قبل طلوع الفجر من يوم 10/1/2017 ، اعدمت قوات الاحتلال الاسرائيلي الشهيد البطل الفلسطيني الشاب محمد الصالحي داخل منزله في مخيم الفارعة للاجئين، وامام والدته العجوز والمريضة ، وقد اطلقت النيران عليه بكثافة وجنون، فسقط مصابا بسبع رصاصات مضرجا بدمائه تاركا امه وحدها في البيت في مهب الفاجعة.
رائحة الموت في أول الفجر، والجندي الاسرائيلي القاتل يطلق الرصاص بغزارة هستيرية على جسد الشهيد كأنه يخوض حربا وجودية ضد شاب اعزل تصدى لاستباحة بيته ونومه واحلامه وحياته الفقيرة البسيطة ، وكانت صلاة الفجر دم، والأم المصدومة المندهشة تصلي صلاة الموت وحدها مع ابنها القتيل.
سقط الشهيد الصالحي وحيد امه في عملية اعدام ميداني تعسفي وعن سبق اصرار، لن يستطيع الآن ان يتزوج ويملأ البيت بالأولاد والبنات كما قال لأمه، ولن يراه طلبة مدارس الوكالة بعد اليوم يقف بعربته بائعا متجولا ليجمع تكاليف زفافه الذي تأجل الى الابد، خطواته اليتيمات في حوش الدار غسلتها الدماء على ارض مرهقة بالنكبات.
الضابط الاسرائيلي (إيال زامير) تفاخر بقيام جنوده بقتل عشرات الفلسطينيين وإعدامهم ، وبانهم تلقوا الدعم الكامل من قيادتهم، هي دولة فاشية تتفاخر بالجريمة، وتعتبر القتلة ابطالا تكرمهم بالنياشين والاوسمة.
اعدامات ، اعدامات، تأتي ضمن سياق الخطاب التوافقي اليميني الرسمي الاسرائيلي الذي يستهين بحياة البشر، ارهاب دولة حول جنوده الى محكمة ميدانية تمارس القتل والجريمة وقضاة وجلادين في ذات الوقت، اعدامات بدل الاعتقال، روح انتقامية وثقافة تستمتع وتبتهج بموت الفلسطينيين وإذلالهم.
اعدامات اعدامات، في كل بيت وشارع، وعلى كل حاجز ورصيف، التصفيات المستمرة لمجرد الاشتباه والفزع، الهوس والجنون يتقمص جنود الاحتلال، اطلاق النار السهل والسريع ومن نقطة الصفر، ممنوع ان يتحرك الجريح ، ممنوع ان يعالج، ممنوع ان يصرخ او يدافع عن نفسه وكرامته، الموت سيد المشهد دائما، وهناك من يقف الى جانب القتلة: الحكومة الاسرائيلية ، القضاء ، اجهزة الامن، الجيش، الجمهور الاسرائيلي المشبع بالعنصرية ، الحاخامات ورجال الدين بتبريكاتهم وفتاويهم وتحريضهم الدائم على القتل.
منذ اندلاع الهبة الشعبية الفلسطينية في تشرين اول عام 2015، ارتفت وتيرة الاعدامات الميدانية خارج نطاق القضاء من قبل قوات الاحتلال ، وفي نفس الوقت ارتفعت وتيرة التطرف العنصري لدى الجمهور الاسرائيلي ووسائل اعلامه التي تقف الان مدافعة عن الجندي (ازاريا) قاتل الشهيد عبد الفتاج الشريف، مطالبين العفو عنه، هي البربرية الاسرائيلية التي تنتزع الانسانية عن الفلسطينيين، وتعتبر حياتهم مثل قشرة الثوم كما عبر عن ذلك الصحفي الاسرائيلي جدعون ليفي.
