" أدينُ بدينِ الحبِّ أنَّى توجَّهتْ رَكائِبُهُ فالحُبُّ ديني وإيماني" ( ابن عربي)
- النّصّ:
هل سألتني يوماً لِمَ أنهض...
هل قرأت الكتب
وأسباب النزول
هل سألتني يوماً لِمَ انهض...
هل لبست تباشير الدّعوة
وصلبت على ألواح الاعتناق المغمور...
لا أنهض إلّا لأترشّفك تاريخاً
في كأس حرب لوّنتها الحضارات القديمة
ثم أهيم بإيمانك وأتعرى للفضيلة
أغتسل بمياهك المقدّسة
لتنبت على جسدي أوشام
النّصوص الجديدة
... ولأفترش ساحة الوغى
في عينك...
حيث راحتي والسّكينة
وحيث أعتنقك ديناً...
وأقتفي اثر الحب ... كغنيمة...
- القراءة:
نهض هذا النّصّ اللّطيف على حوار قائم بين الشّاعرة والكائن المعشوق في عمقها الإنسانيّ. يذكّرنا هذا النّصّ البديع بفصول سفر المزامير، إذ إنّنا نقرأ فيها حواراً مخفيّاً ، يحاور فيه كاتب المزامير الله ونجد الرّدّ الإلهي بشكل مخفيّ في نهاية المزمور. وإن دلّ هذا الأمر على شيء، فهو يدلّ على علاقة حميمة جدّاً بين المتحاوريْن. يعبّر المحاوِر عن رغبته الدّفينة في الاتّصال بالطّرف الآخر فيأتي الرّدّ من عمق أعماق العاشق.
تغوص شاعرتنا في عالمها الدّاخليّ لتشرق منه بتساؤلات تنبيهيّة لا استفهاميّة. تدلّ عليها التّركيبة الشّعريّة بين قسميّ النّص/ السّؤال والجواب. فالشّاعرة لا تسأل لتنتظر ردّاً، بقدر ما تعبّر عن هيام كيانها العاشق في حرّيّة الحبّ.
(هل سألتني يوماً لِمَ أنهض ...
هل قرأت الكتب
و أسباب النّزول
هل سألتني يوماً لِمَ أنهض ...
هل لبست تباشير الدّعوة
و صلبت على ألواح الاعتناق المغمور ...)
تتبيّن لنا من خلال هذه التّساؤلات خيوط تنسج الحبّ/ الحرّيّة، والحبّ/ الدّين. فتستخدم الشّاعرة مصطلحات دينيّة ( الكتب/ النّزول/ تباشير الدّعوة/ صلبت/ ألواح الاعتناق)، تشير إلى حالة ما قبل الأسر الدّيني التّشريعي لتقول الحبّ الوحي، المنزّه عن القيد التّشريعي، وتدخلنا في عالم الحبّ العلوي المنافي للفكر الدّيني المنغلق. ففي حين أنّ الدّين يسهم في انغلاق الجماعات، يطلق الحبّ العنان لدين علويّ يذهب بالإنسان إلى الخلاص والانعتاق. وقد يشير السّؤال ( هل سألتني لِمَ أنهض) إلى رغبة تحرّر من الكلّ في سبيل الهيام في الكلّ أي الحبّ الكوني.
(لا أنهض إلا لأترشفك تاريخاً
في كأس حرب لوّنتها الحضارات القديمة )
وكأنّي بالشّاعرة تعيد صياغة التّاريخ وخلق الحضارات بالمفهوم العشقيّ، فتتحرّر من القديم لتلبس الجديد فتنهض وتبدأ من جديد. بل تنهض وتصوغ تاريخ العشق برسوليّتها. (ثم أهيم بإيمانك وأتعرى للفضيلة/ أغتسل بمياهك المقدسة / لتنبت على جسدي أوشام /النصوص الجديدة ). فعل حرّيّة بامتياز وارتقاء إلى الجديد. تجرّد وتخلٍّ عن القديم في سبيل الاتّحاد الحرّ والنّهائي بالكيان العاشق.
(... ولأفترش ساحة الوغى
في عينك...
حيث راحتي والسكينة
وحيث أعتنقك ديناً ...
وأقتفي أثر الحب .. كغنيمة ...)
الحبّ تحدٍّ عظيم، والمحبّون هم المنتصرون والسّائرون نحو النّور. وهمُ العباقرة الهانئون والمستنيرون، حاملو سراج الحبّ كدعوة رسوليّة. يقتفون أثر الحبّ، بل يحيون فيه ومعه، ولا يتلفّتون إلى أيّ عائق يمكن أن يحول بينهم وبين النّور العشقيّ. هم الأحرار بحقّ، والمتفلّتون من التّعقيدات والتّشريعات. وهم المجبولون بالحبّ، والمقتاتون منه والسّابحون في نوره الّذي لا يخبو.
يبشّرون به، ويتنفّسون شذاه. يماتون من أجله ليحيوا أحراراً في دائرة الكون العشقيّ.
مادونا عسكر/ لبنان