ضرورة وضوح الموقف والموقع

بقلم: عباس الجمعة

وفي هذه اللحظات التي يجب فيها رصّ الصفوف، للوقوف في وجه المخاطر التي تتعرض لها القضية الفلسطينية والمنطقة العربية ، نرى البعض يهرول وراء مبادرة تتوضح معالمها يوما بعد اليوم ، ولهذا اصبح المطلوب ضرورة وضوح الموقف والموقع في الصراع ما بين شعوب المنطقة من جهة وما بين الاستعمار الامبريالي من جهة اخرى، ما بين خط المقاومة والتحرر الشامل اقتصاديا وسياسيا وثقافيا وما بين خط التبعية والخضوع للاستعمار، وهذا يستدعي من الجميع تحقيق التفاعل مع تلك الروح الثورية التي نراها في انتفاضة الشعب الفلسطيني والمقاومة العربية المتجذرة عسكرياً ترافقها مقاومة مدنية واقتصادية تقودها حملات مقاطعة اسرائيل وقطع المساعدات عنها على اجتياز الصعاب والمحن، حيث العالم بأسره يتجاوب مع هذه الحملات اقتصادياً واكاديمياً وفنياً ادراكاً منه لخطورة الابارتهايد الصهيوني الذي ينسج على منوال سابقه الجنوب افريقي، لهذا اكد اغلبية الشعب الفلسطيني وقواه كما الاحزاب والقوى العربية والتقدمية واليسارية رفضهم لمشاركة وفد فلسطيني ووفود عربية واسلامية في مؤتمر هرتسيليا باعتبار هذه المشاركة اعطت غطاء شرعياً لدولة الاحتلال ولعملية التطبيع تحت ذرائع مختلفة، حيث كانت هذه المشاركة في جوهرها مثار انتقاد من قبل الشعب الفلسطيني وكافة القوى والاحزاب العربية والفلسطينية .

إن نظرة جدية وعميقة للصراع ولمخططات وممارسات إسرائيل وسياساتها تبين جوهر المشروع الصهيوني كمشروع استيطاني عنصري يستهدف الهيمنة السياسية والاقتصادية على فلسطين والأمة العربية وكل ذلك تحت مظلة عسكرية تستند إلى تفوقها المطلق سواء في الأسلحة التقليدية أو النووية، وبدعم كامل من الولايات المتحدة الأمريكية. وبهذا المعنى يأخذ حل التناقض التناحري مفهوم حل الصراع على أساس التصفية السياسية للقضية الفلسطينية ولحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية والتاريخية وفرض الرضوخ والاستسلام على الأطراف العربية وإجبارها على التساوق مع المشروع المعادي والانزلاق فيه.

من هنا نعتقد، بالنظر إلى طبيعة التناقض التناحري ودوام الاشتباك التاريخي، إن اي مبادرة او مشروع لا يتعدى إدارة الأزمة دون حل لها، بما يتيح للتحالف الامبريالي ـ الأمريكي- الإسرائيلي تحقيق انتصارات ونجاحات توسعية استعمارية. وبالرغم من كثافة الحملة الإعلامية، العالمية والعربية، والتي تحاول فرنسا الترويج لمبادرتها التي تأتي في سياق العملية الجارية على أنها "عملية سلام"، هذه الحملة والتي تجد لها صداً وتأثيراً على الشعب الفلسطيني و شعوبنا العربية، في الوقت الذي تثبت هذه حقائق التاريخ والواقع أن ما يجري ليس الدعوة الى سلاماً حقيقياً، بل لتسوية بعيدة عن قرارات الشرعية الدولية ، لأنها تأتي في ظل ظروف تعصف بالعالم وبالوضع العربي،الأمر الذي يشوّه قراءة التناقضات وإدارة الصراع، ويخلق وعياً مزيفاً ووهماً عاماً بأن الصراع قد انتهى أو أنه على طريق الانتهاء،هذا ما نجد تعبيره في مفردات الخطاب الجاري ، وهنا السؤال في في ضوء حقائق الواقع، وطبيعة الأهداف الامبريالية والأمريكية الإسرائيلية، هل تغير فعلاً مشروع الحركة الصهيونية من حيث الجوهر،

أم أن الذي تغير هو من تخلى عن أهداف الشعب الفلسطيني والامة العربية عبر الرضوخ والقبول بمعادلات القوة والانصياع لإرادة الحلف المعادي.

امام هذه الظروف نرى انه اصبح من الضروري ان نرفع راية الدفاع عن مصالح وأهداف الجماهير الفلسطينية والعربية، وعن خندق الصمود والمقاومة، الخندق الذي يعرف حقيقة إسرائيل والصهيونية وحقه في النضال المستمر حتى دحر الاحتلال وعصاباته عنم ارض فلسطين بالكامل، هذا الخندق الذي يؤمن بأن الدولة وتقرير المصير والعودة أهدافاً مرحلية وليس نهاية المطاف أو الصراع.

