ثمة ما يدعو للاشمئزاز وما تناولته بعض الاقلام بقراتها لوثيقة حماس وبموقف مسبق من كونها حماس ومن موقع المهاجم " ولو وضعت العسل في اناء العسل " واقصد هنا الابتعاد عن الموضوعية والقراءة الوطنية لهذه الوثيقة ، ونظرة بعين واحدة فقط لا ترى الا نصف المشهد الفلسطيني بعجره ببجره.
المهم في ظل المناكفات قد تغيب الرؤية الصائبة لأي مستجد او حدث وطني لتأخذا تلك الاقلام الى عصبوية التشرذم والماضي والتناقض التي تحدث ليس على قاعدة احكام وطنية منصفة للجميع بل على قاعدة التحول الثقافي التي صنعته ثقافة مدرسة اوسلو وبرنامجها ، فقد يكون ما حدث من هجوم على وثيقة حماس قد يحدث على أي قراءة جديدة لحركة فتح في التعاطي مع المتغير ،وخاصة امام فشل على مدار عقود لمسارات سياسية وخيارات لم تؤتي نفعا للفلسطينيين وللقضية ،فماذا لو اصدر التيار الاصلاحي في فتح والقائد محمد دحلان ورقة فتحاوية سياسية وطنية تحدد البرنامج السياسي للتيار الاصلاحي على قاعدة الفشل السابق لبرنامج فتح والسلطة ، بالتأكيد سنجد تلك الاقلام ايضا ستهاجم وتتهم ، وغيره من الابجديات التي لا تخرج عن العنتريات وبدون الوقوف ولو للحظات تفكير بضرورة هذه الورقة او البرنامج او الوثيقة لوضع المعالجات اللازمة لضرورة مرحلة وابجديات متغيرات على المستوى الذاتي والموضوعي .
الخلاف ليس من اجل الخلاف والنقد ليس من اجل النقد والابجديات تستخدم للبناء وليس للهدم ، وخاصة ان المركب الفلسطيني اصبح الان وفي هذه المرحلة مهدد بالغرق فتحاويه بحمساوييه بجبهاوييه بجهادييه، وكل الفصائل بل الشعب الفلسطيني وقضيته ، متغيرات اقليمية وتمدد صهيوني اقليمي في كافة المستويات وادارة امريكية كل مستشاريها وحقائبها السيادية صهيونية المنشأ، فلسنا ولم نتمكن ايضا ان نكون مثل كوريا الشمالية وليس لنا حلفاء كما هم لكوريا الشمالية ، ولنرفع لغة السيف " النووي " في وجه اعدائنا ، ولكن بالتأكيد ان لم نتقدم ،يجب الحفاظ على اماكننا ومكان وجودنا ونقطة القوة في هذه الامكنة " والازمنة ""
وهنا اشير ليس من موقع الحصول على وسام من فريق محمود عباس ورواتبه او وسام من حماس ومكاسبها على الارض ، فانا اللاجئ والمقاتل والمناضل والكاتب الوطني ، والذي يقف وبقوة على ارض وطنية بعيدا عن لغة الاصطفاف وفرضياتها ومواقفها ،فحماس تنظر لي بالفتحاوي المتطرف والمتشدد ، كما ينظر لي دعاة الواقعية وفتح المقاطعة ، وللإنصاف التاريخي ، فإنني اشيد بالتوضيحات التي قدمها اخي ابو الوليد رئيس المكتب السياسي لحماس وما دعا له من شراكة ومرونة في التعاطي مع المعادلات الوطنية وعندما قال وبواقعية لا احد منا يستطيع اقصاء الاخر واشاد بالتجربة الوطنية وتجربة فتح ومنظمة التحرير في معرض رده على مداخلتي .
وثيقة حماس التي استندت للتجربة الفلسطينية وهذا لا يحسب عليها بل يحسب لها ولمواقفها وهي دعم لما جاء في الميثاق الوطني الفلسطيني ودعم لقرارات المجلس الوطني في دورتيه عام 1973م –و1974 م ودعم وتأكيد ان حركة النضال الوطني التحرري التي انطلقت عام 1965م ونظامها الاساسي وأدبيتها هي مرجعية للحركة الوطنية الفلسطينية بشقيها الوطني والاسلامي .
يقول البعض بان وثيقة حماس تسير على مسارات منظمة التحرير .... ولكن أي مسارات ...؟؟ او مسار مجالسها الوطنية ما قبل المجلس الوطني المنعقد عام 88م واعلان الدولة والاعتراف بإسرائيل القرارين الدوليين 242و 338 ام تعترف حماس بما جاء في البند العشرين وبنود اخرى بمخرجات مؤتمر الجزائر .... ؟ الوثيقة تقول وبما جاء فيها انها تقر مبادئ الميثاق الوطني عام 1973م وما قبله والذي ينص على اقامة الدولة او السلطة على أي جزء محرر من الارض بوسيلة الكفاح المسلح على طريق اقامة الدولة الديموقراطية على كل الارض الفلسطينية وهذا ما ركزت عليه الوثيقة في اكثر من بند من بنودها .
البند العشرين ان حماس تقر بل توافق على اقامة الدولة " ذات السيادة " وبحق العودة للاجئين والنازحين على اراضي ما قبل الرابع من حزيران يتعارض مع البرنامج السياسي الاوسلوي بشقه الامني والسياسي والاقتصادي والجغرافي لطرح النظام السياسي الفلسطيني ومنهجيته في تناول اقامة الدولة والمقرون بالمبادرة العربية وايجاد حل متفق عليه لقضية اللاجئين . اما ما ذكر في الوثيقة "بصيغة توافقية " فاعتقد ان التوافق الوطني مشروط بذات السيادة وعودة اللاجئين وهي اساس المشكل والازمة والقضية . وليس تنازلا او نيه في التنازل ، بل هي الاقرب لمخاطبة المجتمع الدولي بالقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الامن والجمعية العامة بخصوص القضية الفلسطينية .
البعض يطرح ان وثيقة حماس هي بديلة لمنظمة التحرير ولا ادري من اين اتى هذا التحليل ، واعتقد ان كل فصيل في الساحة الفلسطينية له حق وطني بان يضع له ميثاق وبرنامج سياسي والذي نسعى بان يتوحد البرنامج السياسي الفلسطيني تحت راية منظمة التحرير بتجديد الشرعيات وتطبيق اتفاق القاهرة واجتماعات وتفاهمات بيروت وبدخول كل الفصائل والشرائح السياسية والفلسطينية لمنظمة التحرير وعقد مجلس وطني فلسطيني يقر البرنامج السياسي .
ارى ان الوثيقة تحسب لحماس وليس عليها وما اكدته من انتمائها للتجربة الوطنية الفلسطينية الاصيلة وكما هم كثير من الحركيين والوطنيين لا يعترفون بمقدمات اوسلو فحق لحماس ان لا تعترف بتلك المقدمات السياسية ولا بمخارجها .
سميح خلف