واضح بان الخيارات لحركة حماس بالنسبة للجغرافيا والموقف ستتوزع بين ثلاثة دول،حيث ان الحركة ربما تدرك بعد خروجها من قطر،بان عليها ان لا تضع بيضها في سلة واحدة،حيث ارتكبت خطئاً فاضحا بمغادرتها الأراضي السورية والمحور السوري - الإيراني- حزب الله،والإلتحاق بالمحور القطري- التركي،ومنذ خروجها من سوريا واستدارتها السياسية منقلبة على حلفائها ومن قدموا لها الدعم والعون والمساعدة الفعلية إقامة وحماية وحرية حركة ومالاً وسلاحاً وتدريبا وموقفاً سياسياً...ولتواجه بعد ذلك ازمة اخرى حيث اتضح لها بأن الأسد باق ليس لبضعة اسابيع كما صور لها حلفائها الجدد،بل حتى اقتلاع واجتثاث اخر الجماعات الإرهابية من على الأراضي السورية،الأزمة الأخرى كانت مع تركيا،عندما ضغطت عليها اسرائيل في إطار تطبيع العلاقات بين البلدين،لترحيل عدد من قيادات حماس وفي مقدمتها صالح العاروري في وقت بقيت فيه تركيا تطمئن حماس،بانها لن تطبع علاقاتها مع إسرائيل دون رفع الحصار عن قطاع غزة أو إقامة ميناء عائم يكون نافذة لغزة على العالم الخارجي ..أما بالنسبة لمصر فكانت ازمة كبيرة،بسب وقوف ودعم ومساندة حركة حماس لأبها الروحي حركة الإخوان المسلمين بعد ان اطاح السيسي بنظام مرسي وما زالت تداعيات تلك الأزمة قائمة حتى اليوم،رغم أنه جرت عدة محاولات لتطبيع العلاقات بين الطرفين،ولكن الشك والحذر وحالة عدم الثقة،هو ما يميز علاقات الطرفين....حماس حاولت مد جسور علاقاتها مجدداً مع المحور الإيراني وبالذات ايران وحزب الله قبل الأزمة الحالية التي تواجهها...ولكنها كانت حذرة جداً حيث السعودية المتحالفة معها،قد تتخذ اجراءات عقابية بحقها اذا ما رفعت درجة انفتاحها على ايران ومحورها...
حماس حاولت أن تستبق ما حصل وما يحصل،وحاولت ان تسوق نفسها عالمياً وإقليمياً من خلال إطلاق وثيقتها السياسية،"وثيقة المبادىء والسياسات العامة"،والتي تقبل فيها بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران/1967 بدون الإعتراف بإسرائيل،ولكن تلك الوثيقة لم تمكن حماس من إحداث حالة اختراق جدية في الساحة الدولية،فحجم التنازلات المطلوب تقديمها كبيرة جداً،وحماس حتى اللحظة ليست المؤهلة للقيام بهذا الدور،حيث أن هناك من قطع شوطاً أبعد واوسع في هذا الجانب.
حماس التي واجه حكمها في قطاع غزة تحديات جديدة،ناجمة عن إجراءات قاسية اتخذتها السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس عباس ضدها،تمثلت بخصم 30% من رواتب موظفي السلطة في قطاع غزة،ورفض تسديد اثمان الكهرباء عنها لإسرائيل،من اجل أن تتراجع عن اجراءاتها التي اتخذتها هناك،بتشكيل لجنة إدارية لقطاع غزة،هذه الإجراءات العقابية عمق من أزمة حركة حماس وحكمها في القطاع،حيث الأوضاع والظروف هناك صعبة،قبل مثل هذه الإجراءات العقابية،والناس اغلبها يعتاش على المساعدات والإغاثات الخارجية،وأزمة الكهرباء والبطالة والفقر تهدد بإنفجار الأوضاع ضد حكم حركة حماس.
حماس كانت تسعى جاهدة لترميم علاقاتها مع ايران ،وبالمقابل لا تريد أن تحدث استدارة في موقفها السياسي،تعرضها لغضب السعودية على وجه الخصوص،ولكن اتضح لحماس بعد القمم الثلاثة في الرياض في العشرين من الشهر الماضي،والتي اعتبرت فيها الدول العربية والإسلامية المصطفة خلف أمريكا ،بما فيها أقرب حلفائها قطر وتركيا،حماس حركة إرهابية.
