانوية، وبدأت منذ أن حول محاكمته إلى محاكمة دولة الاحتلال وأعمالها الإجرامية بحق الشعب الفلسطيني.

ولم تبق مناهج الأكاديمية البرغوثية محصورة بين الجدران، بل امتدت إلى فضاء العالم ، المدن الأوروبية علقت صوره على جدران بلدياتها وفي شوارعها، صورا مضيئة توخز الضمير الإنساني وتلقي كل الانتباه على المعذبين في السجون، القادة والنواب والمرضى والقدامى والأطفال والنساء، وتكشف الستار عن دولة لازالت تختبئ داخل دباباتها وقنابلها : تطلق نار الموت عن كل ما هو إنساني وحي في الكون.

هي أكاديمية الصمود والنصر والوحدة الوطنية، عندما وضع البرغوثي وثيقة الوفاق الوطني مع سائر قادة الفصائل في السجون، وهو يقول: الوحدة الوطنية قانون الانتصار، وشركاء الدم هم شركاء في القرار.

أكاديمية مروان البرغوثي توجت بالحملة الدولية لإطلاق سراحه والتي أطلقت من زنزانة القائد الاممي نيلسون مانديلا في جزيرة (روبين آيلاند) في جنوب أفريقيا، وقد انضم إليها أسرى سياسيين معروفين على المستوى الدولي، ورؤساء وقادة حاليين وسابقين، وشخصيات مدافعة عن حقوق الإنسان، وشخصيات حاصلة على جوائز نوبل للسلام ، وانتقلت الحملة إلى بلدان أخرى، بحيث بدت أكاديمية مروان البرغوثي أكاديمية للعدالة الإنسانية، ولحق الشعوب في تقرير مصيرها وإنهاء الظلم والاستعباد على مستوى العالم.

يقول: احمد كاترادا وهو احد رموز النضال ضد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وقد أمضى 26 عاما مع نيلسون مانديلا في السجون: يوما ما سنحتفل بحرية مروان البرغوثي، وسيرى العالم ابتسامته وشارة النصر مرفوعة إلى أعالي السماء، وستكون هذه اليد فاتحة لمصافحة المستقبل من اجل العيش بسلام.

أكاديمية البرغوثي تتألق في الفضاء العالي، وفي الأجيال المتتالية، حرية أخرى خارج الأسوار والأسلاك الشائكة، اختبار للمشاعر الإنسانية وللقوانين الدولية وللضمير الإنساني ، نوافذ للحياة والمظلومين والفقراء، ومن سقطوا شهداء من اجل الحرية والكرامة والسلام العادل.

يقول مروان:

أفتح هذا الكتاب

لا أُغلق أي باب

اقرأ دمي ونشيدي

يدايَ تعصران الغيوم

قدماي تغوصان في التراب

أرى شعبا جميلا

يموت ويحيا

شجرا في جسدي

وعدا في الغياب

بقلم/ عيسى قراقع