قبل أن يطويها النسيان حقائق ساطعة ولكن صادمة

بقلم: محمد صالح الشنطي

عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : (( إن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا ، وإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا))
سأبدأ من حيث انتهى مسلسل الكذب الذي مارسه الإعلام الناطق باسم إخواننا في حركة المقاومة الإسلامية مؤكدا أنني لا أكره حماس و لا أنحاز ضدها ، فقد تربيت زمنا في محاضن الإخوان المسلمين في طفولتي الأولى في مدينة خليل الرحمن ، و لا أحمل لهم إلا الوفاء لقيم تلقيتها في تلك المحاضن ، ولكنني أشعر بالخذلان المبين ، وقد لفتتني تلك النشأة الأولى إلى عظمة ديننا الإسلامي الذي هو دين المحبة والتسامح والحياة ، و جل أصدقائي من الذين اختطوا الإسلام منهجا لحياتهم و كتاباتهم ودعوتهم وأكن لهم الاحترام و التقدير ، وكنت أستنكر و ما زلت أنفر من كلمة (الظلامية ) التي توصف بها حركة الإسلام السياسي إلى أن أدركت أن من يعشو إلى نور الإسلام لا يمكن أن يتقنّع بقناع الظلام ؛ ولكن الكذب هو الظلام لأنه يطمس الحقائق و يعمي الأبصار و يدلس على الناس ، وهل هناك ظلام أشد حلكة من هذا .
إنني أنعى على فريق من شبابنا تعصبهم الشديد الذي يظهر من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ، فبعضهم لا يرى في الفئة التي يناصرونها إلا الإيجابيات ، ويعمى عن السلبيات ، وتغره الكلمات والشعارات ، أو يشترك في استغفال خلق الله لحاجة في نفس يعقوب ، و ما أكثرهم بعد أن أصبح الانحياز لطرف ما موضة،إنهم أصحاب دين وأولئك خريجو مواخير " الله لا يردهم خلي حماس تخلص عليهم" ، ولا مانع من إعمال السيف في رقابهم إرضاء لنزوات السادة مشجعي فريق كرة الدم اللاعب الوحيد على الساحة ، وكل شيء بعدهم عدم .
أغاية الدين تحفو شواربكم يا أمة ضحكت من جهلها الأمم ،
والله هكذا وعلى الهواء مباشرة شطبت التضحيات كلها وآلاف الضحايا في الصراع مع العدو تم إلغاؤهم وأصبح الجميع من السكارى والمأفونين ، وأما أولئك فأطهار أبرار ، وهو ما لا نقبله ، فالجميع أبناؤنا كل له ماله وعليه ما عليه ، فعلى أكثر من عقد من الصراع المسلح من العدو يؤخذ الشهداء بجريرة حفنة من الفاسدين الذين شوهوا نضالاتنا، أفيقوا من فضلكم لاحظت ذلك حين طرح موضوع ما أشيع عن الاتفاق المنتظر بين حماس وإسرائيل ، حيث وصل الأمر ببعض أصحاب المواقع أن قالوا : لمّا تعمل حماس اتفاق نؤيدها مهما عملت أما أنتم فلا .