وهذا يعني بأن التسوية التي يجري اعدادها ضمن الإطار الإقليمي للقضية الفلسطينية،سيكون في رأس سلم أولوياتها طرد وملاحقة حماس من البلدان الملتفة والمصطفة خلف الحلف الأمريكي " الناتو" العربي- الإسلامي – الأمريكي...ومما سرع في الخطوة القطرية تجاه حركة حماس،هو تصاعد خلافها مع السعودية والإمارات ومصر على خلفية زيارة وزير خارجيتها محمد عبد الرحمن أل ثاني بعد يومين من قمة الرياض الى بغداد وترتيبه للقاء مع الجنرال الإيراني قاسم سليماني قائد "فيلق القدس" ومن ثم قيام الأمير القطري تميم بن حمد آل ثاني بالإتصال بالرئيس الإيراني مهنئاً بقدوم شهر رمضان ،فإيران التي اعتبرتها قمم الرياض أساس الإرهاب في المنطقة،وزعزعة أسس السلم والإستقرار فيها وتهديد الأمن القومي العربي،ترى فيها قطر واحدة من ركائز ضمان الأمن في المنطقة،وكذلك حركة الإخوان الملسمين،التي ترى فيها الإمارات العربية حركة "إرهابية" ويشاطرها في ذلك مصر والى حد ما السعودية،وحماس كونها ترتبط بعلاقات سياسية وفكرية والى حد ما تنيظيمة،قبل ان تعلن في وثيقتها السياسية الجديدة،بأنها تنظيم فلسطيني إسلامي،ليس له علاقة تنظيمية بحركة الإخوان الملسلمين،هي الأخرى واحدة من القضايا الخلافية بين قطر والمحور او التحالف السعودي- الإماراتي- المصري،والى حد ما حركة حماس،كونها تتماثل فكرياً وسياسياً مع حركة الإخوان المسلمين،المستولدة والمنبثقة حركة حماس عنها.
المسرح الذي يجري إعداده لحل القضية الفلسطينية،وفق الإطار الإقليمي،يشترط طرد حماس وقياداتها العسكرية وكذلك الأمنية التي لها إرتباطات في الضفة الغربية،وواحدة من البلدان المطلوب طرد حماس منها،كمطلب أمريكي- إسرائيلي ،هي قطر على وجه الخصوص.
حتى اللحظة ورغم النفي القطري لمثل هذا الطلب والإستجابة للمطلب الأمريكي- الإسرائيلي،إلا انني على قناعة تامة بانه بعد قمم الرياض الثلاثة،فإن هذا السيناريو جاري العمل على تنفيذه،وبالتالي خيارات حماس ما بعد قطر،ستكون موزعة بين ثلاثة دول ... ستعود الى محور المقاومة من بوابة ايران،حيث بات واضحاً بانها مستهدفة ليس فقط أمريكياً وإسرائيلياً،بل ومن قبل العديد من الدول العربية،وبالذات حواضنها الخليجية،وعودتها الى محور المقاومة من بوابة طهران،يعني بان عليها ان تحدث إستدارة في موقفها السياسي،وهذا الإستدارة ستدفع ثمنها..ولذلك السيناريو المرجح هو تدعيم وتطوير علاقاتها مع طهران،وكذلك ان تنتقل قياداتها السياسية الى تركيا وتونس،بحكم كونها تشكل معاقل لحركة الإخوان المسلمين،وهذه الحركة ترتبط بعلاقات وثيقة مع حماس،فهي توفر لها المكان للتحرك السياسي والجماهيري وإلى حد ما دعم مالي تركي.
في حين يناط بكتائب القسام تدعيم العلاقة مع ايران وحزب الله كمقدمة لفحص إمكانيات ترميم طويل الأمد للعلاقة مع القيادة السورية.
هذه خيارات حماس ما بعد قطر في المرحلة الراهنة،وهي رهن باي تطورات سياسية أو عسكرية قد تحدث في المنطقة،وعلى ضوئها تتحدد وجهة حماس واصطفافها السياسي بشكل نهائي.
بقلم/ راسم عبيدات