قبل أيام فارقنا الكاتب والمناضل الدكتور محمد أيوب ، ابن مخيم خان يونس في قطاع غزة ، بعد معاناة وصراع شديد مع مرض عضال لم يمهله طويلاً .وبوفاته تفقد الحركة الثقافية الفلسطينية علماً من أعلامها البارزة ، وكاتباً وروائياً مبدعاً ، ومناضلاً حمل جراح وهموم شعبه الوطنية ، وانحاز لقضيته المقدسة ، وانتصر للحرية .
كان الراحل محمد أيوب صاحب مواقف وطنية وقومية وتقدمية صلبة وراسخة ، وكان نموذجاً ومثالاً للإنسان الوطني التقدمي المضحي والمقاوم والمدافع عن قضايا شعبه لأجل الاستقلال الوطني والعودة . وقد عرفته السجون والزنازين الاحتلالية بسبب كتاباته الأدبية الملتزمة ، ومواقفه السياسية والوطنية المناهضة للاحتلال .
يعد محمد أيوب من الأصوات القصصية الفلسطينية القادمة من مخيمات البؤس والشقاء والحرمان ، وينتمي للجيل الفلسطيني الأدبي الذي ظهر في القطاع بعد الاحتلال ، جيل غريب عسقلاني وعبد اللـه تايه وتوفيق الحاج والمرحوم زكي العيلة . وتمثل تجربته القصصية نموذجاً خاصاً تتجاوز الأشكال التقليدية في الكتابة الإبداعية . وقد استطاع أن يلتقط روح المرحلة ونبضها وتصوير الهموم اليومية لشعبه الرازح تحت نير الاحتلال ، هذا الشعب الذي آثر الصمود والمواجهة ويطمح إلى معانقة ضوء الشمس .
نشر محمد أيوب قصصه القصيرة في الصحف والمجلات الثقافية والفكرية الفلسطينية منها :القدس والشعب والفجر والنهار والفجر الأدبي والبيادر والكاتب والشراع والحياة الجديدة والأيام والاتحاد والجديد وفلسطين الثورة وغيرها. وفي سنة 1977تمّ اختيار قصته "البذرة تتمرد" من قبل الأديب الراحل إميل حبيبي من أفضل عشر قصص قصيرة في الضفة والقطاع . ونشرت هذه القصة في مجموعة مشتركة في بيروت بعنوان "هكذا فعل أجدادنا "، وفي سنة 1978 نشر مجموعته القصصية الأولى "الوحش" ، وبعيد الانتفاضة الأولى صدرت مجموعته "صور وحكايات"وروايته "الكف تناطح المخرز" ، إضافة إلى روايته "الكوابيس تأتي في حزيران"التي نشرها سنة 1998.
محمد أيوب، كغيره من الكتاب الفلسطينيين، يتناول في أعماله القصصية والروائية قضايا سياسية واجتماعية طبقية من صميم الحياة الفلسطينية الراهنة تحت الاحتلال ، وينقل صور وحكايات صادقة من واقع المخيم الفلسطيني بكل ما يمثله من معاناة وقهر وفقر وبؤس وتشرد ، كما يتعرض للطفولة البائسة المحفزة إلى التغيير.
وفي روايته "الكف تناطح المخرز" يرصد محمد الفترة الزمنية الممتدة من أواخر حزيران وحتى آب 1988 ، ويحكي قصة شاب أراد له والده أن يكون حيادياً في مسألة الصراعات السياسية والفكرية في المجتمع ولهذا اسماه "حياد" لكنه يتمرد على هذا الوضع ويتساءل في نفسه : إلى متى سيبقى عديم اللون والطعم والرائحة ؟. ولم يسلم حياد من قوات الاحتلال التي تزج به في المعتقل ، وهناك يلتقي مجموعة من السجناء الثوريين فيتفتح وعيه من خلال النقاشات والسجالات الفكرية التي تدور بين هؤلاء السجناء ، لكن حلمه وهاجسه ورغبته في الحياة إتمام الدراسة الأكاديمية ، وبعد أن يطلق سراحه يتوجه للدراسة في جامعة بير زيت . وما أن يبدأ الدراسة فإذا بالانتفاضة تندلع في الأراضي المحتلة ، ويقوم الاحتلال بإغلاق الجامعة، فيعود الى منزله في خان يونس، وهناك يشارك في المواجهات الشعبية ضد المحتل ، وبعد ذلك يذهب حياد للعمل في "إسرائيل" فتصادفه فتاة يهودية تحاول استمالته إليها، لكنه يرفض بإباء إقامة علاقة معها. وتنتهي الرواية باعتقال حياد إدارياً، وفي السجن يستشهد في عملية قمع تقوم بها إدارة السجن ضد المعتقلين الفلسطينيين، وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة يرسم شارة النصر ويبتسم.
والحقيقة أن محمد أيوب نجح ، بوعيه ونفاذ بصيرته، ملامسة الواقع ورسم المأساة ونقل المعاناة الفلسطينية ، التي عاشها وأحسها على جلده ، وقدّم لنا قصص الميلاد والثورة والفرح الإنساني الآتي ، مدللاً على التصاق الإنسان الفلسطيني بالأرض والوطن والمخيم ، وإيمانه الذي لا يقهر ولا ينطفئ بعدالة قضية شعبه الوطنية ، وطموحه إلى التغيير الثوري وبناء المستقبل المضيء ، الذي تتحقق فيه الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية.
خلاصة القول ، محمد أيوب قاص فلسطيني صقلته التجارب والأحداث اليومية ،وأثبت حضوره في الفضاء الثقافي الفلسطيني ، وجاءت كتابته عفوية وشفافة وملتزمة بقضايا الناس والحياة والمجتمع ، ورحل عن الدنياً تاركاً أرثاً أدبياً خالداً . فوداعاً أيها الصديق القديم ، وسلاماً لك يا ابن المخيم .