أنا أصرخ بوصفي معلما أولا ، والمعلم مرب ، و المربي لا ينبغي أن يتخلى عن واجبه ، وواجبي يقتضي أن أصرخ : كفى تعصبا وكفى غفلة ، و كفى بلاهة، و كفى مكابرة ، وكفى غباء واستغباء ، لابد أن نصدع بالحق ، اصرخوا في وجهي إذا كذبت أو افتريت ، و أنا أؤكد بكل جرأة و صوت عال وإلا كنت خائنا لرسالتي متنكرا لمهمتي : ثمة من يستغفلنا باسم الإسلام وعليهم أن يعودوا إلى رشدهم ، وهناك من يكذب علينا باسم الإسلام ، ومن يفعل ذلك عليه أن يعلم أننا لن نصمت ، و لو حشد كل أجناس الأرض ليؤيدوه ، هذه هي الوقائع و تفضلوا كذبوني لكي أبوء بإثمي مشهرا بأطهر حركة ربانية ظهرت على مدى التاريخ القديم و المعاصر ؛ أما أن نستغفل باسم الدين فلا ولو حشدتم كل علماء الأرض ممن نحترمهم ونجلهم؛ ولكنهم وقعوا في الفخاخ المنصوبة بحذق وعناية و رعاية ، و هم يأبون التراجع وسيبوؤون بالإثم المبين إذا لم يراجعوا مواقفهم وإن فتحت كل فضائيات الأرض لهم متغنية بعلمهم و مستضيفة لهم ابتداء بالجزيرة و ليس انتهاء بالأقصى ، أفيقوا من غفلتكم ، يجري استغفالكم وأنتم تظنون أنكم تحسنون صنعا. ناشدتكم الله إلا راجعتم فتراجعتم .
وعود على بدء فآخر ما جاء في المسلسل الذي أشرت إليه الادعاء بأن القناة الأولى في المملكة العربية السعودية ستنقل خطاب الإمام دولة رئيس الوزراء اسماعيل هنية نقلا مباشرا ، وضجت مواقع الإسلام السياسي بهذه البشرى ، ولأنني لا أسمح لنفسي بدس أنفي في شؤون تخص غيري فلا تعليق لدي ، ولكن بالمنطق كنت أعرف أنها كذبة إعلامية من الوزن الثقيل ، وكنا نتمنى ألا تتكرر مأساة النائب المحترم الذي قاد مظاهرة حمل فيها حذاءه في يد وعقاله في اليد الأخرى ، وكان يلوح بالحذاء قائلا هذا لمحمود عباس ، ثم يلوح بالعقال و يقول هذا لخالد مشعل ، وكنا نتمنى أن يحترم نفسه أولا و يحترم ضميره ، و لا يقدم شهادة زور مجانية للشيطان مثيرا للفتنة مكرسا الشقاق بين أبناء الشعب الواحد : المهم أن ما ضجت به وسائل التواصل الناطقة باسم إخواننا و المضللة و كل من ارتضى لنفسه أن يكون جزءا من عقلية القطيع ، كانت فرية ساذجة و لكنها مقصودة ، و ظل أصحابها يرددونها حتى بعد أن انكشفت الأمر وافتضحت الكذبة ، ثم راحوا يبررونها على طريقة (عنزة و لو طارت) فالحب أعمى و العشق سم قاتل .
ثم كانت الفرية الثانية موسومة ب:
" منظمة التحرير الفلسطينية تطلب من بشار الأسد تدمير مخيم اليرموك على أهله"
هذا عنوان مقطع الفيديو الذي نشرته حماس على اليوتيوب ، أرأيتم خصومة تصل حد الفجور مثل هذه الخصومة التي قال عنها رسولنا الأعظم صلى الله عليه وسلم
( آية المنافق ثلاث ، إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان )، وحديث عبد الله بن عمرو في الصحيحين أيضا فيه زيادة : ( وإذا خاصم فجر ، وإذا عاهد غدر )
