1- النّصّ
هي امرأة مسيحية
مسلمة وبوذية
ملحدةٌ وصوفيةْ
هادئة
نافرة
جنونية
هي امرأة صباحية
كقهوة طازجة المذاقْ
ناعمة كضوء
ناتئة كحولية
هي امرأة مسائية
مائية
حجريةٌ ووردية
ذات حدّ بارد وخلية شبقيةْ
واقعيةٌ مثل صبح
مثل سطر، خياليةْ
2- القراءة:
تجتمع في هذا النّص ذي الأبعاد الصّوفيّة تناقضات متعدّدة بل مربكة للعقل للوهلة الأولى. إلّا أنّ الأبعاد الدّلاليّة لكلّ كلمة وردت في النّصّ، تشير إلى رؤية خاصّة جدّاً للكاتب، تعبّر عن أفكار فلسفيّة وروحيّة في آن. وإن بدت بعض العبارات الّتي استهلّ بها الكاتب نصّه دينيّة، إلّا
أنّها غير مرتبطة بهذا السّياق، لأنّ ما يلي من معانٍ ودلالات يؤكّد مسار تكوين شخصيّة ما في ذهن الكاتب، أو وصف امرأة واقعيّة تحمل في شخصيّتها كلّ هذه التّناقضات. أو إنّ الكاتب يحاول فهم الشّخصيّة الأنثويّة، ويذهب عميقاً في تحليلها على المستويين الجسديّ والرّوحيّ.
- أبعاد صوفيّة:
يتجلّى البعد الصّوفي في السّطور الأولى، حيث يجمع الكاتب في امرأة واحدة توجّهات مختلفة، بل ينتقل بها من النّقيض إلى النّقيض، ليرسم ملامح الارتقاء الصّوفيّ المرتبط بالحبّ. وكأنّي به يبدأ نصّه بالتّجرّد والسّموّ، فيرفع من مقام القصيدة ليعلن ذروتها منذ البدء. لكنّنا نرى في ما بعدُ خطوطاً تتأرجح بين الصّعود والانحدار، فيثبت لدينا المعنى الإنسانيّ ويتباعد المعنى الدّينيّ.
هي امرأة مسيحية
مسلمة وبوذية
ملحدةٌ وصوفيةْ
تتآلف التّوجّهات الأربعة، أي المسيحيّة، والمسلمة، والبوذيّة، والملحدة، إنسانيّاً، ولا تتوافق دينيّاً. ما يرسم الخطّ الصّوفيّ الممتد من العالم لينطلق إلى خارجه، معتمداً على القيمة الإنسانيّة. لكنّه لسبب ما يلحق الكاتب الصّوفيّة بهذه التّوجّهات الأربعة، ولعلّه أرادها توجّهاً خاصّاً، مع العلم أنّ الصّوفيّة أبعد من توجّه، لأنّها تغوص في الزّهد والتّرفّع. بل يمكننا القول إنّها خلاصة كلّ التّوجّهات الرّوحيّة.
بالمقابل، تأخذ هذه السّطور معنىً فلسفيّاً إنسانيّاً يدخل في إطار الخبرات العقليّة والرّوحيّة الّتي تتأرجح بين الشّكّ واليقين، والحرّيّة والتّزمّت، والحقيقة العقليّة والإيمان الرّوحيّ. هذا التّعارض الكامن في هذه السّطور يجسّد بقوّة الدّاخل الإنساني الذي قد لا يظهر للعلن، بل يبقى محتجباً في النّفس الإنسانيّة. وقد يتساءل أحدهم عن سبب اختيار الكاتب لشخصيّة المرأة ليشرح تناقضات النّفس الإنسانيّة، مع العلم أنّ هذه التّناقضات ليست خاصّة أنثويّة. إلّا أنّ المعنى المراد إيصاله يصيب هدفه على اعتبار أنّ الرّجل قادر على إبراز هذه التّناقضات، وأمّا المرأة فيصعب عليها ذلك في محيط شرقيّ مسكين، يحكم على السّلوك الظّاهريّ، ولا يراعي العمق الإنسانيّ.
- أبعاد إنسانيّة:
حياة الإنسان، لا سيّما المرأة، مسيرة تختصرها خبرات امتزجت بالرّغبات الجسديّة، والشّوق الرّوحي إلى ما هو أبعد من اللّحم والدّم. فتتدرّج هذه المسيرة لتنطلق من خبرات الجسد بشتّى المراحل الّتي يمرّ بها، إلى المقام الرّوحيّ الرّفيع. وأحسن الكاتب تصوير هذه الخبرات، إذ إنّه صوّر الشّيء وضدّه. وما لبث أن نزل بهذه الشّخصيّة إلى الحضيض، حتّى يعود ويرفعها. (هادئة، نافرة، جنونيّة). وما صياغة هذه الكلمات بشكل تصاعديّ إلّا لإبراز التّقلّبات المزاجيّة المعبّرة عن الحالة الإنسانيّة الحقيقيّة. تؤكّدها العبارات اللّاحقة:
هي امرأة صباحيّة
كقهوة طازجة المذاقْ
ناعمة كضوء
ناتئة كحوليّة
هي امرأة مسائيّة
مائيّةٌ
حجريّةٌ وورديّة
ذات حدّ بارد وخليّة شبقيّةْ
فالحركات التّصاعديّة في هذه السّطور أظهرت التّركيبة الإنسانيّة العجيبة، وبيّنت تناقضاتها الرّهيبة. لاسيّما أنّ الكاتب أمسك بجوانب الحياة الإنسانيّة الظّاهريّة والدّاخليّة دالّاً عليها بالصّباح والمساء. (هي امرأة صباحيّة... هي امرأة مسائيّة).
ولئن بنى الكاتب عالمه غير راغب بالإفصاح عن سرّ الشّخصيّة المراد الحديث عنها، فاجأ القارئ بنهاية تأرجحت بين الواقعيّة والخياليّة. فمن جهة يوحي للقارئ وكأنّه يصف امرأة عاينها وعرفها (واقعيةٌ مثل صبح)، ومن جهة أخرى فتح له أفقاً جديداً، يسمح له بإطلاق العنان لخياله الخاصّ، ليتكهّن بنفسه، أو ليساعده على اكتشاف ذاته على ضوء ما قرأ (مثل سطرٍ، خياليةْ).
مادونا عسكر/ لبنان