الطفل الفلسطيني الذي عاش وولد في خيام التهجير ، وتذوق مرارة فقد الأحبة والأهل خلال غارات المحتل المتواصلة وشاهد منزله الصغير تهدمه جرافة الاحتلال أمام عينيه، وحرمه منع التجوال من الوصول إلى مدرسته وسلبته رصاصات الجنود الغادرة أعز أصدقائه، هذا الطفل مازال يملك الكثير من طفولته رغم كل هذا الحزن والألم، مازال يحلم بأن يعيش طفولته كسائر أطفال العالم قتل وتدمير وتشريد وتهجير ..... هذه بضع كلمات تلخص معيشة أطفالنا الفلسطينين الذين مازالو يعاني من ممارسات الشيطان الإسرائيلي منذ عام 1948 إلى تاريخنا هذا ، صور من المعاناة والشقاء التي عاشها ويعايشها أطفالنا وأهلنا في الداخل الفلسطيني وبالرغم من ذلك استطاع أن يتصدر رقما صعبا في معادلة الصراع مع المشروع الاسرائيلي بعد أن قدم للعالم بأنامله التي لا تحمل سوى الحجارة أعظم انتفاضة في وجه قوة مغتصبة للأرض مدججة بأعتى أنواع الأسلحة .
إنها السياسة الاسرائيلية في استهداف الطفولة الفلسطينية من خلال القتل والترويع والاعتقال كجزء من العقاب لشعبنا الفلسطيني المقموع إلى جانب العديد من الممارسات الهمجية التي تصاعدت منذ انطلاق الشرارة الأولى للانتفاضة أثناء اقتحام المجرم أرئيل شارون لعتبات المسجد الأقصى المبارك.
هذه الممارسات الاسرائيلية تجاه أبناء شعبنا الفلسطيني ليست الأولى فسجل الاجرام الاسرائيلي حافل في قتل وتعذيب الأطفال وتقديمهم للمحاكم العسكرية وزجهم في ظلمات السجون الإسرائيلية لسنوات طوال ، والتهمة الحاضرة دائماً وهي حماية أمن كيانها المزعوم ، وطبعاً وفق المادة (37-أ ) من اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في تشرين الثاني 1989 والتي دولة الاحتلال لا تلتزم بها والتي جاء فيها:- "تكفل الدول الأطراف ألا يعرض أي طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، ولا تفرض عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة بسبب جرائم يرتكبها أشخاص تقل أعمارهم عن ثماني عشر سنة دون وجود إمكانية للإفراج عنهم".
الفقر الذي يلاحق نسبة كبيرة من الأطفال الفلسطينين واستغلاله من قبل كيان الاحتلال :
إن أبرز مخططات الكيان الاسرائيلي هي تحقيق أهدافهم التوسعية العدائية على أبناء شعبنا الفلسطيني منذ عام 1948 حتى وقتنا هذا والهدف الرئيس لديهم هو الأرض والإنسان الفلسطينين معاً، من خلال نشر الجهل بين أبناء شعبنا ومحاولاتهم اليائسة عن سلخنا عن انتمائنا لأرضنا وثقافتنا العريقة، وزرع القيم الاسرائيلية في نفوسهم وتحويلهم "عمال وخدم" في سوق العمل الإسرائيلي، وتجدر الاشارة هنا بأن المدارس الرسمية في القسم الشرقي من مدينة القدس تنتهج هذه المخططات لنشر التسرب المدرسي بين الأطفال الفلسطينين لتحقيق أمانيهم الشيطانية ، فمن المعلوم لدى الجانب الاسرائيلي بأن الطلاب المتسربون من المدارس يتعرضون للإضهاد دون وجود جهة رسمية تتابع قضية هذا التسرب أو حتى تحميهم من هذا الظلم .
وهناك نقطة هامة جدأ وهي عدم قدرة المدارس الرسمية والخاصة على استيعاب طلبة المرحلة الثانوية أو محاولتهم إنتقاء الطلبة المتفوقين وهذا الأمر ساهم في دفع الطلبة المتوسطين في التحصيل العلمي أومن هم دون الوسط إلى ترك المدرسة، خصوصاً وأن الداخلية الإسرائيلية تطلب الشهادات المدرسية لمن يريد الحصول على الهوية في سن السادسة عشرة كما ينصّ القانون وهذا يحول دون التحاق الطلبة بالمدارس الفلسطينية الواقعة خارج حدود البلدية لأنهم يواجهون مشاكل كثيرة في إثبات ما يسمى "مركز الحياة" داخل حدود البلدية.
الانتهاكات الاسرائيلية بحق الأطفال :
يتعرض الأسرى الأطفال إلى الأذى والتنكيل بطفولتهم وإنسانيتهم منذ لحظة اعتقالهم، حيث أن نسبة 95% منهم تعرضوا للاعتداء خلال اعتقالهم، حيث يدخل عدد كبير من الجنود إلى بيوتهم ويقومون بتكسير الأبواب وتخريب الممتلكات والاعتداء على الطفل وأسرته بالشتم والسب بأسوأ الألفاظ النابية ، ثم يقومون بجر الطفل وهو مكبل اليدين ومعصوب العينين إلى مكان مجهول دون أمر اعتقال أو إخبار أسرته بالمكان الذي إقتيد إليه.
