عروسان في الخيمة

بقلم: عيسى قراقع

هي ليست خيمة لجوء وانزواء وضياع وتشريد، التاريخ لا يعود الى الوراء، ليست تلك الخيم التي ضمت ظلال اللاجئين قبل 70 عام على النكبة وسياسة التطهير العرقي، بل هي خيمة الحرية المشتعلة بروح التضامن الوطني والانساني مع الاسرى المضربين عن الطعام والمنصوبة في ميدان الشهيد ياسر عرفات في وسط مدينة رام الله ،ومثلها مئات الخيام المنتشرة في كافة القرى والمدن والمخيمات والقرى، تزحف على الارصفة، وتتحرك بالحشود الغاضبة وباصوات الضحايا الاسرى والشهداء والجرحى والمبعدين، تتحرك كي يتحرك الزمن ويوقف اطول احتلال في التاريخ الحديث ، يتحرك الناس وهم يهتفون للحرية والكرامة ويقرعون ابواب الحديد المغلقة على آلاف الاسرى بالسجون والمعسكرات ، يقرعون صدى الصمت الدولي، يصلون ابعد من الجدار العنصري الفاصل، وابعد من حواجز الابرتهايد الاسرائيلي، يصلون الى فضاء الحرية، يرسمون خريطة فلسطين الحرّة من القدس الى النقب الى الجليل.

هي خيمة تتحرك فيها صور الاسرى، ينزل الاسرى عن الصور ، يمشون على أقدامهم يفكون الحديد وسنوات المؤبد والغياب ، تنتفض بكل ما فيها من ليل ووجع ودم في وجه الغاصبين والسجانين، يستعيدون ذاكرتهم ووجوههم، يعانقون امهاتهم الصابرات وأصدقائهم، يصرخون لنا الحياة كلها والحاضر والمستقبل.

في خيمة الاعتصام في رام الله زف العروسان رضوان القطري وسماح طمليه             حيث اختارا ان تكون الزفة من داخل الخيمة، زغاريد امهات الاسرى ، وصور الاسرى المشرقة والمبتسمة، وتحت رايات الحرية والهتافات التضامنية والدموع الساخنة ، وقد استيقظ الشهداء ونهضوا، والجميع يصرخ: بالروح بالدم نفذيك يا وطن... الحرية للاسرى، وصار كل شيء ابيض كبدلة العروس ولون الفجر القادم ، والجميع يصافح الحرية المنتفضة والمتألقة والمتأججة في كل مكان في فلسطين، والجميع يغني للصامدين الابطال داخل السجون، يتحدون بالجوع والماء والملح والايمان دولة لاحتلال وعنجهيتها المتوحشة.

العروس سماح طمليه، استشهد خطيبها عيسى على يد قوات الاحتلال، فإذا بشقيقه رضوان القطري يتقدم بالزواج منها، لأنه في فلسطين فقط ينوب الاحياء عن الشهداء ويكملون ما تبقى لهم من حياة في الدنيا والآخرة.

عروسان في الخيمة، اهديا زفافهما الى الاسرى في سجون الاحتلال، فلا يكتمل الفرح ولا يهدأ البال الا بالمشي في درب الحرية ،فإن كانت اسرائيل تتقن بناء السجون والابراج والحواجز والسمتوطنات واقتحام البيوت واعدام الصبية ونسف البيوت وغزو غرف النوم والمدراس ، فإنهم عجزوا عن معرفة  سرّ الحنّة على يد العروس الفلسطينية، التي تقول اننا وان بلغنا حدّ القتل، لكننا نستطيع ان نعلم الآخرين ان النضال في سبيل حق تقرير المصير سيطلق زغرودة ميلاد جميل.

عروسان في الخيمة يباركهما الشيخ والراهب، الاجراس تقرع، الآذان يصدح ،حجارة تقذف على الجنود، اطارات تشتعل ، اطفال يتسلقون السياج يرفعون علم فلسطين، الاسرى ليسوا وحدهم، الاسرى يحضرون معنا هذا العرس، حرية الاسرى اصبحت المحك للسلام والاستقرار وزهوة الربيع، الاسرى القادمون الى حياتهم يسحقون الخطيئة الاسرائيلية الغارقة في الفساد والجريمة الرسمية.

عروسان في الخيمة ، سيقضيا ربيعا آخر، محمولان على شمس فلسطين المتوهجة والحامية، خاتم في الاصبع وليس قيدا، طرحه من علم وكوفيه، ماء وملح وورد، عزف على الارصفة المغمورة بالناس الرائعين وإيقاع الجوع في المعسكرات البعيدة، زفة العصافير ، رائحة عرق الاسرى يخلعون القضبان والحديد، عشب يخضر في روح الشهيد، قرنفلة يحملها طير داخل مكتوب من السجن، تعلقها العروس وتتنفس في هواء الصامدين.

عروسان في الخيمة، كل شيء للاسرى، حياتنا الخاصة، ويومياتنا وهمومنا ومشاغلنا وبرامجنا، نومنا ونعاسنا لهم، والجماهير تشهد زفاف الحياة والحب والتجلي كما تشتهي الحرية والشهيد ومريم العذراء في نبوءتها الكونية.

عروسان في الخيمة، ليس في قاعة فارهة، هنا على الشارع، في الساحات المشتبكة مع ليل الاحتلال، فهل رأى العالم عبر كسوف الشمس عريسا وعروسا تنشد اسمي القدس؟ فلينهض العالم اذن ، فلينهض الصامت والمدثر، هي محكمة ميدانية باسم الفرح الفلسطيني لمن اعتقل الفرح عن شفاه الاطفال واستعمر الارض وسيج السماء، واليوم أعلن هذا الزفاف في الشعوب رسالة الاحياء.

عروسان في الخيمة، وبأم عيني رأيت الاسرى يرتدون بدلاتهم السماوية، يدخلون حلبة الرقص كعاشقين، ورأيت الشهداء ياتون من الجنازات الكثيرة، يمزقون مناديل الحداد، تغني الفتيات، وفي تل ابيب يطلقون النار على القصائد وأناشيد البحر وجدائل البنات، وفي تل ابيب اصيبوا بالجنون والهستيريا عندما سمعوا اغنية يطلقها شهيد من تحت التراب ، ونطفة تخرج من السجن تصير طفلا يقتحم الحياة ويقرع الف باب وباب.

عروسان في الخيمة... والجميع يغني مع محمود درويش:

تزوجت جميع الفتيات

يا رضوان

وقضيت الليلة الأولى

على قرميد حيفا

يا رضوان

يا امير العاشقين

وتزوجت الدوالي

وسياج الياسمين

وتزوجت البلاد

يا رضوان

يا رضوان

بقلم/ عيسى قراقع