عن سكان غزة والأردن ... ممانعة عابري السبيل..!

بقلم: أكرم عطا الله

كأنه ينقص سكان قطاع غزة مزيد من التعقيدات في حياتهم ولا يكفيهم هذا القدر من العزلة عن العالم وامتداد سنوات السجن الطويلة إلى هذا الحد، مع الاعتراف بأن أهل غزة يتحملون وحدهم دون غيرهم مسؤولية هذا الإغلاق لحظة أن قررت حركة حماس السيطرة على غزة دون إجراء حسابات السياسة الدقيقة، فالغزيون حديثو العهد بصراعاتها فقد ذهبوا لأبعد مدى حد الجنون .... يجهلون لعبتها وتوازناتها وتنقصهم ثقافة الشراكة كما كل العرب وإن كانت جرعة الاقصاء لديهم أعلى ارتباطا بفقر التجربة.
أغلق معبر رفح حد اليأس من فتحه قد ظهر ذلك حتى في اللقاء الأخير لحركة حماس بجهاز المخابرات المصرية التي طالبت الحركة بتسليم المعبر حتى يتسنى فتحه بصورة طبيعية.. طبعا كلنا ينتظر رد حماس والذي لن يكون كما يريد الغزيون لكن في العام الذي تلا العدوان على قطاع غزة تبدى بعض الأمل بشعور إسرائيل بضرورة التنفيس عن القطاع لمنع انفجارات قادمة بزيادة عدد التصاريح للسفر عبر الأردن وكان ذلك يتطلب الحصول على عدم ممانعة أردنية كانت السفارة الأردنية تقدم كل التسهيلات اللازمة للحصول عليها ما مكن عشرات الآلاف من مغادرة القطاع ما بعد عدوان 2014 وقد استمر ذلك لمدة عام.
منذ أشهر بدأ الغزيون يشتكون من عدم الحصول على تلك الممانعة أغلبهم طبعا لا يقصد الأردن سوى عابر كممر إجباري للانطلاق نحو دول أخرى فهي لا تمثل لهم سوى ممر سريع، ومع ذلك توقفت الدولة الأردنية عن تقديمها لدى هؤلاء الذين لا ذنب لهم سوى أن فصائلهم فشلت في تقسيم تركة السلطة وأوصلتهم إلى هذا الحد من الإهانة دون أن نتذكر طبعا أنه كان قد تم إنشاء مطار لهم أغناهم لفترة قصيرة من المرور عبر دول الجوار بالإضافة إلى أن الرئيس الفرنسي جاك شيراك ذات مرة وضع حجر أساس ميناء غزة .. طبعا لا أحد يسأل أية سياسة جاهلة قادت إلى تبدد كل ذلك فقد خسروا كل شيء ليستفيقوا على كابوس الحصار كمن قامر وخسر كل شيء.
رئيس سلطة المياه بقطاع غزة والذي اعتاد على السفر شهريا عبر الأردن كان في طريقه إلى تركيا لفحص ومعاينة محطة مياه قبل أن يتم شحنها للقطاع .. اضطر للمبيت ثلاثة أيام في أريحا بعد أن تم منع دخوله وفقا للإجراءات الجديدة .. اضطر لإجراء كل الاتصالات اللازمة طوال تلك الأيام من التدخلات على أعلى المستويات الرسمية حتى جاء السماح بالمرور في اليوم الرابع وكان قد أرسل بطلبه بالصورة الاعتيادية التي يقوم بها قبيل السفر كما كل مرة ومثله كثيرون.
الأزمة تصبح أكبر بالنسبة للغزيين الذين يعيشون في الضفة الغربية فقد تلقيت مكالمة استغاثة من مواطن فلسطيني كان قد ولد في غزة وانتقل بسكنه للضفة يتواجد في الإمارات ويتطلب عمله السفر بين رام الله ودبي وأهله في القطاع، عالقا في دولة الإمارات لا يستطيع العودة لعمله لرام الله حيث عمله وأسرته التي تعيش هناك خوفا من عدم تمكنه من الخروج أسوة بكل المولودين بالقطاع إنه عقاب جديد لهؤلاء الناس وكأن اللعنة تلاحقهم أينما حلوا حتى من غادر للسكن خارج القطاع طالته أيضا تلك اللعنة.
