انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني ضرورة ملحة

بقلم: عباس الجمعة

امام كل المحاولات الكثيرة والجادة من قبل قوى و شخصيات وطنية صادقة، مستقلة وفصائلية ، لإنعقاد المجلس الوطني الفلسطيني من اجل ترتيب البيت الفلسطيني وتفعيل دور منظمة التحرير، واستعادة مكانتها كحركة تحرر وطني ، وكإطار للوحدة الوطنية، ولكن ، وللأسف الشديد، تفشل هذه المحاولات، ولم تنجح في التقدم ولو خطوة واحدة إلى الأمام، عندما يطل تصريح لشخص يعتبر نفسه عضو لجنة تنفيذية يطالب بعدم عقد المجلس الوطني تحت هيمنة الاحتلال الاسرائيلي ، وهنا السؤال اين الاهتمام بموضوع المنظمة ودوائرها ومؤسساتها ومنظماتها الشعبية.

وبدلا من أن يجري العمل للاستعداد عبر تقوية منظمة التحرير من خلال تفعيل وتطوير مؤسساتها ، وتفعيل حركتها الشعبية، والاسراع في عقد المجلس الوطني حتى يكون فاعل ومؤثر ، وانتخاب قيادة جديدة قوية وقادرة على مواجهة التحديات والمخاطر التي تتعرض لها القضية والشعب الفلسطيني، ، ووضع برنامج نضالي ملتزم بالثوابت الوطنية لمواجهة كل التحديات والمؤامرات التي يتعرض لها شعبنا وحقوقه الوطنية، واعتبارالمنظمة هي المرجعية الفعلية المشرفة على السلطة، وليس التابعة لها، ، وبعيدة عن الخضوع للسياسات الخارجية التي تسعى للتحكم بمصير شعبنا واستعادة دورها النضالي كحركة تحرر وطني، وكإطار للوحدة الوطنية ، فاذا كان البعض لا يرى فرصة لحضور المجلس الوطني في دورته الحالية ، فأن عليه ان يسعى الى عقد دورة أخرى ، وبأسرع وقت ممكن، لمجلس وطني جديد ، وتشكيل لجنة تحضيرية تتولى هذه اللجنة التواصل مع كل القوى السياسية والفصائل والأحزاب وهيئات المجتمع المدني، للإعداد لعقد دورة المجلس الوطني الجديدة وفق وثيقة الوفاق الوطني واتفاقية القاهرة ،أو وفق ما يتم الاتفاق عليه فيما يخص إعادة بناء منظمة التحرير .

من هنا احتل موضوع الوحدة الوطنية مساحة هامة في الخطاب السياسي لكافة الفصائل والقوى والاحزاب الفلسطينية ، وخاصة في ظل الأخطار المحدقة بالنضال الوطني نتيجة عوامل خارجية أو داخلية، حيث يتصاعد الحديث في الخطابات عن موضوع الوحدة الوطنية.

ولا أظن أن نضالنا الوطني قد مر عبر تاريخه الطويل بمرحلة أكثر دقة وخطورة من المرحلة التي نمر بها الآن، وهو ما يتفق عليه الجميع، وربما كان الإحساس بهذا الخطر هو الذي يدفع الآن مختلف قوى العمل الوطني إلى التركيز على أهمية معالجة موضوع الوحدة الوطنية.

وفي هذه اللحظات ندرك المخاطر المحدقة بالشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية ، ونطالب الجميع ان يتحلى بأعلى قدر من المسؤولية تجاه هذه المخاطر وأهمية مواجهتها بكل الجدية المطلوبة ، التي تنطلق من إدراك حقيقة الأزمة التي نعيشها، وعمق المأزق الذي وصلنا إليه تقتضي معالجة الوضع بأسلوب يختلف عما تم التعامل به حتى الآن وبعيداً عن الارتجالية والاستخفاف، وعن سياسة تسجيل النقاط، و الدعوة لتغليب المصلحة الوطنية العليا وقضية الوحدة الوطنية، على المصالح والمكاسب والحسابات التنظيمية والذاتية الضيقة.

ومن موقعنا أننا لا نلحظ أي مسعى فلسطيني جدي لوقف عملية التطبيع العربية مع كيان الاحتلال ، أو دعوة العرب لتأجيلها على الأقل، أو ربطها بالتوازي مع استعادة الحقوق الفلسطينية، فهل هو اليأس من إمكانية الاستجابة العربية نظراً للأوضاع العربية الرسمية المتردية ، أم هو الخوف من الرد العربي بتحميل الشعب الفلسطيني وقواه المسؤولية، مع أن آفاق المقاومة الشعبية العربية للتطبيع في المجالين الثقافي والاقتصادي، ونتائجها حتى الآن تبدو مشجعة جداً .

إن مواجهة هذه الاحتمالات والتطورات تتطلب التفكير بسياسة تعيد ولو جزءً من المبادرة لليد الفلسطينية، وتستعيد ما يمكنها جمعه من أوراق الضغط على كيان الاحتلال، وخاصة في ظل تساقط أوراق الضغط العربية والدولية، أو على الأقل جفافها، يبقى العامل الذاتي الفلسطيني الورقة الأساس التي يعول عليها، والتي يجب أن تحظى باهتمام الجميع، و صياغة ميثاق عمل وطني يقوم على رؤية الواقع وتشخيصه، ووضع برنامج لمواجهته، سواءٌ في مجال مقاومة الاحتلال، أو في مجال مساعدة السلطة الفلسطينية على تقويم أدائها، وبناء مؤسسات حقيقية، ويضع أساساً سليما وراسخاً لعلاقات وطنية صحيحة بين مختلف القوى والتيارات السياسية، ويحدد حقوق كل طرف وواجباته ضمن الإطار العام والخاص.

