الوطنية الفلسطينية ومسألة قطع الرواتب

بقلم: سميح خلف

ثمة ما هو مهم  اكثر من تناول مسألة قطع الرواتب عاطفيا من اثار انسانية ومجتمعية يتم تناولها عاطفيا ، فالمسالة بظاهرتها وارتكازاتها  تخص الوطنية الفلسطينية والمواطنة وعلاقتها بالنظام السياسي والمؤسساتي ان وجد ، والا قد نبتعد كثيرا عن تحليل تلك الظاهرة وكل الظواهر الحالية والتي سبقتها .

عندما قلنا بانه لا يوجد لنا نظام سياسي ولا يوجد برنامج سياسي  ولا سلطات تشريعية ولا قضائية  وتتلخص السلطات التنفيذية  بصلاحياتها في عملية احلال على كل السلطات الثلاث وبذلك تنعدم البرامج  وتتفشى مظاهر الفساد  وظهور فئة المستنفعين من ظاهرة الاستبداد والدكتاتورية التي تفرض نفسها على المنظومة السياسية والامنية والاقتصادية والخدماتية  بظهور دكتاتوريات ثانوية أي الديكتاتوريات الصغيرة التي تأتلف مالحها مع رغبات الدكتاتور الكبير .. هذا هو واقع الحال في الساحة الفلسطينية بشطريها من بقايا الوطن ، فما زال البعض يفسر ظاهرة الانقسام  على انه صراع على السلطة  في حين ان تلك الظاهرة وجدت لتبقى  ولأنها احد  مكونات سيناريو تحطيم البنية الوطنية والاجتماعية والثقافية للشعب الفلسطيني تمشيا مع النمطية الامنية التي تخضع لها المفاهيم السياسية واطروحاتها وليس العكس كأي نظام سياسي .

مسألة قطع الرواتب واختزالها  بحيث طالت الاسرى المحررين  ليست مبنية على ردات فعل للانقسام  بحد ذاته كانقسام بل اتت في اطار مكون سلوكي متدرج  بدأ بإحداث انهيارات في الحركة الوطنية الفلسطينية  وعمودها الفقري فتح حيث تم استهدافها ثقافيا وتعبويا  ومزج الاطر  او خلطها بمكونات خالية من التجربة والكفاءة وتمثيلها في الاطر الحركية والمؤسسات العليا لها ،  وعمليات الفصل والتشويه والعزل التنظيمي الجغرافي  لقادة وكوادر وعناصر وعجلة اعلامية مشوه  ولان فتح تعتبر  هي القادرة على جمع اكبر حاضنة شعبية لها وبالتالي تم تفتيت قدرات حاضنة فتح بين  من سمو انفسهم حماة الشرعية والاصلاحيون التي طالتهم يد  الاستهداف  فيما بعد بقطع رواتبهم وفصلهم وغيره من عمليات سيكولوجية اثرت على البنية الاجتماعية لألاف الاسر وهو الهدف المطلوب تحقيقه .

تلى ذلك استهداف فصائل وطنية لها تاريخها  في الحركة الوطنية الفلسطينية  لضرب وحدتها داخليا ومحاصرتها ماليا وتصنيف من هو موالي وغير موالي حتى في اعضاء مكاتبها السياسية ، واذكر هنا رد السيد عباس على خالة جرار عندما قالت له نحن الفصيل الثاني في منظمة التحرر فرد عليها قائل الفصيل الثاني "" حزب فدا ""..؟؟!! ولا نفهم هنا ما هو التاريخ النضالي لفدا  الذي يفوق تاريخ الجبهة الشعبية ... مع احترامي لهذا الحزب الجديد الناشئ.

من المهم ان نقول ان تعزيز قدرات الاجهزة الامنية  والعناية بها  على حساب التنظيم وعلى حساب فتح بشكل عام بل استهداف للحركة الوطنية وفي مقدمتها فتح من قبل تلك الاجهزة  وضرب التنظيم في المخيمات  وعمليات تسطيح جوهره وشكله  يعكس المهمة والاستهداف لكل الحركة الوطنية والنسيج الاجتماعي  فالسياسة في جوهرها وبرنامجها يعتمد على القدرات الامنية وتصنيفاتها  وعمليات الفرز التي تقوم بها انصياعا لالتزامات امنية تنسيقية مع الاحتلال .

اذا من الظواهر السابقة ومن حيث الترتيب  لم تجد تلك السلوكيات قوى رادعة  تغير حسابات السيد عباس  ولذلك استمر في تنفيذ السيناريو والبرنامج  في تصاعد تخريبي  حيث اصبح الان يطال رمزية الاسرى عمقا وشكلا ومظهرا  ومدلولاتهم بالنسبة للحركة الوطنية والثورة والكفاح المسلح ، وقد نستطيع القول ان أي اطروحات للحلول السياسية الان هي حلول امنية وليست وطنية  ومن هذا التبويب لنرجع الى ما قالته كونداليزا رايس حينما قالت ... لا نريد من الفلسطينيين ديموقراطية في أي عملية سلمية قادمة بل نريد اجهزة امنية ورئيس يستطيع ان يسيطر ويفرض الحل على الواقع .

من هنا السيد عباس ماض في تدمير البنية الوطنية والنسيج الاجتماعي الفلسطيني والثقافي ... لتطبيق ما هو غير مرغوب للشعب الفلسطيني وبالتجديد بإضعافه وهدم قواه الحية .... فعندها الميت لا يستطيع ولا يقوى على الصراخ ...

سميح خلف