وقد جاء المقطع خاليا من مزاعم صاحب العنوان المفترى ، فلا صورة بشار التي زعم مسوّق الفيديو موجودة ، و لا علمه موجود على نحو ما زعم صاحب الفيديو ، بل جماهير محتشدة ترفع أعلاما فلسطينية و رايات فتح الصفراء دون تحديد للزمان ولا للمكان ، ولكن ( بالصوت لا تغلبونا ) وإذا كان هناك من عورة فهو ما صرح به أحمد مجدلاني حول اليأس من الحل السلمي مع داعش التي احتلت المخيم ، ومعروف أنه الأمين العام لجبهة النضال ،وأنه رئيس الوفد الذي أرسل لدمشق من أجل حل أزمة اليرموك منذ بدأت الأزمة التي سارعت المنظمة للتفاوض بشأنها في حين أن جماعة (أكناف بيت المقدس) المقربة من حماس ساعدت في تفاقم المشكلة بعد أن حطت رحالها في المخيم المنكوب ، ثم راحت تصرخ وتندب حظها مع منظمة التحرير التي لم تجترح المعجزات من أجل حل أزمة المخيم، وهي التي فاوضت الشيطان من أجل تخفيف مأساة اليرموك وظلت منهمكة في البحث عن حلول طيلة الأزمة ، ولكن ( لا عين تشوف و لا قلب يحزن )، وكله لا قيمة له من وجهة نظر الدعاية السوداء في حين فاقم الآخرون أزمته عبر احتلاله ، وظلوا ينفون سيطرة داعش ويتهمون المنظمة بأنها تشيع نبأ الاحتلال كي تشجع النظام على قصفه ، وخاصة أخونا السيد ياسر زعاترة الذي أحسب أنه جالس ليل نهار يتوتر ويرسل التغريدات للنيل من هذه الجهة أوتلك بل أنشأ( نبض) ليظل قابعا فيها يوزع الخيانة ذات اليمين و ذات الشمال .
وإذا كنت أرى أن تصريح مجدلاني غير موفق فإن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير برئاسة الرئيس أبو مازن قد رفضته في بيانها المعروف في 20/4/ 2015 ، وقد تجاهلت هذا الرفض حماس وظلت متمسكة بروايتها الخاصة، وراحت تشهّر بالمنظمة ورئيسها ، وإليكم بعض ما جاء في الفيديو التحريضي ضد منظمة التحرير مستشهدة بألد أعداء المنظمة ممن انصاعوا للنظام السوري مثل القيادة العامة وفتح الإسلام وغيرهما ممن استظلوا بظله :
" منظمة التحرير الفلسطينية التي طالما تغنت بأنها الممثل الشرعي و الوحيد الفلسطينيين في الداخل والخارج ؛المنظمة التي احتفلت بذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية في قلب دمشق بوضع صورة كبيرة لبشار الأسد و علمه أصبحت اليوم مصدر الويلات لفلسطينيي سوريا، المنظمة التي لم تظهر أي اهتمام بمآسي اللاجئين على مدى عامين من الصراع و ما رافقه من حالات وفاة تحت القصف و القنص والموت، ليس غريبا لمن باع القضية وحولها إلى قضية للمتاجرة لتحقيق مصالحه الخاصة، طالب بتدمير مخيم اليرموك على رؤوس ساكنيه ، وطالب النظام بالتعامل مع اليرموك كأي منطقة أخرى، والمنظمات الأخرى المملوكة للمخابرات السورية فتح الانتفاضة والقيادة العامة"
أرأيتم إلى هذا التحريض المباشر ؟ ليس فقط تحريض الشعب الفلسطيني على قيادته الخائنة ، منطق سخيف متناقض رخيص .