ليس لدى الأردن أي مبرر لإغلاق بوابة العبور أمام هؤلاء الناس، فالمكاتب في غزة تستقبل الطلبات الإنسانية الملحة للطلاب والمرضى والتجار وغيرهم لكن الردود معلقة بما يعبر عن سياسة جديدة بحاجة إلى تفسير أو أن تشرح المملكة لماذا تراجعت عن الإجراءات المتبعة وخصوصا أن أيا من مسافري القطاع حتى الآن لم يشكل مساسا بالدولة الأردنية أو بالأمن القومي الأردني وحتى إن حدث تصرف فردي هذا لا يعني أن تقوم الدولة بعملية عقاب جماعي.
الأمر الثاني أن القلة القليلة جدا التي تحتاج الأردن ممرا تكون قد وصلت عبر معبر إيرز الإسرائيلي أي بعد السماح لها من قبل إسرائيل هذا بعد أن تكون إسرائيل قد قامت بعملية فحص وفلترة دقيقة وبعد التأكد من أنه لا من داعش ولا من أي من الفصائل الفلسطينية، فالمخابرات الإسرائيلية تتابع كل فرد في قطاع غزة ولا تعطي تصاريح إلا لقلة قليلة بعد عذاب طويل لا تشكل خطرا على أحد والأردن تعرف ذلك.
المشكلة أن هناك طلابا يلتحقون بجامعاتهم وهناك تجار لم يعد لديهم منفذ سوى الأردن وهناك مرضى ينتظرون موتهم ماذا يمكن أن يقال لهؤلاء ؟ وما هو مبرر منع المرور عبر المملكة الأردنية ؟ وهي التي فتحت أراضيها منذ سبعة عقود للفلسطينيين واستمرت خلال تلك العقود الطويلة تقدم ما يكفي من التسهيلات سواء للمقيمين أو للعابرين بل وذهبت أبعد في احتضان الفلسطينيين حيث تسامت على أحداث أيلول التي شكلت نقطة سوداء في تاريخ العلاقة المشتركة بين الشعبين ..
هنا ربما يسأل أيضا عن دور السلطة في رعاية مصالح الناس فهذا الإجراء قد بدأ منذ أشهر ولدينا سفارة في عمان تمثل كل الفلسطينيين أينما كانوا والعلاقة الفلسطينية الأردنية هي علاقة مميزة لم يحدث ما يستدعي اتخاذ إجراء يمس بجزء من الشعب الفلسطيني ولم تقدم السلطة الفلسطينية أيضا تفسيراً لمن تقطعت بهم السبل من غزيين خرجوا ويخشون العودة ومثلهم يريد الخروج ولا يستطيع، ماذا لدى وزارة الخارجية الفلسطينية في هذا الملف؟ سؤال كبير لا بد وأن يقدم إجابته الدكتور رياض المالكي.
إلى أن يتم إيجاد حل لمعبر رفح الذي أغلقته المغامرة الفلسطينية وإلى حين أن تشعر حركة حماس بحجم المأساة التي تسببتها بالسيطرة على المعبر بطرد السلطة من مكاتبه يأمل الغزيون من الأردن أن تستمر بتقديم تلك التسهيلات  فلا ذنب لهم في كل ما حدث ويحدث من فشل فلسطيني، فهم ليسوا أكثر من ضحية لمغامرات الفصائل هم لا يريدون سوى المرور لمدة ساعة للمطار، فلتتبع إجراءات ترحيل من وإلى المطار.
لقد كتبت كثيرا عن كارثة غزة .. قد جرتنا تلك الكارثة متناسين القضية الوطنية ..نعتذر للشهداء .. للأسرى .. لشجرة الزيتون المقتلعة لأن الانقسام هبط بنا إلى هذا المستوى .. نقلنا استغاثات الناس ولكن لا حياة لمن تنادي لا مصر فتحت المعبر ولا الأردن ستستجيب فماذا يعني لو بقي أهل غزة مسجونين ؟ لكن الحقيقة الأبرز أن لنا نظاما سياسيا وفصائل هي وحدها تتحمل المسؤولية وعليها إيجاد الحل.. بالنهاية فإن سكان قطاع غزة هم رعايا السلطة الوطنية بغض النظر عن الانقسام عليها أن تجد ممرا إنسانيا آمنا لهم .. وعلى حركة حماس أن تتحمل مسؤوليتها وتعيد قراءة تجربة السنوات التسع من الإغلاق الذي تسببت به، الأمر بحاجة إلى حل وبدل مناشدة الدول علينا تحميل المسؤولية لصاحب المسؤولية ومطالبته بالحل .. وإلى حين ذلك يأمل الناس هنا من المملكة الأردنية أن تتراجع عن الإجراءات التي اتخذتها..!

أكرم عطا الله
2016-04-03
[email protected]