ومن موقع تقديرنا لما تتعرض له المنطقة فأن الولوج لمرحلة جديدة حاسمة تسجله اليوم المقاومة العربية التي تتصدى للقوى الارهابية التكفيرية المدعومة من الطاغوت الامبريالي الصهيوني الامريكي ، لهذا من واجب الجماهير العربية وطلائعها الثورية، وجميع المناضلين والمثقفين العرب ان يولوها دعمهم للمقاومة التي حققت انتصارات عظيمة ،ونحن على ثقة بأن جماهير الأمة العربية لن تهدأ وتستكين وستواصل عملية الصراع لانها قادرة على النهوض من جديد، مستندة بذلك الى حقها التاريخي المشروع في استعادة ارضها، وفتح الآفاق نحو طريق الوحدة العربية، باعتبارها المخرج الوحيد لاستنهاض حال الأمة وبدء طريق التنمية الشاملة والمتوازنة بعيداً من التبعية والإلحاق.

إن الشعب الفلسطيني وهو يتعامل مع كل المعطيات من حقه ان يتوجه إلى الضمير العالمي والى الاحرار والشرفاء في العالم اجمع، إلى جميع اصدقائه وحلفائه، ليتساءل كيف بكيان ارتكب المجاور يتولى اللجنة القانونية في الامم المتحدة ، هل يمكن للسلام العادل ان يتحقق على ارض فلسطين وفي منطقتنا عبر المجازر التي بدأت في دير ياسين، وقام بها هؤلاء الارهابييون في العصابة العسكرية الفاشية الصهيونية لتصل إلى ما وصلت اليه عبر المجازر والمذابح في لبنان وبيروت، وفي صبرا وشاتيلا وقانا، من حق شعبنا ان يتساءل هل يقوم سلام على جثث اطفالنا ونسائنا ، او هل يمر حل على حساب شعبنا، من حق شعبنا ان يتوجه بسؤاله إلى شعوب العالم قاطبة بما في ذلك شعوب الدول التي ما زالت حكوماتها تنكر الشرعية الدولية وتنكر ابسط حقوق الانسان الفلسطيني في تقرير مصيره، هل هناك ما يبرر الجمود والتردد في مواجهة الحقيقة التي تقول ان الشعب الفلسطيني هو ضحية الارهاب الرسمي المنظم، وان الواجب الانساني، والاخلاقي، والحضاري، يلزم هذه الشعوب واحزابها وهيئاتها وجمعياتها وحكوماتها بان تؤازر شعب فلسطين للحصول على حقوقه الوطنية والمعترف بها وفق قرارات الشرعية الدولية.

اننا نعيش مرحلة جديدة، تشهد مخاضاً، ولم تتجل الصورة النهائية بعد ، وهذا يتطلب من القوى الوطنية والقومية والديموقراطية ومعها القوى الاسلامية التنويرية الوقوف وقفة جدية امام واقعها وعلاقاتها، وتوحيد جهودها لمواجهة العدو الإمبريالي - الصهيوني وكل القوى المعادية لأهداف وطموحات وحقوق الشعب الفلسطيني والجماهير ا العربية، والنجاح في خوض هذا الصراع يحتاج الى زمن طويل وطاقات كبرى، وهذه بحد ذاتها عناصر مهمة لتجميع القوى.

ان اندلاع الانتفاضة الراهنة ظاهرة ثمينة مشرقة ، وهي تعبير عن ارادة شعب يواجه الاحتلال باعتبار فلسطين ساحة من ساحات النضال ، و شعب فلسطين الذي لم يهدأ نضاله منذ بداية

المشروع الصهيوني الاستعماري، شق لنفسه بهذا النضال المتواصل دورا طليعيا في حركة التحرر العربية لا غنىً عنه ولا بديل له، وعلى هذه الارضية نقول ان تضحيات شابات وشباب فلسطين لا يمكن أن تذهب هدراً، لأن الأهداف العادلة والحقوق المشروعة التي ناضلوا وقدموا من أجلها ستتحقق طال الزمن أم قصر..

ختاما: لا بد من القول، ان شعب فلسطين بما يمثل من تجارب وتراث نضالي وتضحيات، لا يمكن أن يمرر اي مشروع يستهدف حقوقه الوطنية المشروعة ،وان هذا الشعب العظيم يتطلع اليوم الى ضرورة انهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية ورسم استراتيجية وطنية تستند لكافة اشكال النضال ولدعم لجان المقاطعة ومواجهة التطبيع مع الكيان الغاصب من اي جهة كانت، وسيؤكد للعالم ان انتفاضته ومقاومته نقشت صفحاتها في سفر التاريخ، كما رسم طريق نضال فلسطين قادتها العظام الرئيس ياسر عرفات وابو العباس وجورج حبش وطلعت يعقوب وابو علي مصطفى وسمير غوشة وسليمان النجاب وابو عدنان قيس وفتحي الشقاقي والشيخ احمد ياسين وكافة الشهداء، من اجل تحرير الارض والانسان.

بقلم/ عباس الجمعة