بسبب تعارض وتعدد المصالح والأهداف،لا يمكن ان نصل الى تعريف محدد وواضح للإرهاب،وخصوصاً بأن الإرهاب الذي تمارسه دول أو جماعات او أفراد يهدف الى زعزعة الأمن والإستقرار في بلد ما بإستخدام وسائل العنف أو العمل على فرض نظام أو سلطة ما على شعب بخلاف إرادته او إحتلال أرض شعب والعمل على طرده وترحيله قصراً وإحلال مجتمع أخر مكانه.
الأنظمة الإستعمارية التي هي نتاج رأسمالية متغولة ومتوحشة هي أكثر الدول ممارسة للإرهاب وتوظيفاً للجماعات الإرهابية خدمة لمصالحها واهدافها،فهي تتناقض وتتعارض مع ما تحمله وترفعه وتدافع عنه من قيم الحرية والعدالة والديمقراطية والتسامح والتعددية وتقرير المصير،عندما يتعارض ذلك مع مصالحها واهدافها ونفوذها،وهي لا تتورع عن منح الجماعات الإرهابية ألقاب قوى جهادية او مناضلة من اجل الحرية والديمقراطية أو معارضة سياسية او مسلحة وحتى لا نبقى في العام فلا بد من تحليل ملموس لواقع ملموس.
أمريكا عملت على دعم أنظمة فاسدة وديكتاتورية ،مارست كل أشكال القمع بحق شعوبها،وعملت على قلب أنظمة حكم جاءت للحكم بشكل ديمقراطي على انقاض أنظمة مغرقة في الديكتاتورية والفاشية،فهي من قادت الإنقلاب على نظام مصدق في ايران عام 1953 والذي جاء للحكم بشكل ديمقراطي وأتت بالشاه محمد رضا بهلوي صنيعتها كملك لإيران بديلاً عنه، وكذلك قادت الإنقلاب على حكم السلفادور الليندي الذي فاز في تشيلي في الانتخابات بشكل ديمقراطي ضد الطاغية بينوشيه في نوفمبر عام 1970،ولتعيده للحكم في سبتمبر 1973 ،رغم سجله الحافل بالتعذيب والفساد والديكتاتورية،ودعمت قوى إرهابية ضد الأنظمة الديمقراطية في كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا وغيرها من البلدان الأخرى،وليس هذا فحسب،بل وظفت قوى إرهابية لخدمة مصالحها وأهدافها ومشاريعها،فعلى سبيل المثال وظفت وأستخدمت ما يسمى بقوى الجهاد العالمي والعرب الأفغان،من اجل طرد الروس من أفغانستان،تحت شعار الجهاد ضد الكفرة والنظام الشيوعي هناك،وليصبغ عليهم الرئيس الأمريكي الراحل ريغان صفة المناضلين من اجل الحرية،وما أن إنتهى دورهم ومهمتهم، حتى جرى اتهامهم هم وجماعة "القاعدة" بن لادن باحداث 11 سبتمبر وتفجير البرجيين،وبانهم مجموعة من القتلة والإرهابيين،ولتشن عليهم حرب بلا هوادة ،جرى على أثرها إحتلال أفغانستان وقتل بن لادن صنيعة أمريكا.
وليس هذا فحسب فأمريكا هي الداعم الرئيسي لإسرائيل في كل جرائمها وتعدياتها وتجاوزاتها وخرقها للقانون الدولي والدولي الإنساني،وكل الإتفاقيات والمواثيق الدولية،فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني وحقوقه غير القابلة للتصرف،فهي من تمنع صدور أي قرارات او فرض عقوبات على دولة الإحتلال "إسرائيل" في المؤسسات الدولية وبالتحديد مجلس الأمن الدولي نتيجة لخرقها وعدم تطبيقها او تنفيذها لقرارات الشرعية الدولية.
أمريكا التي صنفت "داعش" و"النصرة" كتنظيمات إرهابية،لم تقم بأي دور فاعل في محاربتها أو تصفيتها،بل عملت وفق سياسة الإحتواء المزدوج،تقديم الدعم لها من سلاح ودعم لوجستي ومخابراتي وغيره،وتوجيه ضربات ديكورية وشكلانية لها في العراق،لكي تستمر في خدمتها وتحقيق أهدافها ومصالحها في العراق وسوريا،بالعمل على تدمير البلدين وتفكيك جيشيهما،وتفكيك وتقسيم جغرافيتيهما وإعادة تركيبهما بما يخدم مصالحها ومصالح إسرائيل وقوى الإستعمار الغربي،في إنتاج سايكس- بيكو جديد قائم على التخوم المذهبية والطائفية.
