للبوح والصمت..في (كل العناوين انت)...!!

بقلم: توفيق الحاج

( قراءة في مجموعة حمزة حسن الشعرية)

في البدء ..انا لا استلطف النقد.. ربما احترمه احيانا واعتبره غالبا نتاجا فضوليا..متلصصا على نوافذ الابداع.. احتماليا..مجتهدا الى ابعد حد..قد يصيب وقد يخيب.. وقد يضيء لنا صورة غامضة في زاوية ما ولكنه في نفس الوقت يضع في النهر ماليس فيه.. لهذا وانا في هذا المقام وغيره لا ادعي النقد وانما احاول كمتلق قراءة مغايرة لمشروع شاعر لا اقل ولا اكثر .. هو يعترف صراحة (لا تعطني اكثر من حجمي).

اجد نفسي امام بوح حر.. لانسان ابسط من البساطة نفسها يتناول طعام العشاء مثلي فوق سطح منزله على ضوء الكشاف.. ويقر انه ليس ملاكا كما يدعي معظم شياطين غزة..!! بل كل مالديه وقود ضمير يكفيه لسنة اخرى في ظل ازمة الوقود الاخلاقي التي نعيش..!!

هو غير مثقف..متقوقع في وطنه..متخلف اجتماعيا..متعجرف.. وهذه الابعاد الرباعية في رايي.. قمة الوعي والحساسية بالزمان والمكان.. ..!!

هو عاشق احمق ل(سعاد حسني) مثلي ايضا..يهرب من نشرات الاخبار ويكره الرياضيات.. هو ابن مخيم حاقد على جلاديه..متأفف لا يعجبه شيء..متناقض.. متغير...محدث كحاسوب نص عمر...!!

هو انا وانا هو... ونحن حلم ضائع بوطن نظيف..كامل..لا فساد فيه ولابطالة ولا نصف راتب ولا قطع كهرباء ولامياه مالحة...!!

اقرأ بعضا من البوح من مجموعة شعرية تبعثرت اوراقها امامي دون سبب وتناثر عن عمد..صمت بليغ عن كهرباء زانية وماء عكر وبحر مليء بالمجاري والقوارب الغبية وبائعين كاذبين..!!

اجد نفسي امام انسان يشرح نفسه ويشرحني دون ان يضيف توابلا تعطي نكهة للسيرة .. تصل حد المبالغة ...فانا كما انا وهو كما هو..نعترف.. نتعرى من عارنا ..ومن لم يكن بلا خطيئة فليرمنا بحجر..!!

حمزة....كلمة واحدة تسعده ومزحة ثقيلة تضعه في خانة الحزن السيئة.. لا ينافس احدا في ثرثرته في زمن لا يستحق المنافسة...

في غرفة جدته..ينصت لها وهي تقول(جدك كان رومانسيا اكثر من اللازم واتى لي بلبن العصفور..) وتهربت الجدة من حرج الاسئلة..كما تبخرت جميزة الذكريات.. ليدرك هذا العاشق انها الرومانسية بالوراثة دون الحاجة الى لبن العصافير ..وانما الى القادم من دم الشهداء..!!

اعترف انا... لامتعة ولا لذة لبوح او صمت دون الحب.. وشاعرنا يبسمل به في بطحاء غزة (مر العيد ولم يمر بعزة هذه السنة..مر بجانبها وهو يشاهد السماء تمطر صواريخا مدمرة..!! )

ويكمل (تذكرين عندما قلت لي..هذا العيد سأراك..اريد ان اكون جميلة جدا..كنت تبكين كثيرا وكانك ستريني لتودعيني لا لتقبليني)

هنا كما في كل البوح..تغيب القصيدة التي عهدناها بعبائتها المزركشة المنمقة..وضوابطها المملة..ولا يبقى منها الا روحها وبهاؤها وفضاؤها وسحر غموضها.. وهذا ايها الاحبة ما نريد...بوح حر من أي تكلف او رتابة. قافية..بوح لايخفي علينا خافية..!!

كيف يخفي وهو(يستيقظ مكرها على اسراب الطيور تاتي مهنئة بالعيد من اقصى بغداد الى القدس ونابلس ومن ثم حنين مارة بنقاط تفتيش عربية لم تسمح بالدخول لان سماحة المفتي حرم زيارة فلسطين؟)

كيف يخفي..وهو يعشق طفلة يمارس معها الخجل والغزل والحب والامل ويقنع ان يكون لها شاعرا وكاتبا ومطرب.؟

حمزة ...!! يا ا يها المتطفل الجميل..لا عليك...كلنا مشاريع الشعر مثلك..قد نتحول فجاة من شيطان قذر الى ملاك طاهر..لاننا نحب بصدق...ولكننا نشفق ونرثي لحال من لم يمنحهم الرب نعمة التحول مثلنا..؟

حمزة.. ايها الانسان..ها انت في بداياتك.. تاخدنا الى حرب الطواييس..تبكينا مع من تودع حبيبها شهيدا..(في الحرب صدقيني..ان لم يكن محظوظا هو لن يعود وان عاد خبئيه بين شفتيك ولاتقبلي به احدا)

حمزة ..كان للحظة غسان..يعشق القضية اكثر من حرف التاء في اخرها..تمثل وجع النفي قدر ما يستطيع لكن الاوجع ياغسان ان تعيش النفي في غزة مرتين..!!

في تحتيات مخيم دير البلح..يقول هذا الحمزة (يوما ما..ستشعر ان الدنيا كلها ضدك..ومن يتنفس على هذا الكوكب لا يطيقك ولا يقدر شيب شعر راسك.. وبعدها اما ان تموت قهرا او وجعا وكلاهما قذارة بحقك..!!) و(ستشعر ايضا تحت وقع المطر بانك تمارس طقوسا جنونية غير مفهومة..كأن ترتشف مشروبا باردا بدلا من صحن الارزبالحليب المطهو للتو...او ان تجلس امام المروحة القوية بملابسك الخفيفة..وان تداعب ازرار الريموت كنترول تارة على قناة رياضية وتارة على نشرات الاخبار التي كان فيها خبر اغلاق القدس )

وكانه بكل ما اوتي من صمت.. يعلن تمرده على نواميس القطيع.. ويكفر بالتقاليد الكافرة..!!

الى هنا يدركني الوقت المتاح..فاسكت عن الكلام غير المباح.. عن مشروع شاعر بسيط . رقيق...متمرد...طليق. يبشر بالخير....كل مايريد ...هو ان يكون صوتا مختلفا قليلا عما نسمع من سيمفونيات مكررة للضجيج..!!

بقلم/ توفيق الحاج