وفي الجانب الآخر يمتشق طلال عوكل المحلل السياسي قلمه ، وهو في الحقيقة منتم إلى فصيل مهم في منظمة التحرير يلوذ بموضوعية زائفة فيحاول استنهاض همم اليسار الذي انطفأ أوهمش ( وأنا هنا أعرف أنني أستجلب غضبهم) ، وحتى يظهر موضوعيته المدعاة كالعادة يرى أن طرفي الانقسام فتح وحماس مسويّا بينهما في تعبير انتهازي ممجوج، سأصفق له طويلا لو اتهم فتح وأداءها إزاء المصالحة مستشهدا بأدلة ساطعة ؛ أما هذه المواقف السديمية الرمادية المائعة التي تستثمر المأزق الوطني للنيل من الجميع على حد سواء مبرئة نفسها ، وهي التي اصطفت في مرحلة من المراحل مع من تتناقض معهم في الفكر و الرؤى و يتهمونها بالكفر والمروق من الدين في انتهازية ضحلة وفي تنافس غير وطني مع فصيل ترى أنه يتفوق عليها في الساحة رغم أنها تنضوي معه في إطار منظمة التحرير ، ولكنه تاريخ اليسار في المنطقة العربية كلها إن هذه المواقف مدانة ، رضي من رضي و غضب من غضب ، ولنسم الأشياء بأسمائها و غير مقبولة بالكامل أما مواقف طلال ناجي فواضحة و معروفة ومغرضة وتصدر عن هوى، وهو يمثل جانبا من اليسار الفلسطيني ، وحتى نايف حواتمة الذي يرى أنه لا بد من فتح الحوار بين جميع الفصائل ثانية في القاهرة ، وكأن القضية تحولت إلى حواريات لا تنتهي في زمن لا ينتهي في آماد لا تنتهي ، أليست هذه مهزلة ؟
هناك خلل بنيوي في الساحة الفلسطينية ، هذا الخلل ناجم – كما تدل الشواهد التاريخية – يكمن في نشوء طبقة سياسية طفيلية أفرزتها المرحلة نتيجة التجاذبات التي جعلت بعض الفصائل ترتهن : إما إلى حركات متجذرة ذات رؤى أصولية تعتقد أن حل القضية يكمن في مرجعيات عقدية ذات طبيعة أممية لها بريقها الباهر ، وحتى يكون الأمر واضحا فإن احترام المرجعية العقدية الإسلامية في صميم ما نؤمن به ، ولكن يجب أن يكون واضحا أن الوسطية التي تأخذ بالشروط التاريخية لكل مرحلة هي جوهر عقيدتنا ؛ فنحن في زمن الدولة الإقليمية في أعقاب الفشل الذي منيت به الحركة القومية وما خلفته من خسائر نفسية وقيمية فادحة في الوجدان العربي نتيجة لفشل الفكر القومي في تمثّل الواقع الاجتماعي و الإنساني والاستفادة من تجارب الأمم والانسياق وراء تمثّلات مثالية مجردة ، والوقوع في ميكا فيلية سياسية عند التطبيق تجاهلت المبادئ وانساقت وراء ديكتاتوريات عسكرية تفتقر إلى نفاذ الرؤية و أخلاقيات السلوك السياسي ، و شكلت طبقة احتكرت مقدرات الشعوب ونسجت شبكة من العلاقات القائمة على المصالح في بنية هشة في منظومتها القيمية، صلبة في بنيتها الاحتكارية تردت في وهدة الاستماتة في الدفاع عن وجودها.

فهل تردّت الحركة الإسلامية السياسية في ذات الشرك بعد أن جاهدت لتخلف الحركة القومية الغاربة التي تحاول لملمة شظاياها مستفيدة من تجاربها السابقة ؛ فإذا ضربنا صفحا عن هذه الحركة في امتداداتها الإقليمية و الدولية من منطلق (أهل مكة أدرى بشعابها) و نأيا بالنفس عن التدخل في شؤون الآخرين اتساقا مع مبدأ (ما فيني كافيني) فإن الحركة الإسلامية في فلسطين تقع في دائرة استقطاب إقليمي ؛إذ تحوّلت إلى متكأ لممارسات سياسية ذرائعية تتخذ من موضوع المقاومة بمفهومها المجرد مرتكزا رئيسا، على الرغم من سقوط مجموعة الممانعة وانشطارها وتصدعها بعد الزلزال السياسي الذي ضرب المنطقة في ظل فوضى عارمة لا يمكن أن تفسر وفق نظرية المؤامرة فحسب ؛ بل بتشظي المجتمعات في بنيات متضاربة المصالح تفتقد القاعدة الاقتصادية الصلبة التي توفر أصول إنتاجية راسخة ؛ بل تتكئ على اقتصاد استهلاكي كومبرادوري تحول إلى بيئة طاردة للتنمية جاذبة للفساد .
