نحن نعيش في البعد الاقليمي المتغير والمتقلب ورمال متحركة قد تؤدي الى ظاهرة التصحر السياسي والامني وهو القالب الذي وضعت فيه القيادة الفلسطينية نفسها منذ زمن وفي اتجاه التحرك بخيار واحد وضعه فريق مفاوض فلسطيني منذ عقود، ظاهرة التصحر الذاتي والموضوعي قد اصابت ايضا الموقف العربي من خلخلة لأنظمتها بل هناك من اصبحت هي انظمة فاشلة لدول فاشلة، وفي نفس السياق دول اصبحت تحتاج الى مقومات لمواجهة ظاهرة التصحر العنفي للمحافظة على وحدة اراضيها ضد العنف والتشابكات الدولية وتصوراتها السياسية والامنية والاقتصادية، هذه المناخات من خريف وربيع يفقد جدوى وجوده فاللوحة قاتمة باللون الاحمر لون الدم.
تشابكات مزمنة ادت لظاهرة التصحر السياسي والامني الفلسطيني وبلون صحراء ورمال قد استقرت كل في مكانها لتعبر عن واقع الجمود الذي تقدم فيه الاحتلال اكثر فاكثر من تنفيذ برنامجه الاحتلالي من استيطان وتغذية الانفصال والانفصام الثقافي والسياسي والامني لدى الأيقونات السياسية والسلطوية الحاكمة للشعب الفلسطيني، كل من تلك القوى متمترسة في ظاهرتها التي قربت من محطات كبيرة من الفساد والسلوك السياسي المرفوض جملة وتفصيلا من الشعب الفلسطيني.
لم يعد هناك غابة البنادق بديموقراطيتها المتفقة على وحدة الهدف، فكان في الزمان الجميل معاني كبيرة لديموقراطية غابة البنادق ، معاني انسانية تحررية نحو انعتاق شعب من الظلم والتشرد والتشريد، فاقتحمت تلك العقيدة الميدانية صور اخرى من التشرذم وحكم الفرد وسطوته و استفراده بكل ايقونات العمل، ضاحدا عمليا فكرة العمل الجماعي او عمل المؤسسة او حقوق الفرد او الجماعة او معايير وملامح الاجماع الوطني على برنامج قد يقي الفلسطينيين من ظاهرة الانقسام والتشرذم والخضوع لظاهرة تصحر اكثر ايلاما للشعب الفلسطيني.
ظاهرة التصحر لم تمس جانب الممارسات النرجسية فقط بل هي لها قاعدة ثقافية فكرية انطلقت بها فأصابت الحجر والبشر والزرع والنسل.
بالتأكيد ان الشعب الفلسطيني ليس مسؤولا ولا مكلفا تمثيلا ولغا لأصحاب هذه الظاهرة القاتلة، ولم يكن يوما في قاموس حركات التحرر والشعوب من هو شرعي ولا شرعي بل ائتلاف تلك القوى تكتيكيا لإنجاح الاستراتيجية، وبعكس ما يحدث في الساحة الفلسطينية ومن صنعوا خطاب الشرعي واللاشرعي هم من ليس لهم أي صفة شرعية في قاموس العمل الديموقراطي وميكانزماته او في قاموس اللقاء على وحدة الهدف.
لغة الخلط السياسي والوطني وعدم وضع الحروف في مكانها وبنقاطها كانت هي من اهم العوامل التي ادت لهذا الواقع الجامد سياسيا فاصبح الخلط واقعا بين الوطني واللاوطني والخلط في مفهوم الشرعيات سواء الشرعيات الثورية او الشرعيات المؤسساتية.
سمة اللاشرعي آت وذوبان معانيها ومفهومها اصابت المنطقة ففي كثير من الدول العربية والانظمة اصبح من الصعب تحديد الشرعيات والواقع المنقسم عشائريا او مذهبيا او حزبيا، ظواهر لم يسلم منها الواقع الفلسطيني بل مكرسا كثير من مفاهيم التشرذم وكل منها يغذي ثقافته للجيل.
لعلاج ظاهرة التصحر ومقاومتها تحتاج لقوة غير مألوفة تستمد من مصدات الرياح للعواصف ولا يمتلك ادواتها الا الشعب نفسه، فاذا ما كان الشعب يعيش في غيوبة الصدمات والحاجة لمجرد التقاط الانفاس، فان ظاهرة التصحر قد تاكل اكلها، ولا نجد امامنا الا هشيم من نيران استعرت اكلت ما حولها من مفاهيم حقيقية للصراع مع العدو الصهيوني.
العدو الصهيوني يتقدم للامام حتى اثيوبيا والى شمال العراق ونحن نبحث عن وقائع جديدة من التشرذم والتشنج كل في مكانه فغزة محاصرة تحت مفاهيم سياسية وامنية والضفة ايضا تخضع لبرنامج قهري سلطوي احتلالي، وغزة مرة اخرى تخضع لجمود حزبي مسيطر يرفض او يقاوم ان يخرج من حيزه الى افق اشمل يضم كل ابناء الشعب بقواه المختلفة، اما فتح ومصيره ومضمونها اصبحت محل دهشة واستغراب عند ذوي الفكر والثقافة الوطنية ، ظواهرها التي لا تسر صديق او مناصر سوى على المستوى الذاتي او الموضوعي.
يا سادة القوم نحن بحاجة ملحة لمقاومة ظاهرة التصحر الذي انتم صنعتموها، فالوضع كارثي وفي علاقة طردية مع الزمن، فالقدس وغزة والخليل ونابلس وطول كرم والمخيمات الفلسطينية وكل بقايا الوطن المختزل بواقع الاحتلال ومفاهيم التشرذم والانغلاق والتمترس بحيثيات ضيقة بحاجة ان يخرج من عباءة الغثيان والثقافة الملوثة التي اضفاها برنامج مزمن لم يحقق الا مصالح من اعدوا هذا البرنامج اما الشعب والقضية والقدس فآلامها اكبر من تصوراتهم وبرامجهم التي لا تعدوا انها في هيكلة المتغير والرمال المتحركة في المنطقة.
سميح خلف