ونحن نجد التناقض في المواقف الأمريكية في التعاطي والتعامل مع الجماعات الإرهابية،حيث يجري محاربة "داعش" في العراق،وبالمقابل يجري دعمها في سوريا،بمعنى التعاطي المزدوج والإنتقائي مع هذه الجماعات،وفق مدى انسجامها وخدمتها للأهداف والمصالح الأمريكية،وليس على قاعدة أنها جماعات إرهابية،قد تخرج عن طوع وسيطرة مشغليها وبالتالي تشكل مخاطر على البشرية والإنسانية والمجتمع الدولي بأكمله،حيث وجدنا بأن تلك الجماعات في إرتدادها الى الدول التي حضنتها ووفرت لها الدعم،قد قامت باعمال إرهابية ضربت اكثر من بلد ودولة،ولكن رغم ذلك استمرت عواصم تلك الدول بتوفير الدعم والحضانة والرعاية لها،وخاصة واشنطن،باريس ولندن.
في الوقت الذي تتعامل به أمريكا والغرب الإستعماري مع الدول والجماعات والأفراد الممارسين للإرهاب،ليس وفق قاعدة محددة ومعايير واحدة وواضحة،إرتباطاً بالمصالح والأهداف،نجد أنها تتنكر لحق الشعوب في الحرية والإستقلال والإنعتاق من الاحتلال،وكذلك استخدام القوة من اجل تغير أنظمة حكم قائمة لا تتفق وسياستها العدوانية،وخير شاهد ودليل على ذلك،فهي تنكر على الشعب الفلسطيني حقه في التخلص من الاحتلال وإقامة دولته المستقلة،وتصف نضاله وتنظيماته السياسية ب"الإرهاب" و"الإرهابيين"،في حين تقول بحق إسرائيل التي تمارس الإرهاب بحق الشعب الفلسطيني،في الدفاع عن نفسها في مواجهة "الإرهاب" الفلسطيني،وكذلك نرى المثال بشكل صارخ في سوريا،حيث تدعم أمريكا ودول الغرب الإستعماري وأدواتها الإقليمية (تركيا) والعربية (مشيخات الخليج العربي) الجماعات الإرهابية من القاعدة ومتفرعاتها "داعش" و"النصرة" وغيرها من التشكيلات والألوية الإرهابية والتكفيرية،من اجل إسقاط وتغيير نظام الحكم في سوريا،رغماً عن إرادة الشعب السوري.
نحن ندرك تماماً بأن الإرهاب عابر للقارات والمذاهب والطوائف،وليس مرتبطاً بمذهب أو دين معين،أو فئة أو جماعة ذات صبغة سياسية محددة، ولكن ما يجري ويمارس من إرهاب يضرب المنطقة العربية على وجه التحديد،حيث نجد بأن هناك محاولات جادة وحثيثة لوسم الدين الإسلامي بأنه دين قائم على القتل والعنف والإرهاب،وهذا نتاج لإختطاف الدين الإسلامي من قبل جماعات مغرقة في التطرف والإقصائية،توظف الدين لخدمة أغراضها وأهدافها،وتشوه جوهر وحقيقة الدين الإسلامي القائم على التسامح والمحبة،وهذا يجري في ظل عدم قيام المرجعيات الدينية وعلى وجه التخصيص السنية منها،بإدانة ورفض مثل هذه الأفعال والأعمال الإجرامية من قتل يجري بطرق وحشية وبوهيمية،وإستهداف لدور العبادة والعلم والأسواق والأماكن العامة،وبما يضعف من تعاطف العالم معنا عندما يتعرض المسلمين كما يجري في نيجيريا وبورما للقتل على الهوية بطرق وحشية.
ولذلك في عالمنا العربي والإسلامي بات مطلوباً ،أن يبدأ التغيير الآن برفض الفساد والاستبداد السياسي وسيطرة التطرف الإسلامي المنفلت،وإقامة نظام مدني حقوقي يرعى حقوق الأقليات قبل الأكثرية،ويعيد الدين إلى مكانه الطبيعي داخل المسجد والكنيسة لا يتعدى أبوابهما ،بعيدا عن المشترك الاجتماعي العام،وإعادة صياغة دستور كامل المدنية يقوم على عقد اجتماعي يرعى الصالح العام لكافة المواطنين على التساوي، وإلا فإن القوادم ستكون أفدح من السوالف .
بقلم/ راسم عبيدات