فالحركة الإسلامية في فلسطين تضم كتلتين رئيستين الأولى الجهاد ، وهي موالية لإيران تمولها وتحتضنها و لا تخرج عن طوعها تعتصم بإرادتها السياسية و تنصاع لرؤاها ، وهذه الحقيقة لا يمكن إخفاؤها فهي ساطعة لا تحتاج إلى بيان ، و من وجهة نظري الخاصة فإنها تقع خارج دائرة الحراك الوطني النقي وإن كانت شريكا رئيسا فيه لأنه بدون ذلك تتحول إلى مبدأ(يا لعيب يا خريب) و لهذا فإن لسان الحال يقول "دعوها تلعب" وأما الركيزة الأساس في الحركة الإسلامية الفلسطينية فهي حركة المقاومة الإسلامية التي تبلورت مع بدايات الانتفاضة الأولى ، وهي جزء من جماعة الإخوان ذات التاريخ الطويل ، وقد بدأت تربوية دعوية ثم كان ما كان ، وحينما تعقدت الأمور مع هذه الجماعة إقليميا أثقلت حماس بأوزار إضافية وضعتها في مأزق الولاء الكامل للحركة الأم حتى وإن كان ذلك على حساب المشروع الوطني الفلسطيني ، عندما انطلق الحراك الوطني باتجاه فلسطين بعد أوسلو عقب المضائق المتعددة التي مرت بها الحركة الوطنية وبعد سلسلة الأزمات التي مرت بها أحست حماس بأن البساط بدأ يسحب من تحت أقدامها من منطلق أنها الوريثة الشرعية لمنظمة التحرير بعد النكسات المتوالية التي مرت بها بعد تشتتها في المنافي البعيدة وسعى ابو عمار إلى لملمتها وإعادة تجميعها عبر أوسلو التي كانت منعطفا تاريخيا باتجاه الدولة لو وعت الحركة الإسلامية دورها ؛ ولكنها وجدت نفسها خارج اللعبة بعد أن أسست لها كيانا له وجوده إبان الانتفاضة ، ومن منطلق فصائلي براغماتي لا علاقة له بالمشروع الوطني كان لا بد من تخريب مشروع الدولة القادم الذي بدأت ملامحه تتضح حينما بدأ ابو عمار يتبع سياسة فرض الأمر الواقع فشكّل مجلسا تشريعيا متحللا من الاتفاق الذي كان يقضي بتشكيل مجلس تشريعي تنفيذي هجين مزدوج الصلاحيات لا يزيد عدد أعضائه عن خمسين وفق اتفاق أوسلو، وشكّل وزارة أرادت لها إسرائيل أن تكون مجرد إدارات لحكم ذاتي محدود وشرع يبني مؤسسات الدولة ؛ و لكن حماس لم يرق لها ذلك فعقدت العزم على إفشال أوسلو ومشروع الدولة فعملت على عرقلة خطوات الاستحقاقات المترتبة على أوسلو بإعلانها الحرب عليها وعدم الالتزام بها وشن الهجمات دون أدنى تفكير في البدائل على الإطلاق ، وقد كنا نقول يومها ها هي حماس تخرب أوسلو وسيقال غدا فشل المشروع الذي تمثله القائد الشهيد جيدا و خطط لإنجاحه ، على الرغم من أن ديننا الحنيف يدعو إلى احترام الاتفاقيات و العهود ، ولكنها اللعبة القذرة التي تم لعبها بنجاح فتم اغتيال رابين إزاء تمسكه بتنفيذ أوسلو في الوقت الذي لم تدع حماس مجالا لتنفيذه وفق البرنامج المحدد ، وراحت تروج الإشاعات عن أن القيادة تورطت في عقد اتفاقات مع العدو الإسرائيلي الذي لا عهد له و لا ميثاق ، وأنه لا يجوز عقد المعاهدات معه متغافلة عن منطق التاريخ وحسابات موازين القوى ومعادلات المرحلة واستمرت في عملياتها الانتحارية التي أدت في نهاية المطاف إلى بناء جدار الفصل العنصري ،ومحاصرة الشهيد ياسر عرفات في المقاطعة ثم اغتياله على الرغم من أن قوات الأمن الوطني التي دخلت إلى فلسطين من الشتات لم تذعن للعدو واشتبكت معه في أكثر من معركة بعد دخولها بوقت قليل وحرقت مركباته في إيرز، ثم كانت انتفاضة النفق التي خاضت فيها قوات الأمن الوطني المعركة مع العدو في القدس و سقط منها أكثر من سبعين شهيدا ، وكل هذا يجري نسيانه و تغييبه و لا يبقى منه إلا فرية عشرين سنة من المفاوضات.
