قراءة في المرحلة المقبلة : ماهي مسؤولية العرب والمسلمين ؟

بقلم: لبيب قمحاوي

تتجه دول العالم النامي وبشكل حثيث نحو خيار اليمين الإقصائي الإنعزالي ضمن فكر وطني مغلق . إن شحّ الموارد وإزدياد السكان والتفاقم الملحوظ في زيادة عدد المهاجرين واللاجئين نتيجة للإقتتال الداخلي والحروب الأهلية في دول العالم الثالث خصوصاً العالمين العربي والإسلامي جعلا المزاج السياسي للدول النامية أقرب إلى قنبله عنصرية موقوتة ، وإبتدأت المفاهيم الإنسانية والحضارية تنسحب إلى الصفوف الخلفية لصالح المفاهيم العنصرية التي تهدف إلى حماية نمط الحياة وأسلوبه كما تريده شعوب العالم النامي وتحديداً شعوب أمريكا وأوروبا وإبقاء الموارد المتناقصة حكراً على الشعوب الأصلية لتلك الدول .

       لقد جاء التطرف الإسلامي وأساليبه الدموية ليصب على النار مزيداً من الزيت . فمحاولة أولئك الأسلاميين فرض نمط عجيب في المظهر و أسلوب الحياة على مجتمعات الدول الحاضنة لهم كمهاجرين أو لاجئين ، ولجوء بعضهم إلى الأساليب الدموية والترهيبية لفرض وجهة نظرهم تلك ، قد أدى إلى إستثارة ردود فعل شديدة وغاضبة ورافضة ضمن أوساط المجتمعات الحاضنة ، وساهم في تقوية الإتجاهات اليمينية الوطنية المتعصبة داخلها وأضعفت الإتجاهات الليبرالية ذات النزعة الإنسانية . وقد يعكس هذا الشعور نفسه على نتائج الإنتخابات القادمة في تلك الدول حيث من المتوقع فوز الأحزاب اليمينية الوطنية والإتجاهات العنصرية بالإضافة إلى نمو تيارات عنصرية  إقصائية قد تكون عنيفة بين أوساط الشباب تسعى إلى إضطهاد بل وطرد المهاجرين واللاجئين . ومن الدول الأوروبية الأكثر ترجيحاً لفوز تيارات اليمين واليمين المتطرف فيها ألمانيا وفرنسا وهما الدولتان الأهم في الإتحاد الأوروبي .

      إدارة ترمب سوف تشكل البوصلة الهادية لمعظم المجتمعات الغربية في السنوات القليلة القادمة وسوف تؤثر بشكل عام على المزاج السياسي فيها ، ولا صحة لمن يقول أن أوروبا لا تقبل ولا تريد حكومة مثل إدارة ترمب . فأوروبا والأوروبيون خائفون من المد الأصولي الإسلامي إلى داخل مجتمعاتهم كما أنهم غاضبون من المحاولات المستمرة للتأثير على نمط حياتهم تحت شعار حقوق الإنسان والديمواقراطية تارة ، ومن خلال العنف الدموي تارة أخرى . والناخبون الأوروبيون سوف يُعـَبـِّروا عن عواطفهم تلك في الإنتخابات القادمة خصوصاً بعد أن أخذوا جرعة إضافية من الشجاعة في القفز إلى المجهول بعد أن سبقهم الناخب الأمريكي إلى ذلك .

      على العرب والمسلمين لوم أنفسهم قبل لوم الآخرين ، إذ لا يجوز إستغلال أجواء الحرية والديموقراطية في المجتمعات الغربية المضيفة للإعتداء على نمط الحياة السائد في تلك المجتمعات ، خصوصاً إذا كانت مجتمعات مضيفة أو حاضنة بملئ إرادتها . ففشل العرب خصوصاً والمسلمين عموماً في منع تفاقم أنظمة حكم استبدادية وفاسدة في بلادهم هو الذي دفع بالمنطقة إلى مستنقع الظلم ومن ثم الإقتتال الأمر الذي دفع العديد إلى الهجرة وترك أوطانهم إما كلاجئين أو كمهاجرين . وفَشَلْ العرب في منع ظهور أنظمة حكم إستبدادية وفاسدة وفَشَلَهُم في التخلص منها يجعلهم مسؤولين سواء مباشرة أو بطريقة غير مباشرة ، عن ظهور التعصب والتزمت ومن ثم العنف الديني كرد فعل على ما يعانوه داخل مجتمعاتهم ومحاولتهم بالنتيجة الإنتقام من الآخرين كعقاب لهم على عدم المعاناة مما يعاني منه العرب والمسلمين داخل مجتمعاتهم أو المساهمة في صنعه .

