أزمة أخلاقية في الأُمة العربية

بقلم: جمال أبو نحل

كان العرب أيام الجاهلية وقبل الإسلام وبرغم أنهم كانوا كُفارًا وملحدين وعبدّة للأوثان لكنُهم برغم كل ما سبق قولهُ، كان عندهم الكثير من الصفات الجميلة والعادات السليمة والأخلاق الحميدة الحسنة، ولم يكن أزمة أخلاقية في المُجتمع القرُشي، ولم يكن بينهم ولا أي مُنافق لا قبل الإسلام ولا بعد دخولهم للإسلام؛ فكان عندهم الصدق وإكرام الضيف والمُبارزة بالسيف والأمانة والوفاء والرجولة والاخلاص في العهد وفي المُعاملات التجارية في رحلةِ الشتاءِ والصيف وكانوا أصحاب سليقة قوية ومطارحاتٍ شعرية ونثرية؛ وحينما جاء الإسلام أكدّ على تلك العادات الحسنة والجميلة وثمنها وعززها وأصبحت جُزءًا مُهمًا من الشريعة الإسلامية السمحاء الوسطية الربانية القرآنية، وحينما سأُل النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عن رسالتهِ قال: إنما بُعثُ لأُتمّم مكارم الأخلاق، وحينما سُئلت أُم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خُلق النبي صلى الله عليه وسلم قالت:" كان خُلقهُ القرآن وكان قُرآنًا يمشي على الأرض"، ولو نظرنا إلى حال العرب والمسلمين اليوم في المجتمع العربي لوجدت العجب العُجاب! ورأيت ما يجعلُ الولدان شيبًا ولوقفت حيران أسفا لما صاب العرب المسلمين من أزمةٍ أخلاقية كبيرة وانعدام في القيم والمبادئ والسلوكيات الغريبة التي لا يتصورها المنطقُ ولا البيان، وليس لها برهان؛ وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ تجد الناس يصلُون ولا يصلون ويصومون ولا يصومون ويتصدقون ولا يتصدقون ويتشدقون في الدين والدين من أفعالهم براء، ويقرؤون القرآن لا يُجاوز حناجرهم وتري منهم من يُحللُ استباحة الدماء والقتل باسم الدين؛ وتري من يصلي بالسطر الأول ولكنه قاطعٌ للرحم، ويحرم بناتهُ من الميراث، ويؤذي جيرانهُ، وتجدهُ حلافٍ مهين، همازٍ بنميم، معتدٍ أثيم، عُتلٍ زنيم، ومنهم المُنفق المتصدق، لكنهُ منان، مُتكبر متغطرس، يمُن على الله عز وجل فيقول أخرجت الصدقة لعامين وفعلت كذا وكذا، ويحب أن يراه الناس ليقول الحج الفلاني المتصدق ليُنفق مالهُ ليس لوجه الله عز وجل بل مُراءةً للناس، وتجد من يصوم عن الطعام والشراب ولسانهُ رطباً ليس بذكر الله عز وجل، بل بتشريح الناس وتفصيلهم، هذا طويل وذلك قصير؛ وتلك بيضاءُ اللون، وهذه الفتاة قمر مصور الخ...، وتري من يلبس لباسهُ على السنة النبوية ويطُلق لحيتهِ وهذا طيب ولا ضير في ذلك؛ ولكنه نصب نفسهُ الحاكم بأمر الله فيقول هذا كافر، وهذا زنديق وذلك علماني والآخر شيوعي مُلحد، وفلان منافق، وتلك سافرةٌ فاجرة عاهرة، وفلان شيخ موالي للسُلطان؛ وتراهُ يصدر الفتاوي والبيانات ويستبيح الدماء المُحرم قتلُها، وكلهُ باسم تطبيق الشريعة الإسلامية، وكأنه خليفةُ الله في أرضه، فيسفكُ دم هذا ويسبُ هذا ويرجم هذا، ويحلل جلد فُلان، كما تفعل الدواعش اليوم باسم الدين، و والله الدين من أفعالهم الاجرامية برئ براءة الذئب من دم يوسُف عليهِ السلام؛؛؛ إذن نحن اليوم نعيش أزمة أخلاقية خانقة وأزمات في القيم، والغالبية العُظمي إلا من رحِم ربي يحمل اسم الاسلام بالهوية والبطاقة الشخصية فقط وأفعالهُ لا تدخل مطلقًا في سماحة وعدل ورحمة وأخلاق الإسلام بل على العكس تمامًا، فالدين المُعاملة فلا يكفي أن نقرأ القرآن الكريم ونتغنى بآياتهِ ولكننا لا نطبق شيئًا منها وإن خلوا بمحارم الله انتهكوها، وللأسف الغرب الذي نسميه كافرًا لو نظرنا إليه لوجدنا الأخلاق التي حضّ وحرص عليها الإسلام موجودة جُلها عند الغرب وفي أوروبا، فتجد عندهم شوارعهم نظيفة جميلة وعندهم إتقان الصناعة، والالتزام بالمواعيد والاخلاص في العمل والصدق في القول، وتري رحمتهم بالإنسان وبالحيوان، والكثير مما تجدهُ عندهم هو من صميم الأخلاق والمعاملات والعادات والعبادات التي جاءت في صلب ومن صميم الشريعة الإسلامية الوسطية؛ إذن نحن نعيش أزمة في الأخلاق والقيم عاصفة كالرميم، لا تُبقي ولا تذر مُدمرة للبشر، و يا أسفاه على حال أمتنا العربية والإسلامية في هذا الزمن الذي نحياهُ بفصولهِ الأليمة؛ أين نحن من الأخلاق الإسلامية الصحيحة ولو عرضنا أنفسنا على أخلاق الصحابة والسلف الصالح والنبي الكريم الحبيب، لوجدنا أننا بعيدين عن الأخلاق بُعد السماء عن الأرض؛ ومن أراد أن يتأكد من صدق مقالي وصحيح قولي فلينظر إلى الأحاديث النبوية عن الأخلاق في السنة النبوية المُشرفة وهي كثيرة جدًا ومنها على سبيل الاستئناس ما جاء في قول الله سبحانهُ وتعالى في وصف أخلاق النبي سيدنا محمد صل الله عليه واله وصحبه وسلم: "وإنك لعلى خلقٌ عظيم". وحينما سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خُلق النبي قالت: "كان خُلقه القرآن"، كان قرآناً يمشي على الأرض". وقال صلى الله عليه وسلم: "إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا". وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن من خياركم أحسنكم خلقا؛" وقال عليه الصلاة والسلام: "ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن؛ وإن الله يبغض الفاحش البذيء". وفي رواية: "وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة". وقال صلى الله عليه وسلم :"أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لأهله". وروي عنه صلى الله عليه وسلم قال: "أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقا". وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن هذه الأخلاق من الله تعالى؛ فمن أراد الله به خيراً منحه خلقا حسنا". وروي عنه صلى الله عليه وسلم :إن الخلق الحسن يذيب الخطايا كما يذيب الماء الجليد. ويروي أبو مسعود الأنصاري رضي الله عنه فيقول: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلاَمًا لِي، فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي صَوْتًا "اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ". فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ. فَقَالَ: "أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ، لَلَفَحَتْكَ النَّارُ أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ"- وعن أنس بن مالك قال: "كان رسول صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقًا، فأرسلني يومًا لحاجة، فقلت: والله لا أذهب. وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم. قال: فخرجتُ حتى أمُرَّ على صبيان وهم يلعبون في السوق فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قابض بقفاي من ورائي؛ فنظرت إليه، وهو يضحك فقال: "يَا أُنَيْسُ، اذْهَبْ حَيْثُ أَمَرْتُكَ". و" قَبَّل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس؛ فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبَّلتُ منهم أحدًا. فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "مَنْ لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ" وعن شداد بن الهاد قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشاء، وهو حامل حَسَنًا أو حُسينًا، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه ثم كبَّر للصلاة، فصلَّى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها. قال أبي: فرفعت رأسي وإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فرجعت إلى سجودي، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال الناس: يا رسول الله، إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر، أو أنه يُوحى إليك. قال: "كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي؛ فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ". اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَسَمِعَ صَوْتَ عَائِشَةَ رضي الله عنها -ابنته- عَالِيًا، فَلَمَّا دَخَلَ تَنَاوَلَهَا لِيَلْطِمَهَا، وَقَالَ: أَلاَ أَرَاكِ تَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم! فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَحْجِزُهُ وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُغْضَبًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ: "كَيْفَ رَأَيْتِنِي أَنْقَذْتُكِ مِنَ الرَّجُلِ؟" قَالَ: فَمَكَثَ أَبُو بَكْرٍ أَيَّامًا ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَهُمَا قَدِ اصْطَلَحَا، فَقَالَ لَهُمَا: "أَدْخِلاَنِي فِي سِلْمِكُمَا كَمَا أَدْخَلْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "قَدْ فَعَلْنَا قَدْ فَعَلْنَا" وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت! فقال: "وَمَا ذَاكَ؟" قال: وقعت بأهلي في رمضان. قال: "تَجِدُ رَقَبَةً؟". قال: لا. قال: "فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟" قال: لا. قال: "فَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟" قال: لا. قال (أي الراوي): فجاء رجل من الأنصار بعرق -والعرق: المكتل- فيه تمر، فقال: "اذْهَبْ بِهَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ". قال: أعلى أحوج منا يا رسول الله؟! والذي بعثك بالحق ما بين لابتيها أهل بيت أحوج منا. ثم قال: "اذْهَبْ، فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ"؛ وعن عطاء رضي الله عنه قال: قلت لعبد الله بن عمرو أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، قال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وحرزًا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا لا إله إلا الله، ويفتح بها أعينًا عميًا وآذانًا صمًا وقلوبًا غلفًا".
نحن العرب والمسلمين ما أحوجنا اليوم من أجل الخروج من الأزمات الأخلاقية التي استفحلت فيما بيننا من خلال أن نعود ونرجع إلى سماحة الاسلام وطيب الأخلاق ومحاسنها وأحسنها والُيسر في الدين وإلى تطبيق العمل لا القول فقط باللسان حتي لا يكون النص نصُ العلماء وأفُعالنا أفعال الشياطين، وأن نطُبق فكر الرحمة ومحاسن ومكارم الأخلاق ولنتراحم ولنتسامح فيما بيننا؛؛ فلقد دخل أهل بلاد السند والهند والصين الإسلام زمن الصحابة الكرام والسلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين ليس بالسيف، ولا بالقتال، وإنما من خلال أخلاق التُجار المُسلمين وحسن المُعاملة في البيع والشراء، وفي النهاية أرني الإسلام في أخلاقكِ ومُعاملاتك بين الناس لا في كلامك، فالرجل يبلغ بُحسن خُلقه درجة الصائم النهار لا يُفطر، وكقائم الليل لا يفتُرّ، ويبلغ درجة الصديقين والصالحين والشهداء بحسن خُلقه ومعاملاتهِ بين العباد.
الكاتب المفكر والمحلل السياسي
د. جمال عبد الناصر محمد أبو نحل
المفوض السياسي والوطني
نائب رئيس المركز القومي للبحوث