الا المخيم.................!!

بقلم: توفيق الحاج

في اوائل الخمسينات من القرن الماضي ولد (المخيم) على انقاض احلامنا بالعودة .. افترش السوافي البكر.. وحل لون قوالب الزفزف والقرميد الداكن محل لون الطبيعة الاصفر البهي.. كنا ندلعه بكلمة (المعسكر)..وهويحمل ذكريات طفولتنا ولجوئنا ..لعبنا وتعلمنا وضحكنا وبكينا ..تظاهرنا وهتفنا... احببنا وكرهنا فيه.. ولما كبر وكبرنا انتفضنا به..طوردنا واعتلقنا .. وسقطنا شهداء وجرحى ومعتقلين..... ومن تبقى ...واصل الحياة ..معلما ومهندسا وطبيبا وثائرا ومقاتلا أو لصا وتاجرا وزعيما ..ولم ينس احد منا ان هذا المخيم محطة مرور الى حق يجب ان يعود..!!

تجاوز عمر المخيم الستين عاما ..وظهرت عليه علامات السيخوخة ولين العظام والسمنة المفرطة .. وضاقت شرايينه وتكلست رئتاه... وتاه مابين التوسع الافقي والراسي ... فبدت ملامحه مضحكة كتضاريس وجه اسماعيل ياسين في مستشفى المجانين..!!

اتذكر اول عملية جراحية خضع لها عنوة وبدون بنج في السبعينات وهو موفور الصحة على يد الفاتح الاسرائيلي(شارون) عقابا له على تمرده... واتذكر اننا تظاهرنا في (بلوك G) وكافةالبلوكات ضد ذلك لكن تبين فيما بعد ان رب ضارة نافعة...!! فقد عافاه ذلك من حدوث جلطات واختناقات..وانفجارات لاسمح الله...

هذا المخيم الختيار...نحن ندين له بكل شيء.. وبالتالي نحن حساسون جدا من الاقتراب منه بخير او بشر ... لان وفاته او تغييبه قبل ان نعود تعني تصفية حلم وانتحار وطن ..!!

وبصراحة اكبر...نحن نتحسس من أي تصرف لوكالة الغوث التي تسحبت عبر السنوات من خدماتها المستحقة للاجىء الى ادنى حد... فلا تموين ولاتغذية ولا غراب بين...!! واولاد الحرام ماخلوا لاولاد الحلال سكة... حتى اسماء مدننا وقرانا الاصلية طاردوها في السجلات المدرسية والاجتماعية وفي الذاكرة..!!

نحن نخشى من محاولة تذويب المخيم في محيطه بتواطئ فصائلي دولي سياسي في اطارتذويب كلي للقضية.. واعطس ..يرحمكم الله!!

انا ابن المخيم فارقته جسدا بعد الاربعين ..واحن الى ازقته كل صباح ... والى عتمة عبوسه كل مساء.. ففيه لايزال اهلي واحبتي..ولولا ضاقت بي فسحته ماضقت به..كيف وانا لازلت احلم في جنباته كل ليلة..

انا ابن المخيم ..ولا فخر..لست اكثر وطنية وحرصا وغيرةعليه من ابنائه الاخرين ولا ازايد على احد ... لكن من تسول له نفسه من قلة عاقة ...ان يتاجر بعمامته...لمنفعة او ظهور ...فهو بالعداء اولى وبالتعرية الزم ..

ارفض وبشدة ان يطلق مسئول على مخيمنا وصف (عش الدبابير)..!! حتى ولو بحسن نيه.. فهذا لايعبر عن احترام والتزام... انما عن شعور بالرغبة في التخلص من عبء ثقيل..كما رغب رابين يوما في التخلص من غزة...!!

كلنا مع التطوير واجراء الجراحات العاجلة وتوسيع شوارع واستحداث ساحات لمخيم عانى من الاهمال كثيرا حتى تضخم كبده واصابه المرض العضال... بل ونشكر من يتطوع لذلك .. الا ان ذلك لن يكون مفيدا الا بعلم ورضا اللاجئ المتضرر وقناعته وانصافه..بمبدأ بيت مقابل كل بيت بعيدا عن المساومة والابتزاز كما لو كنا تجارا في سوق مواشي..!!

ولن يكون مجديا ايضا الا بتوفير الامن والسلامة للشوارع الموسعة بارصفة او حماية..صيانة لاطفال من يتبقون في حضرة المخيم ..

يدي في يد من يخلص نية وعملا ...وساكون اول الداعمين لتطوير المخيم واول المشاركين والمباركين ...

وعاش المخيم .... المجد للمخيم محطة التحدي من اجل حلم مستحق بالعودة ..!!

بقلم/ توفيق الحاج