كما ان انعقاد المجلس في هذه المرحلة سيشكل ردّ فلسطينيّ مباشر على القرار الإسرائيليّ ضدّ الصندوقالقومي ، والذي ينبغي أن يتمثّل بإلغاء الإتّفاقات الأمنيّة والسياسيّة والإقتصاديّة الموقّعة مع الاحتلال، هذه الاتفاقات التي تستخدمها بما يحقّق مصالحها فقط، فالقرار الاحتلال ينم عن عقليّة عدوانية لشنّ حرب شاملة ضدّ الفلسطينيّين، وباعتبار الصندوق القومي حق لكل الفلسطينيين ، ومنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها أداة كفاح ونضال الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، يستدعي من المجلس الوطني الوقوف امام هذا الموضوع .

وفي ظل هذه الاوضاع نقول على الجميع ان لا يحتكر لنفسه صحة الموقف ، ويُسبغ على الآخرين صفة المخطئين ، فالتسليم بحق الاختلاف والاجتهاد هو القاعدة الأساسية لحرية الرأي، والديموقراطية، واحترام الآخر .

وفي حالة شعبنا ، تتسم قضية الحرية والديموقراطية بحساسية خاصة نظراً للمعاناة الطويلة، والقمع المتواصل ، وانتهاك الحقوق الذي تعرض له الشعب الفلسطيني من قبل الاحتلال ، وكذلك ما عاناه شعبنا في الشتات من انتهاك لحقوقه، وما تعرض له من أذى بالغ ، ولم تكن القيادة الفلسطينية ذاتها بعيدة عن أن تطالها يد الأذى فنالها منه الكثير جسدياً ومعنوياً .

فمن الواضح ان الادارة الامريكية تبذل جهوداً محمومة لابقاء الملف الفلسطيني وملف الصراع الفلسطيني الاسرائيلي في قبضتها، وذلك لاستخدام القضية الفلسطينية بتشعباتها واهميتها للمنطقة والعالم من اجل الدفاع عن مصالحها وعن دورها المحوري في الشرق الاوسط، وكذلك لحماية اسرائيل الذي اصبحت تجاوزاتها تعظم المعارضة العالمية لها.

أن جهودنا جميعاً يجب أن تنصب في اتجاه التناقض مع الاحتلال ، فالعداء كل العداء للاحتلال وليس للسلطة الوطنية، لأن مهمة تحرير فلسطين ليست مسؤولية فريق أو طرف واحد، ولا هي مسؤولية السلطة الوطنية وحدها ، وإنما هي مسؤولية الشعب الفلسطيني بأسره ممثلا بكل

قواه وشخصياته وفعالياته السياسية والشعبية . بحيث تتاح للجميع فرصة المشاركة في عملية التحرير والبناء ، لذلك نرى ان استمرار الانقسام يشكل ثغرة حادة في جدار اصطفاف القوى الوطنية الفلسطينية، تنفذ من خلالها القوى المعادية للشعب الفلسطيني ولنضاله الوطني ومطالبه العادلة.

وامام كل هذه المخاطر نرى انه يجب اتخاذ خطوات فعالة لحماية الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، ولذلك فان الانضمام الى بعض منظمات الامم المتحدة، من بينها منظمات تدافع عن حقوق الانسان وحق تقرير المصير واتفاقية جنيف وغيرها، يفسح مجالاً واسعاً للدفاع عن حقوق الاسرى والمعتقلين في سجون ومعتقلات الاحتلال ، ويضع حداً لعنجهية اسرائيل وعدوانيتها البربرية، ومن شأنه ان يوجه ضربة كبرى لكيان الاحتلال ، فمن المعروف انه توجد حالياً حركة عالمية لمقاطعة الاحتلال ، وهذا يستدعي تفعيل الخطوات وتقديم الملفات دون تأجيل الى محكمة العدل ومحكمة الجنايات الدولية، حتى يتم تقديم قادة وجنود الاحتلال لينالوا العقاب اللازم ، كما العمل غلى استثمار القرارات الدولية التي اتخذت في السنوات الاخيرة يشكل دفعة هامة للأمام للقضية الفلسطينية ولحركة التحرر العربي، رغم الصعوبات والانقسامات التي تعاني منها البلدان العربية، ورغم الهجمات الارهابية في اكثر من بلد عربي.

وهنا لا بد من لفت الانتباه الى اعتراف الامم المتحدة بدولة فلسطين كاملة العضوية بحاجة الى نضال سياسي ودبلوماسي وعلى اكثر من صعيد ، لأن هذا الاعتراف بالعضوية الكاملة سيواجه عقبات ابرزها من الادارة الامريكية في الامم المتحدة المنحازة للاحتلال لمنع الجانب الفلسطيني من استثمار هذا القرار على الصعيد الدولي.

ختاما : نؤكد ان الوحدة الوطنية يجب ان لا تبقى شعار ، وهذا يتطلب الاسراع في انجاز الخطوات الرئيسة ، وعلى القيادات الفلسطينية مسؤولية كبيرة في الوقت الراهن، اولاً لجهة السير في عقد المجلس الوطني الفلسطيني باسرع وقت وتنفيذ عملية المصالحة ووضع مخرجاتها قيد التنفيذ، كذلك وضع خطة شاملة للنهوض بالموقف الوطني الفلسطيني على الصعيدين العربي والدولي من خلال السير الجريء باتجاه هدف اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وضمان حق العودة للاجئين الى ديارهم ، ونحن نؤكد ان مثل هذه الخطة ستواجه عقبات كثيرة، ولكن التصميم على تنفيذها من شأنه ان يدفع بمجمل النضال الفلسطيني والعربي الى خطوات كبيرة الى الامام.

بقلم/ عباس الجمعة