اعدامات اعدامات، هتافات في اسرائيل تدعوا الى قتل العرب، احتفالات تقام فوق الجثث الممددة في الشارع، وهتافات تدعو الى عدم محاكمة القتلة او تخفيف الاحكام عنهم، وهتافات ترفض فتح تحقيقات جنائية في مئات القضايا والشكاوي التي رفعت الى القضاء الاسرائيلي ، جميعها تم اغلاقها كما يغلق الموت الحياة على الضحايا في الدنيا وفي الآخرة.
اعدامات اعدامات، تنفذها دولة اسرائيل التي لم يبق فيها رئيس دولة او رئيس وزراء او قائد في الجيش الا واتهم بالفساد المالي او بالانحراف الاخلاقي، دولة مريضة ملوثة تعربد في المكان والزمان، تتآكل من داخلها ، تتكرز عضلاتها، وتتشنج بنادقها، ويغيب عقلها، وتدفن نفسها بالنار والكراهية والخشية من سلام او صحوة اوشفاء.
اعدامات اعدامات واكثر، فما بعد الموت تحتجز جثامين الشهداء في الثلاجات الباردة او في مقابر الارقام العسكرية، اعدام آخر للميت بعد الموت، يمحون ملامح الشهداء ويطفئون اعينهم العنيدة، يهربون من دلائل الجريمة، غير مدركين ان الشهداء يرثون الحشائش والتراب والغناء، وانهم لا زالوا يحلمون ويتنفسون كي يفسروا صراخهم للاحياء.
اعدامات اعدامات، وها هم يشرعنون القتل العمد، يشرعنون الاستيطان، يشرعنون اعتقال الاطفال، يشرعنون التعذيب والاحكام الجائرة، دولة منفلتة من العقاب، دولة فوق القانون، يستعمرون الارض والهواء والمدى، وما على الشهداء والمعذبين الا ان يفيضوا الآن بدمهم وآلامهم فوق طاولة المحكمة الجنائية الدولية، فالصمت موت، وعليهم ان يصرخوا: لا تظنوا ان الدم يجف يوما وتبقى المراثي والصدى.
الشهيد محمد الصالحي، في كل نقطة دم زرعنا شجرة،وعلى ارض مخيم الفارعة للاجئين زرعنا مفتاحا وذاكرة، وفي سجن الفارعة العسكري حيث كنت هناك، زرعنا الارادات والاناشيد والامل، الموتى يدقون الابواب دائما، ونسمع في المقابر دبيب حياة، ونسمع في التاريخ خطابا عاليا: لنستمر في الهجوم.
الشهيد محمد الصالحي، في كل نقطة دم زرعنا شجرة، ها هي ترتوي من نبع الفارعة المحاذي للمخيم، هي عين جارية عذبة كروحك الطاهرة ، دائمة الجريان كالمقاومة المتجددة المتدفقة والمشتعلة جيلا وراء جيل.
الشهيد محمد الصالحي، ها انت تحقق حق العودة، وتعود الى ملكوتك الاول، تلتقي بأصدقائك شهداء مخيم الفارعة: محمد الغول، فادي صبح، مصطفى ابو زلط، ماهر جوابرة، عبود مبارك، عبد المنعم شاهين، ابراهيم ابو صيام، احمد عبد، محمد العبوشي، ابراهيم سرحان، وقافلة طويلة من الشهداء ينتشرون كملائكة في قراهم التي هجروا وطردوا منها بفعل الحرب والمذبحة، وهناك يزرعون اشلائهم ويطلقون الاجنحة.
في الجنازة التي مرت من قرب معسكر الفارعة ردد المشيعون نشيد الشاعر سميح فرج:
يا اسطبل خيل الفارعة
نأتيك شيبا او شبابا
نأتيك عرسا او عذابا
ناتيك برقا او سحابا
فأغضب كثيرا
واغضب كثيرا
لا بد نكبر
قد بلغنا من ملاحمنا النصابا
بقلم الوزير/ عيسى قراقع