ما نحتاجه في هذه المرحلة التاريخية الحرجة من قضيتنا الوطنية , هو إنجاز الوحدة الفلسطينية والتنازل عن الأطماع في سلطة وهمية تحت سيطرة الاحتلال , والعمل على تفعيل المقاومة وإشعال الأرض تحت أقدام المستوطنين والمحتلين , وتحريض الناس على الاصطفاف الثوري من أجل فلسطين ومقدساتها , بعيداً عن الأوهام السلطوية والأهواء الحزبية , فمن يريد الصدارة والقيادة فعليه أن يتقدم الصفوف في مواجهة المحتل , والدفاع عن شعبنا وردع المعتدين بقوة الرصاص والحديد, بعد أن فشلت تجربة بيع الوهم بدولة أو سلطة تحت حراب الصهاينة , لقد فشلت تلك التجربة وما كان لها أن تستمر وشعبنا يملك من الوعي السياسي واليقظة الوطنية والهمة الثورية , فالاحتلال يرزح على أرضنا والمستوطنون يأكلون خيرات بلادنا , ومتدينوهم من الحاخامات يعبثون بمقدساتنا , هذا الواقع المرير والذي لابد من تغييره لصالح شعبنا , فالاحتلال ليس قدراً علينا أن نسلم به ونستكين في مواجهته , بل إن مشروعه الاستيطاني إلى زوال حتمي .
في ظل استمرار انتفاضة القدس يحتم علينا إعلاء قيم الوحدة وترسيخ المفاهيم النضالية وترتيب الأولويات الفصائلية والتخلي عن المنافسة الحزبية ,فليس هناك أولى من إستمرارية انتفاضة شعبنا ودعمها وإسنادها حتى تحقيق أهدافها , وأن أي دعوة سياسية يجب أن تكون في ذلك الإطار الوحدوي الشامل , من أجل تجاوز عقبة الإنقسام بشكل فعلي وإلى الأبد وحشد الجهود الفلسطينية في معركة الدفاع عن الوطن ومقدساته , فنحن في أوج معركة الوجود في ظل استمرار سرقة الوطن وتهويد مقدساته .
ولعل دعوة اللواء توفيق الطيراوي عضو اللجنة المركزية لحركة فتح بضرورة تعيين نائب للرئيس الفلسطيني محمود عباس , تحاكي حالة مشوهة للنظام السياسي الفلسطيني ما بعد أوسلو , وتكشف عن استمرار عقلية التفرد بالقيادة وتحمل المسؤولية بلا شريك , وقد ثبت فشل هذا الخيار في المجتمعات التي تخوض معركة تحرر مع عدو خارجي , كما هي الحالة الفلسطينية, دعوة اللواء الطيراوي خصها بالبحث داخل الأطر الفتحاوية , بذات العقلية المتفردة والمستعلية على باقي المكونات الفلسطينية , لماذا لا يتم البحث والنقاش حول هذه الخطوة في الإطار الفلسطيني العام ؟ ! , بحيث يتم البحث في قانونيتها ومشروعيتها , ومناقشة أهدافها وجدوتها في معركتنا مع الاحتلال , بل ضروري أن يصل النقاش بشكل جدي حول أهمية بقاء السلطة من عدمه لقضية التحرر الوطني الفلسطيني .
ولكن هل يعتبر الحديث عن منصب نائب للرئيس , مناسباً في هذه الأوقات العصيبة التي تمر بها السلطة وتقديرات الاحتلال الصهيوني بانهيارها ,ولماذا لو خرجت تلك المطالبة من فصيل فلسطيني آخر ,ألم تكن ستصنف بأنها في إطار الحملة ضد صمود الرئيس عباس في مواجهة الضغوط الصهيونية والأمريكية , ولماذا تأتي تلك الدعوة بعد الطلب المصري بضرورة تعيين النائب محمد دحلان نائب للرئيس عباس في إطار المصالحة الفتحاوية الداخلية, أم هي استعداد لحدث ما له علاقة بالوضع الصحي للرئيس عباس بعد التقارير الأخيرة بهذا الإتجاه , أم أن هناك محور عربي يرغب لمصلحة التسوية والتطبيع مع الاحتلال بإنهاء دور الرئيس عباس لمصلحة قائد جديد يبدي الاستعداد للتسوية مع الاحتلال , وفقاً للمقايس والمعايير التي يحدد الكيان الصهيوني وحلفاؤه , ولم يعلم أصحاب هذا التفكير أن الشعب الفلسطيني تجاوز كل مراحل التدجين و التجهيل السياسي ولم تعد تنطلي عليه الشعارات والمسميات البراقة , وأن سعي شعبنا للتحرر من الاحتلال لن توقفه أي قوة , وأن على الفلسطيني أياً كانت رتبه ودرجته وسلطته أو فصيله أن يقف احتراماً لتلك الإرادة الفلسطينية المقاومة وأن يكون داعماً لها ومساندة لرجالها .
إن أي حديث عن نائب للرئيس في مؤسسات السلطة الفلسطينية يتنافى مع النصوص القانونية للنظام الأساسي الفلسطيني , والتي لم تنص على منصب نائب للرئيس , ولقد خلط النظام السياسي الفلسطيني بين النظامين الرئاسي والبرلماني ,وأوضح الصلاحيات المخصوصة بالرئيس وبمجلس الوزراء كلا على حدا وما هو مشترك في الأعمال بينهما, ولو أراد الرئيس استحداث منصب نائب له فعليه أن يعرض ذلك على المجلس التشريعي , ولا ننسى أن النظام الأساسي الفلسطيني قد عالج مسألة فراغ منصب الرئاسة لأي عارض كان , وحدد من يتقلد منصب الرئاسة بشخص رئيس المجلس التشريعي , ونص على إجراء إنتخابات رئاسية في مدة 60 يوم من أجل اختيار رئيس جديد باقتراع شعبي حر ومباشر, وأن أي مسار آخر ينحرف عما هو مقر قانونياً يمكن أن يطعن به, حيث يشكل مخالفة قانونية وأخلاقية , فلا يمكن تغيير القواعد القانونية الناظمة لعمل مؤسسات السلطة الفلسطينية السيادية من أجل معارك حزبية.
ما يجب بحثه وطنياً ومن أجل المصلحة العليا للشعب الفلسطيني وقضيته , هو إعادة ترتيب البيت الفلسطيني ,وإحياء منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل مؤسساتها وإشراك الكل الفلسطيني عبر فصائله المعتبرة في آلية اتخاذ القرار وتحديد المصير , فالمصالحة المرجوة يجب أن تفضي إلى قيادة فلسطينية قادرة على مواجهة التحديات مجتمعة وموحدة وخلفها الجماهير المستعدة دوما للبذل والتضحية من أجل الغايات الكبرى وفي مقدمتها تحرير فلسطين كاملة , إن استعادة الوطن وتحريره تبدأ بأن نمسك بأيدي بعضنا البعض ونصطف في معركة التحرير سياسياً وعسكرياً وشعبياً , ما نحتاجه ليس نائب للرئيس ما نحتاجه وحدة حقيقية نقف من خلالها على أرض صلبة لنقاوم معا هذا المحتل , تللك الوحدة المرجوة شعبيا خائن من لا يعمل على إنجازها وهو قادر , خائن من يضع العراقيل في مسارها , خائن من يعطلها وهو مبصر بنتائجها الإيجابية على شعبنا وقضيتنا .
بقلم : جبريل عوده*
كاتب وباحث فلسطيني
29-11-2015م