أغلب الأسرى الأطفال يتعرضون للتعذيب الجسدي أثناء الاعتقال، يتم ضربهم من قبل الجنود بأحذيتهم ذات النعل الحديدي وبواسطة البنادق التي بحوزتهم، وأحياناً بعصي بلاستيكيه تكون معهم، و بالإضافة إلى الإهانة التي يتعرضون لها، حيث لا يتوانى الجنود أحياناً من إطلاق الرصاص على هؤلاء القاصرين الذين لا حول لهم ولا قوه بعد محاصرتهم لارهابهم وكسر شوكتهم ، وكما يتعرضون للضرب المبرح أثناء نقلهم داخل سيارات الجيب أو الشاحنات العسكرية وذلك بواسطة الأيدي أو أعقاب البنادق أو الرفس بالأرجل، ويتم إجبار الأسرى على الجلوس على أرضية الجيب العسكري ويقوم الجنود بوضع أقدامهم على رؤوسهم وأكتافهم، وفي حالات بعض الأسرى يقوم سائق الجيب بالإسراع بشكل مفاجئ فيهتز الطفل الأسير ويفقد توازنه ويرتطم رأسه بحواف الجيب الحديدية ينتج عنها جروح وندبات في العديد من مناطق جسده.
أما في مراكز التحقيق فهنا ننتقل لفصل جديد من فصول المعاناة فيتم تعذيب الأطفال الأسرى بعدة طرق وأساليب يندى لها جبين الانسانية من خلال ضربهم وتخويفهم ليعترفوا بتهم لم يقوموا بها، كذلك يتم تهديدهم بالتعذيب أكثر وأكثر ليعترفوا ويشهدوا ضد أصدقائهم ومعارفهم، فيخضع المحققون الإسرائيليون الأسرى الأطفال لجولات تحقيق مستمرة وعديدة لساعات طويلة وهم جالسين على كرسي قصير مقيدي الأيدي للخلف ومكبلي الأرجل وأحياناً معصبي العينين، وفي بعض مراكز التحقيق يقوموا بشبحهم واقفين لساعات طويلة تحت المطر في أيام الشتاء وفي أجواء البرد القارس، وفي النهاية لا بد من أن تعرض المخابرات الإسرائيلية على أغلب الأسرى الأطفال التعامل معها كمخبرين أو كعملاء لصالح الاحتلال ، وكما لا يتوانى المحققون من استخدام الصعقات الكهربائية والكي بالسجائر وإجبار الأسير على شرب الماء الساخن خلال التحقيق ، فمعظم الأسرى الأطفال يتم اقتيادهم إلى مستوطنات للتحقيق معهم مثل مستوطنة كريات أربع، وبنيامين، ومعاليه أدوميم، ودان شمرون، وغيرها. هناك يجري التحقيق معهم وتعذيبهم دون أية رقابة على المحققين من قبل الصليب الأحمر الدولي أو من المحامين الفلسطينيين، ما يعرّض حياة الطفل الأسير للخطر والاستفراد بهم وإجبارهم على التوقيع على إفادات باللغة العبرية لا يعرفون مضمونها.
التعذيب مادة في القانون الاسرائيلي :
يعد الكيان الاسرائيلي الدولة الوحيدة في العالم التي تشرع التعذيب بشكل علني وتستخدمه بشكل ممنهج ومنظم ضد أبناء شعبنا الفلسطيني الذين يتم اعتقالهم والتحقيق معهم من قبل الأجهزة الأمنية والشرطة الاسرائيلية ، وحتى عام 1999 كانت أحكام المحاكم الاسرائيلية في أكثر من وقت تؤكد على قانونية استخدام جهاز المخابرات العامة ( الشاباك) للتعذيب بعد هذا التاريخ ونتيجة لضغط مؤسسات حقوق الإنسان العاملة في كيان الاحتلال أصدرت المحكمة العليا الاسرائيلية قراراً يقضي بعدم قانونية أربعة أساليب من الضغط الجسدي والتي تمارسها سلطات الاحتلال بحق أبناء شعبنا الفلسطيني وخصوصاً الأطفال وهي : ( الهز-الشبح-جلسة القرفصاء-حرمان الأسير من النوم لفترات طويلة ) وكعادتها اسرائيل لم تنفذ هذا القانون على الأرض ولا تزال تستخدم أساليب جديدة في إرهاب الأسرى الفلسطينين بدون التمييز بين رجل أوإمرأة أو طفل .
وأخيراً إن الأطفال الفلسطينين في داخل الخط الأخضر بصفة عامة وفي الأراضي الفلسطينية بصفة خاصة يعيشون في ظروف كارثية بسبب ممارسات قوات الاحتلال الإرهابية وما تخلفه سياسات الاعتقال من دمار على شرائح المجتمع الفلسطيني كافة من دون تمييز بين الأطفال والنساء والشيوخ، و تعتبر مدخلاً لاتخاذ قرارات دولية من شأنها تجريم إسرائيل على ممارساتها ضد الأطفال الفلسطينيين، ومن ثم ملاحقة المسؤولين الإسرائيليين عن تلك الممارسات ومحاكمتهم في المحاكم الدولية المتخصصة. وهذا أضعف الإيمان.
بقلم/ أ. وسيم وني