ولا بد لنا من كلمة في ذكرى رجل لن تغيب ذكراه ، رجلا وإن رحل عنا بجسده فأنه حاضرا بفكرة ووطنيه ، ونضاله ، وآماله ، تحل علينا ذكرى رحيله الحادية عشر ، لا لكي نتذاكر مناقبه ، ومواقفه الوطنية المشرفة ، ونضاله وجهاده وقيادته للثورة الفلسطينية المعاصرة ، بل لكي نجدد العهد على المضي قدما على نهج هذا الرجل ، الذي لخصه في شعاره الشهير ، للقدس رابحين شهداء بالملايين ، نعم أبو عمار هو رمز الوطنية الفلسطينية ، ورمز الوحدة الفلسطينية .
لكن ومع هذه الرمزية ، هل أوفينا أبا عمار حقه ، حقه في مواصلة الطريق ، في مواصلة السير على نهجه ، طريق الحرية ، طريق الوحدة ، طريق التحرير والعودة ، لا يخفي على احد من الفلسطينيين أولا ومن العرب ثانيا والمسلمين ثالثا وباقي أنحاء العالم الحالة السيئة التي وصلنا إليها ، في مرحلة مؤلمة لنا جميعا تسودها المصالح الدولية والإقليمية ، تراجعت فيها مكانة القضية الفلسطينية بين قائمة القضايا العالمية ، فاليوم قضايا الصراعات المحتدمة في المناطق المجاورة لنا ، قضايا الإرهاب ، قضايا التنمية والاقتصاد ، قضايا البيئة، الطاقة الخ .
في ظل هذه الظروف كان لزاما علينا أن نبحر في سفينة مهترئة كثيرة الثقوب وممزقة الأشرعة ، فبعد نحو ثلاثين شهرا فقط ، تعرضا لأكبر كارثة منذ النكبة ألا وهي كارثة الانقسام البغيض ، الانقسام الذي قام بتغييب الوحدة الوطنية ، بتغييب القضية وإضعافها وتراجعها ، تغييب التنمية والبناء ومقاومة المحتل ، في زمن الانقسام تعرضنا إلى ثلاث حروب مدمرة حولتنا إلى مجرد أرقام ، أرقام من قيمة الخسائر المادية التي لحقت بنا ، عدد الشهداء والجرحى ، عدد المنازل والمنشآت المدمرة ، وجعلتنا ننتظر عند أبواب البلاد والشعوب لتلقي المساعدات أو بالأحرى للتسول ، بعد أن زادت معدلات الفقر والبطالة بين صفوف شعبنا ، الذي أصبح أكثر شعوب الأرض إنهاكا .
ومع الأسف الشديد منذ الذكرى الثالثة لرحيل القائد التي شهدت أحداثا دموية راح ضحيتها عددا من أبناء شعبنا برصاص طائش لم يعرف المغزى من إطلاقه ، منذ ذلك الحين لا تحل ذكرى رحيل القائد إلا ومعها تكريس الانقسام ، نسمع دعوات للوحدة ، دعوات لإنهاء الانقسام ، تصريحات حول أبي عمار وتاريخه النضالي ، نسمع عن الاختلاف مع أبي عمار أما الخلاف عليه فلا ، ولكن عند إحياء ذكراه تتجمد الأمور وتتييس ، لماذا ؟ ،
اعتقد أن الأوان قد حان لإعطاء أبا عمار حقه المنوط بأعناقنا ، فيكفي كل من فتح وحماس مهاترات حول إحياء الذكرى في صالة مغلقة أو ساحة مكشوفة ، الجميع بات يعرف أن محبي أبي عمار معظم الفلسطينيين ليس في فلسطين فحسب ، بل في أصقاع العالم ، وليس بالخروج إلى الساحات والصالات نفي أبا عمار حقه ، إن أول حق من حقوق أبي عمار علينا هو الوحدة التي كان يسعى إليها ويحرص عليها في خطاباته وشعاراته وكلماته ، فعندما كان يردد دائما سيأتي يوم ويرفع فيه شبل من أشبال فلسطين ، أو زهرة من زهراتها علم فلسطين على مآذن القدس وكنائس القدس ، لم يقل أن ذلك الشبل أو الزهرة هما من فتح أو من حماس بل هم فلسطينيان ، فإذا كانت كل من فتح وحماس تعملان من اجل فلسطين ، فعليهما الكثير بدلا من المهاترات التي لا طائل منها ، ونقطة البداية تبدأ من اللحظة التي افتقدنا فيها أبا عمار ، احد عشر سنة كافية لكي نعرف كيف مات ، لماذا مات ، ومن المسئول ، ومتى سيذهب المسئول إلى المحاكمة ليلعنه الناس والتاريخ ويذهب إلى جهنم وبئس المصير .
النقطة الثانية ، ضرورة اتخاذ القيادة الفلسطينية خطوات أكثر جرأة ، وأول هذه المواقف أن لا مفاوضات عبثية ، يكفي أكثر من عشرين سنة جريا وراء سراب ، هناك دولة تم الاعتراف بها أن الأوان لان تكون هذه الدولة هي مظلة الفلسطينيين أينما وجدوا ، وهذا من شأنه أي يكون اكبر دعم للشباب والشابات الذين خرجوا قبل بضعة أسابيع بصدورهم العارية ليقولوا لجيش الاحتلال لن تمروا ، لن تستمروا في إذلالنا وقهرنا ، فلسطين لنا والقدس لنا .
النقطة الثالثة ، ضرورة توجه كل من فتح وحماس إلى إنهاء الانقسام وعدم التوقف عند أمور يمكن حلها بجرة قلم ، لا يعقل أن يكون الشعب مرهونا بمستقبله في مسالة الموظفين أو مسالة تسليم المعبر ، الانقسام أصبح الجميع مسئولا عنه .
الوقت يسير بسرعة وما أحوج شبابنا وشيوخنا ونسائنا وأطفالنا إلى رؤية النور في نهاية النفق الطويل المظلم ، فيا قياداتنا واقصد جميع قيادات الفصائل وعلى رأسها قيادة السلطة الفلسطينية ونحن نحيي ذكرى رحيل القائد نقول : أغيثوا شعبنا ، وقديما قالوها ونقولها ما حك جلدك غير ظفرك .
أكرم أبو عمرو
11/11/2015