الوحدة الوطنية هي تجسيد فعلي لتضحيات الشعب الفلسطيني

بقلم: عباس الجمعة

في الحديث عن رصد الواقع الفلسطيني الراهن، أعتقد أننا نتفق على أن أحداً بيننا لم يرصد بشكل كامل الانتفاضة الشعبية العارمة على ارض فلسطين ، في تحليلنا لرصـد الواقع وفق معطيات اللحظة نرى ان وحدة المجتمع الفلسطيني كله تعاطف بشكل سياسي ومعنوي مع الانتفاضة الشعبية من أجل استعـادة الأرض والحقوق وبناء الدولة وعاصمتها القدس من جهة، إلى جانب تأجج مشاعر العداء للمحتل الصهيوني من جهة أخرى، حيث يعبر الشعب الفلسطيني عن فوهة بركان الإنتفاضة الثالثة عبر انتفاضة السكاكين والحجارة وعمليات الدهس، والتي ستزلزل الأرض تحت أقدام الإحتلال ، لأن الشعب رغم كافّة التحديات لن يتخلّى عن حقوقه الوطنية المشروعه وتمسكه بخيار المقاومة بكافة اشكالها .
من هنا نرى ان صفحات مليئة بالتضحيات والآلام قدم فيها الشعب الفلسطيني آلاف الشهداء وعشرات آلاف الجرحى ومثلهم من الاسرى والمعتقلين ،فاصبح الجميع يدرك الان ان انتفاضة اليوم كما الانتفاضة الثانية اندلعت كردة فعل شعبي وطبيعي على الاحتلال وسياسته وممارساته، وعلى انسداد الافق السياسي وفشل اتفاق اوسلو وانكشاف استهدافات الاحتلال منها ومخططه لموضوعات التسوية النهائية، كما اتضحت بشكل جلي ان الاحتلال هو المستفيد الاول منها ، فكان الغضب الشعبي عقب حرق الشاب الشهيد محمد ابو خضير ومن ثم حرق عائلة دوابشة ، وبعدها استهداف الشباب على الحواجز ، وصولا الى الزيارات الاستفزارية للمسجد الاقصى من قبل وزراء حكومة الاحتلال وقطعان المستوطنين تحت حماية قوات الاحتلال ، فادراك الشعب الفلسطيني من خلال شبابه وشاباته انه لا بد من النزول الى الشارع في القدس والضفة ليشكل صرخة واضحة بمواجهة الاحتلال وقطعان مستوطنيه وردا على جرائمه ، بينما اندفعت الجماهير الفلسطينية خلف الخط الاخضر لمساندة ودعم شعبهم في الضفة الفلسطينية والقدس ، كما شعبنا في قطاع غزة والشتات، فشكل الشعب الفلسطيني قوة من الكفاح بكل وسائله اخذا من الانتفاضة الاولى طريقا له ، مؤكدا ان لا عودة الى المفاوضات والاتفاقات العقيمة مع الاحتلال ، فكان سلاحه الشرعي بالسكين والحجر والمقلاع والدهس وكافة الوسائل النضالية نقاوم ، هذا حقنا في المقاومة ، هذا الحق الذي كفلته لها الشرعية الدولية وميثاق الامم المتحدة وقراراتها.
إن شباب فلسطين الذين يقودون المواجهات الحالية، يرسمون الان بدمائهم صفحات المجد والكبرياء في ظل غياب أي دور عربي فاعل تجاه القضية الفلسطينية وقضية القدس، فهم يعبرون عبر انتفاضة السكاكين والحجارة انها الطريق نحو الحرية والاستقلال والعودة .
في ظل هذه الاوضاع نرى التحركات والمواقف التي تصدر من الادارة الامريكية وحلفائها والرباعية وغيرها بضرورة وقف العنف ، ونحن علينا ان نسأل كيف يتم ايقاف العنف في ظل استمرار حكومة الاحتلال والغطرسة والتمييز العنصري بعدوانها وباستباحة الارض والمقدسات ، فهذه المواقف تؤكد على الانحياز الاعمى لحكومة الاحتلال حتى تبقى طليقة اليدين بالتنكيل الجماعي في فلسطين دون رادع من أي عقوبة هو ما يشجعها على ارتكاب المجازر الفردية والجماعية بحق أبناء الشعب العربي الفلسطيني، وهو الذي يغريها على انتهاك أبسط حقوقه، وفي مقدمتها حقه في الحياة، مجرد الحياة، فانحياز الادارة الامريكية والرباعية والصمت العربي يمنحها الفرصة تلو الفرصة لاستمرار عدوانها على الشعب الفلسطيني ،وتشجيع غلاة المستوطنين الصهاينة على الاقتحامات المتكررة للأماكن المقدسة، ولا سيما للمسجد الأقصى، وتوفير الحماية لهم، وبمواصلة نهج الاستيطان ومصادرة الأراضي، والتوسع في سن القوانين الفاشية التي تطلق يد قوات الاحتلال والمستوطنين في استخدام الرصاص الحي لكسر روح المقاومة لدى شباب وشابات الانتفاضة البواسل، ولثنيهم عن الاستمرار في التصدي لممارسات الاحتلال وسياساته القمعية.
ان نفاق الولايات المتحدة التي تتبنى بالكامل وجهة النظر الصهيونية، وتنحاز له، كما هي العادة، الى موقفها الرافض لتواجد دولي مؤقت يعمل على حماية الشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال، والى ما أسمته بحق حكومة الاحتلال في الدفاع عن مواطنيها المدنيين، بينما لم نلمس اي مواقف عربية سوى الانتقادات في بعض العواصم، فهي انتقادات خجولة، لا تقدم ولا تأخر، مع أن في مقدور هذه الحكومات اتخاذ اجراءات فعالة، سياسية واقتصادية وتجارية ودبلوماسية، واعادة العمل بقوانين المقاطعة التي عطلها النظام الرسمي العربي منذ زمن.