وكانت الانتفاضة الثانية التي سقط فيها أكثر من ألف شهيد من رجال الأمن ودمرت مقراتهم ، وكانت الفوضى العارمة التي اسفرت عنها الهجمات الاستشهادية التي كانت بدون هدف و لا استراتيجية سوى تخريب أوسلو التي أسفرت عن دخول مئات الآلاف من الفلسطينيين وتشكيل مؤسسات الدولة ، ولكن عجلة التخريب تسير بلا هدف كالثور الذي يدخل إلى حانوت الخزف فيدمر كل شيء ؛ كنا نقول هذا منذ البداية ؛ ولكن أحدا لم يسمعنا ، وشعبنا المغرر به مأخوذ ببريق الاستشهاد ، منتشيا بالمقاومة غارقا في لجج الدعاية ، ساعد على ذلك ما أحدثته حماس من ثقوب في جدار السلطة التي عادت لتبني دولة و معها مقاتلون ثوار عطلوا عن مهماتهم سنين عددا، بعد شتات في أقاصي المغرب وجنوب الجزيرة ، وكانت الصدمة التي يحدثها الانتقال من الثورة إلى الدولة من حياة هاجسها الموت والشهادة إلى حياة جديدة يمتد فيها أفق أمل عريض ببناء مستقبل مستقر قوامه المال و الرفاهية ، وكان مأزقا نفسيا واجتماعيا أدى إلى وجود طبقة من العسكريين و المدنيين معرضين للاختراق من جبهتين جبهة العدو حيث بدأ يخطط لاستثمار الوضع الجديد ، وجبهة حماس التي أرادت أظن تثبت فشل منافستها اللدود فتح فاستقطبت العديد من أفرادها بعد أن تمددت وزاد عدد المنتسبين حسبنا الله و نعم الوكيل ,
لقد كانت مجالس العزاء تشترى في مقابل أن تنسب لحماس وكانت الأموال السياسية تضخ من الإقليم ؛ ولكن أحدا لم يتوقف عند هذه المرحلة الخطيرة التي قويت فيها شوكة حماس واستمالت بعض كوادر وطنية ، والبعض الآخر غرّته شعبية حماس في غمرة الخلل المقضي إلى الفساد في بعض مناشط السلطة الوطنية الفلسطينية لأسباب موضوعية تاريخية ، وجرى تجاهلها فتفاقمت وأدت إلى الفشل في الانتخابات التي تحولت إلى قميص عثمان يتمسح به البعض حتى الثمالة، هناك من راح يتقرب من حماس في أحاديثه السياسية ، وأفسدت بعض القيادات وشاع الفلتان الأمني بسبب فوضى السلاح الذي انتشر باسم المقاومة، وتردت بعض قيادات فتح كما سبق أن أشرت في مقال سابق في مستنقع المزايدات السياسية وقد نشر التقرير الخاص بانقلاب غزة وجرم بعض هذه القيادات علنا في حين ظلت ممارسات الطرف الآخر حماس بعد أن آل الأمر إليه طي الكتمان.