       إن الدور الأمريكي والغربي في تشجيع تيارات سلفية ودينية تمهيداً لخلق الأرضية المناسبة لتدمير دول المنطقة وتقسيمها يجب أن لا يشكل عذراً للبعض للإدعاء بأن ما جرى ويجري هو أمر مفروض على العرب والمسلمين وأنه بالتالي ، يحق لهم الإنتقام من الغرب والحضارة الغربية بوسائل دموية . فهذا العذر قد ساهم في تفاقم الأمور وخلق مزاج العداء للعرب والمسلمين في الغرب وفتح الباب أمام قوى اليمين للمطالبة بتسخير قوى الغرب لمزيد من العداء والإقصاء للعرب والمسلمين والشك بهم وبنواياهم وإعتبارهم خطراً كامناً . الأصح هو الإعتراف أن العرب والمسلمين قد فشلوا فشلاً ذريعاً في حماية أنفسهم ومصالحهم من أنظمة القهر والإستبداد والفساد التي حكمتهم لعقود وأنهم بذلك يستحقوا ما جرى لهم لأن إستعدادهم للتضحية من أجل التخلص من تلك الأنظمة كان شبه معدوم وهم بذلك يجب أن لا يلوموا إلا أنفسهم وليس الآخرين .

      إن نجاح دونالد ترمب المفاجئ للعديدين جاء كإنعكاس لحالة الأحتقان الصامتة التي يعيشها المجتمع الأمريكي الأبيض الذي لا يريد أن يتعرض للأخطار المُرَافِقَة لهجرة الملايين إلى أمريكا ، ونفس الشئ قد ينطبق على معظم مجتمعات دول أوروبا الغربية والذي قد تظهر نتائجه في مزيد من التأييد الشعبي للتيارات الوطنية واليمينية المتطرفة داخل الجسم السياسي الأوروبي .  

       على عكس ما يتوقع البعض ، فإن دونالد ترمب سوف يسعى للإلتزام بمعظم وعودة الإنتخابية . فهو يعلم جيداً أن الأصوات التي حملته إلى منصب الرئاسة تـُريدُ ذلك وأن أولئك هم قاعدته الجماهيرية وأنصاره الحقيقيين وليس الحزب الجمهوري أو كوادره . وعلى هذا الأساس فإننا نلاحظ من الأسماء المطروحة لتولي المناصب الرئيسية في إدارته أن الإتجاه اليميني المتشدد سوف يشكل العمود الفقري لتلك الإدارة ، وأن محاولات تخفيف غلواء التطرف في مواقف ترمب لن تنبع من داخل إدارته بل قد تأتي من مراكز ضغط خارجية قد تفلح وقد لا تفلح فيما تريد .

          إن الأسباب الموجبة التي ساهمت في نجاح ترمب لم تختفي كما أن نجاحه قد ساهم في بلورة تلك الأسباب الموجودة في مجتمعات غربية أخرى خصوصاً في أوروبا مما قد يعكس نفسه في نتائج الإنتخابات القادمة في العديد من الدول الأوروبية . ونجاح ترمب في تطبيق سياساته المعلنة أو حتى جزء منها سوف يؤدي إلى إعطاء مصداقية لنهج اليمين وإلى تنامي الشعور العنصري والإقصائي ضمن المجتمع الأمريكي والذي سوف يعكس نفسه على مزيد من التأييد داخل المجتمعات الأوروبية لهذا النهج خصوصاً وأن أوروبا تتعرّض أكثر من أمريكا لمخاطر الإرهاب والمشاكل الناجمة عن لجوء أعداد كبيرة من اللاجئين والمهاجرين العرب والمسلمين .

    نجح دونالد ترمب في مخاطبة عواطف الجزء الأكبر من الأمريكيين اللذين لم يحددوا موقفهم سياسياً عشية الإنتخابات الرئاسية ولم يحاول أن يقترب من الناخبين من خلال إستعمال لغة العقل أو من خلال برامج حزبية وسياسة تقليدية كما فعلت كلينتون . ترمب خاض معركته الإنتخابية وحيداً حتى من دون حزبه الجمهوري وما طرحه على الناخب الأمريكي كان يعكس أراءه الشخصية وآراء الأغلبية البيضاء التي هـَبـَّت إلى دعمه على مستوى الولايات المتحدة (WASP: White Anglo Saxon Protestants)       .

      على العرب و المسلمين التوقف عن لوم الآخرين لكل المآسي التي تلحق بهم وأن يعيدوا النظر في مواقفهم من الشعوب الأخرى ومن إعتبار أنفسهم أوصياء إسلاميين على الآخرين حتى لو لم يكونوا مسلمين . فأساس الخراب نابع من عدم قدرة العرب والمسلمين على وضع حد للإستبداد والفساد في أنظمتهم ومنع التطرف والإرهاب النابع من مجتمعاتهم والمستند إلى الجهل والتزمت الديني . ولو نجح العرب والمسلمين في القيام بذلك لما استطاع أحد توجيه اللوم لهم على المآسي التي أصابت الآخرين من ذلك التزمت والإرهاب الديني مما دفعهم نحو تبني النهج اليميني العنصري ولوم العرب والمسلمين لما يحيط بهم من أخطار الإرهاب بأشكاله المختلفة .

   بقلم : د. لبيب قمحاوي*    

* مفكر ومحلل سياسي    

   [email protected]

    201611/ /14