*(وانا احتضنه في لحظاته الاخيرة.....وانا اقف امام جسده المسجى.. وانا اودعه واصلي عليه... فكرت فيما فكرت وكتبت ماكتبت. لعله يكون راحة مهداة باذن الله الى روح صديقي ورفيق دربي محمد ايوب )
................
منذ وعيت على سماء سوداء..عرفت فيما بعد أنها خيمة اللاجىء..وأنا أقف حائرا أمام سر الوجود..وأحاول أن أقنع نفسي صادقا بما درس لي من ترغيب وترهيب.
كان رأسي ولازال أشبه بعلبة ثقاب مشتعلة أو حلبة مصارعة بين ملائكة التقوى وشيطان الرغبة داخلي.. اما التسليم بما يعرض علي من ارتكان إلى تابوهات لا يجب التنقيب فيها أو الاستسلام لمس شقي من سؤال في لايهدأ ويفضح تقواي وهدوئي في كل مناسبة .
كنت اتصور في ريعان الشباب اني الوحيد الذي يعيش هذا التمزق وكنت أتصور أيضا اني الوحيد الذي يعاني بصمت للوصول الى بئر الحقيقة واسرار الحكمة..!!
وكان السؤال ينشب أظافره في هلام دماغي الصغير..
ماذا وراء الموت..؟!!
ماذا وراء دوران ساقية الحياة من صرخة الميلاد وحتى الشهقة الاخيرة..؟!!
كاد يقتلني فضول سقراط لارتقاء سور النهاية والنظر ولو للحظة ثم العودة بالخبر اليقين..!!
أدركت فيما بعد وبفضل خلوتي مع خليلتي الاثيرة القراءة..أن هذه التساؤلات وهذا الفضول لم أصطف بهما وحدي وانما أرقا قامات وقمما في الفكر والصوفية والفلسفة لاقبل لنكرة مثلي بالمقارنة معها..فلا أنا كاؤلئك في صفاء الروح وروعة الخيال وعمق الفكرة ولاهم مثلي في همود النفس وقلة الحيلة وكآبة الحال ...!!
ولكن يرغم هذا وذاك أدعي أني وبعد رحلة عمر طويلة قد رسوت بقاربي قريبا جدا من موطىء قدمي ابي العلاء والخيام وابن الرومي..!!
بدأت بمعاناة اللجوء..فرومانسية جبران ثم اختطفني غسان وشدني ناجي العلي وهتفت مع النواب والهاتفين الي ان فجعت برسل الثورة وجدتني أبصق على صورتي في المرآة وغمرتني كآبة أفضت بي الى لحظة صوفية لا أروع ولا أجمل هدأت فيها انفاسي المتعبة وهداني الاعتزال الى اخوان الصفا والمعتزلة فأهدوني نظرة لاتخيب في فهم الكون.
وعندماأقرأ او أسمع ما قال الخيام "
لبست ثوب العيش لم أستشر..وحرت فيه بين شتى الفكر
وسوف أنضو الثوب عني ولم..أدرك لماذا جئت .. أين المفر.
أحس كأني نكأت في جوفي عطشا أبديا فابحث جاهدا عن ارتواء يتجلى في ابيات له أخرى "
يامن يحار الفهم في قدرتك..وتطلب النفس حمى طاعتك
اسكر ني الآثم ولكنني ..صحوت بالآمال في رحمتك.
ولكن العطش يطفو على لساني وتكاد لغتي تجف من فرط الحيرة وذلة السؤال فألجأ منكسرا إلى التوبة ملؤها التوحيد مرددا
ان لم أكن أخلصت في طاعتك..فانني أطمع في رحمتك
وانما يشفع لي انني..قد عشت لا أشرك في وحدتك
وهنا يهمس في أذني ابو العلاء:
خفف الوطء ما أظن أديم الارض الامن هذه الاجساد..!!
صاح هذي قبورنا تملأ الارض..فأين القبور من أهل عاد..؟!!
فأصرخ ملءجهلي "
ياألهي..أهذا البساط الذي نزهو عليه ونجبل منه قلاعا وجرار ماء هو بقايا عظام ملوكنا وعبيدنا وأجدادنا التي نخلت وتبخرت معها لحظات المجد والالم..؟!!
يالهي.. أنصبح بعد حين ترابا يطأنا أحفادنا بلا مبالاة دون أن يعلموا شيئا عن دموعنا وضحكاتنا ودون ان يعلموا شيئا مثلنا عن سر دوران الساقية من التراب الى التراب
يعيدني الصمت الى الخيام وهو يتمتم
أحس في نفسي دبيب الفناء.. ..ولم أجن من العيش الا الشقاء
يا حسرتا ان حان حيني ولم.. .. يتح لفكري حل لغز الفضاء..
نعم لقد حاولوا وحاولت..ولا حول ولا قوة الا بالله. انهمرت دموعي وانا سمع عن بعد
يا عالم الأسرار علم اليقــــــــيـن.... يـا كاشـف الضـر عـن البائسيـــــن
يـا قابـل الأعـذار عدنـــــا إلـــــى.... ظلــــك فأقبــــل توبـــة التائبيــــــن
توفيق الحاج