لم تدرس هذه المرحلة دراسة علمية لتستخلص منها الدروس والعبر ، وليتضح كيف كانت حماس تسعى لتقويض فتح من الداخل وتمضي في تدمير السلطة باستفزاز اليهود للتنكيل بها و التحلل من التزاماتهم نحوها ، فكلما قرب استحقاق يحدث تفجير ؛ ولعل أشهرها ذلك الذي تم قبيل تسليم الممر الآمن بين غزة والضفة ، ثم انتهت المقاومة في الضفة ببناء الجدار و رحنا نتسول رفع الحواجز العسكرية التي شلت الحياة في الضفة الغربية حاجزا حاجزا في مفاوضات مكوكية ، وأرادوا أن يعيدوها جذعة من جديد لتوريط السلطة بعد تشكيل حكومة الوفاق بأيام في حادث الاختطاف الشهير ، وظلت معزوفة المقاومة تصم الآذان وتعمي القلوب ، وشعبنا المغلوب على أمره يقع فريسة الدعاية ، وكان الانقلاب الدموي الذي سمي حسما عسكريا من قبل حماس بعد سلسلة صدامات وممارسات لم يجر فيها تحقيق محايد ؛ لكن ثمة ما هو معروف يقر به الجميع وأترك الحديث عنه لفرصة أخرى.
ولعل الصفحات السوداء التي لا يقترب منها أحد تتعلق بتغير جذري في بنية حماس كان لها آثارها الاجتماعية والاقتصادية وربما أدت إلى تصفيات جسدية كما يقول البعض ، وتتمثل في حقبة الأنفاق التي اشترك فيها أطراف عدة وكانت تزيد على الألف كانت موجودة عيانا بيانا أمام أعين العدو والصديق، وكان لها آثارها فظهرت طبقة اجتماعية احتكارية لها علاقة بالجهة الرسمية المهيمنة في غزة وفرضت الضرائب و تم شرعنة الأنفاق ، و تحولت إلى سوق رائجة أسفرت عن تشكل هذه الطبقة التي تمخض عنها رجال يمتلكون الملايين فكان من الطبيعي أن يفرخ فيها الفساد الذي شجعته جهات مختلفة ، وهذا الموضوع لا بد أن يدرس دراسة علمية جادة، فهو من أسس البلاء التي جعلت منظومة الفساد تقوى وتشتد وقويت شوكة الاحتكار و خبت الروح الوطنية ، ودخلنا في معضلات عرقلت المصالحة وحالت دون التقدم في الملفات الوطنية كلها.
لا أريد أن أشهر بأحد و لا أتهم أحدا بالخيانة و العمالة ؛ ولكن أقول مخلصا لماذا كل هذا التجييش الإعلامي الصاخب الذي يمارسه كاتب صحفي مثل الأخ ياسر زعاترة التي استحدث تطبيقات (نبض) في الجوالات الذكية من أجل أن تطالعنا صباح مساء بأفكاره النيرة التي تقطر حقدا ، فقد صب جام مداد قلمه على من يتهمهم بالخيانة والعمالة ، وعلى رأسهم الرئيس محمود عباس الذي أصبح هدفا لشتائمه واتهاماته ، ثم يوزع اتهاماته يمينا وشمالا متدخلا في الشأن المصري تارة ، و في الشأن الليبي تارة أخرى، وقاذفا هذا الطرف أو ذاك بقذائف قلمه الذي لا يوفر أحدا ، ويسخو في اتهاماته مستشهدا بالشيخ مروان أبو راس رئيس رابطة علماء المسلمين ، ونحن نحترم كل رموزنا الدينية ، ولكن ليسمحوا لنا أن نقف في وجه كل من بنصب نفسه قيما على خلق الله فيطالب بقطع رأس فلان أو علان ، كما نقل عنه ياسر زعاترة (أقال الله عثرته ونظف قلمه و لسانه من حمولات الحقد الهائلة التي ينفثها )، فقد نقل عن الشيخ كلاما لا نرتضيه له و منه ، ونحن ضد الاتهامات من أي طرف كان ، فلا يجوز ذلك بحال ، فانظروا ماذا كتب أخونا ياسر في نبض في 1/5/2015 عن الهباش ، وإن كنا لا نريد لقاضي قضاة فلسطين أن يتهم أحدا ـ و يشتم فلانا أو علانا بالمعيار نفسه الذي نقيس فيه أقوال الشيخ مروان ، فعلماء الأمة يجب أن يعملوا على إصلاح ذات البين ، وليس على تفريق الأمة وهم يحملون هذه الألقاب الكبيرة ذات المكانة المرموقة
ونعود إلى تناقض التصريحات حول الاتفاق المرتقب بين حماس و إسرائيل وأرجو أن تتأملوا في قول الشيخ الزهار الذي أنقله بالحرف عن وكالة أنباء قدس نت للأنباء:
قال الزهار في مقابلة مع قناة الجزيرة القطرية مساء الجمعة" إن استطعنا أن نطرد الاحتلال من أي شبر و أقمنا عليه سلطة ذاتية أو حكومة لا يعني ذلك أننا سنتنازل عن شبر واحد من فلسطين ، وهذا لا يعني أننا نرغب في في إقامة دولة في غزة مع أنه ليس عيبا "
وقال الزهار :"إن السلطة ستفشل في أي انتخابات مقبلة لذلك تخشاها "
عجيب ألم يتحداكم عباس بالموافقة الخطية على الانتخابات حتي يصدر مرسوما على الفور بإجراء الانتخابات ، ها هو الدكتور الحمد رئيس جامعة الأزهر يعلن من وسط غزة ،( و لا أستبعد أن يتعرض للأذى) أن قادة حركة حماس رفضت إجراء انتخابات مجلس الطلبة وأجبرت رؤساء المجالس على الاستقالة و عينت من تريد كما تريد ، ليس هذا فحسب ؛ بل إن الوزارات في غزة ترفع في مكاتبها صور اسماعيل هنية الذي ترك الوزارة ؛ ولكنه وفق تصريحاته ما زال في الحكم وما زالت الرسوم تجبي الرسوم لصالح حركة حماس ، وحين استضاف تلفزيون فلسطين الدكتور اسماعيل رضوان لم ينف ذلك حين واجهه وليد عوض الضيف الثاني في البرنامج بذلك ؛ ولكنه إزاء تعنته واستماتته في الدفاع عن سلوك قادة حماس إزاء حكومة التوافق قال : أنا أقول من تلفزيون فلسطين أن المصالحة ليست حكومة التوافق فحسب ؛ بل هناك استحقاقات أخرى منها الإطار القيادي و لجنة المصالحة المجتمعية وما إلى ذلك ، وأن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية ، وكأنه يسترضي الدكتور رضوان الذي توسمت فيه شخصيا شيئا من موضوعية ، وإذا به يطل بوصفه صاحب السلطان و مالك الصولجان ، وإذا بالجميع (يقرؤون على شيخ واحد) وينهلون من ينبوع واحد، وإني لأتساءل كيف يمكن أن تؤدى الاستحقاقات الأخرى والاستحقاق الرئيس معطل ، إن ما يقوله السيد وليد عوض صحيح ، ولكن كلماته حق (لا أدري إذا ما كان أريد بها باطل أم لا) . معه حق فقد سبق أن تم الاعتداء عليه في أعقاب تصريحات له ، وقد نال شخصيات أخرى مثل ما ناله فله الحق في أن يسترضي أصحاب السلطان .

بقلم / د. محمد صالح الشنطي