ان ما تشرّع فيه حكومة الاحتلال من اعدامات ميدانية، بدم بارد للشباب الفلسطيني وتحتجز جثامينهم، وتتخذ جملة اجراءات بحق أسرهم، فترسل اخطارات بهدم بيوتهم وقد شرعت في تنفيذ بعضها هدم بيوتهم وتشريد أفراد عائلاتهم، وسحب الاقامة من المواطنين المقدسيين ، بينما تكتفي الحكومات العربية باستجداء المجتمع الدولي وحثه على التدخل، مع ان هذه الحكومات تدرك ان الدور الحاسم والمقرر في هذا المجتمع الدولي، لا زال يعود لدولة مارقة واحدة، هي الولايات المتحدة، المنحازة بشكل سافر للكيان الصهيوني، والتي توفر له الحصانة وتتهرب من تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، بما في ذلك عدم الاستجابة للدعوات المتكررة بتأمين حماية دولية للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال.
ان ما يتعرض له الشعب الفلسطييني من حملات الابادة والتصفية الجسدية لإبنائه وبناته بذرائع واهية، على مرآى ومسمع النظام الرسمي العربي الذي اسقط من حساباته نهائيا قضية الصراع مع العدو الاسرائيلي، والذي لم يعد معنيا إطلاقاً بمصير الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية العادلة، سوى بهدر مليارات الدولارات لتدمير دول عربية شقيقة، كليبيا، واليمن وسوريا والعراق، وإبداء قدر هائل من الاندفاع والاصرار على فرض شروط سياسية قاسية على حكومات هذه الدول، بما في ذلك التدخل في شؤونها الداخلية وتقرير مصير أنظمتها السياسية نيابة عن شعوبها، بينما يصمت حيال الممارسات الارهابية التي يقترفها الكيان الصهيوني بحق الشعب الفسلطيني، ويعرب عن الاستعداد لتطبيع العلاقات معه على مختلف الصعد السياسية والتجارية والاقتصادية، رغم إمعانه في سياسات الاستيطان والتهويد والأسرلة للأراضي الفلسطينية والمقدسات الاسلامية، وفي مقدمتها المسجد الاقصى، ورفض الاحتلال الانسحاب من الاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، والتسليم بحقوق الشعب الفلسطيني، في العودة وتقرير المصير وانهاء الاحتلال وإقامة الدولة الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس.
وامام كل ذلك نرى الدول العربية لا تتورع عن ابتزاز القيادة الفلسطينية لفرض شروط الدول المانحة عليها، من خلال الامتناع عن تقديم الدعم المالي المباشر لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني في وطنه إلاّ من خلال قنوات التمويل والدعم التي تستخدمها الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، بدلا من ان تستخدم هذه الدول كافة الوسائل لدعم صمود الشعب الفلسطيني والعمل من اجل مطالبة المجتمع الدولي بحقه في ممارسة حقه في الحياة على أرض وطنه، وممارسة سائر حقوقه الوطنية الثابتة والعادلة، والتي تعترف بها الغالبية الساحقة من دول العالم، وباتت موضع إقرار في عشرات القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة.
إن تهافت وضعف الموقف العربي الرسمي لعب في الماضي ويلعب راهنا دورا أساسيا في استمرار تقدم ونجاح المشروع الامبريالي الصهيوني وما نشهده من تطورات في الوطن العربي ، تلقي بمزيد من الأعباء الجسام على شعبنا ، ومن هنا تقع على عاتق الاحزاب والقوى التقدمية والقومية العربية وعلى احرار العالم مسؤولية , فالإمبريالية المتوحشة والتي تطبق أبشع صور العولمة في سلب وغزو وقهر حرية وإرادة الشعوب في كل من في الوطن العربي ، وما تفعله حكومة الاحتلال في فلسطين , تجعل إرادة الشعوب وقواها الحية تشكل ردا حاسما من خلال إرادتها الصلبة والعزيمة لا تلين وهي بذلك تطلق صرخة مدوية لأحلام الحرية والعدالة والديمقراطية في وجه ظلام العصر , وإمبرياليي العالم وأعوانهم.
وفي ظل هذه الظروف نقول الى متى البعض متمسك بحالة الانقسام الكارثي الذي بات عصيا على الاستيعاب ، فالانتفاضة الشعبية وحدت فلسطين ، ودماء شهدائها شكلت نبراسا مضيئا للوحدة الوطنية التي يجب ان ترتقي الى مستوى طموحات الشعب الفلسطيني من الناحية الكفاحية، بحيث تكون الوحدة الوطنية هي تجسيد فعلي لتضحيات الشعب الفلسطيني ، من اجل كنس الاحتلال واجباره على التسليم بالحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة.
ختاما لا بد من القول ان الشعب الفلسطيني بشبابه وشاباته يرسم بالدم خريطة فلسطين ويسعى بأمثولة كفاحية لتغير وقائع الأمس ، فشعبنا قادر طال الزمن أم قصر على تحقيق حلم الانتصار والعودة ، وأهم ما يشغل اهتمامه راهنا , كيف يتجاوز حالة الحصار السياسي ، وكيف يوقف الضغوط التي تستهدف صموده ،حتى يتمكن من تجاوز المنعطفات الحادة والحاسمة التي يواجهها ، فشعبنا سيكون بإرادته وتضحياته وصموده قادرا على قطع الطريق على كل محاولات الإجهاض والطمس والتجاوز لأهدافه الوطنية وصولا لتجسيد الدولة المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجروا منها .

بقلم / عباس الجمعة
كاتب سياسي