الذكرى الستين لمجزرة صندلة ..!

بقلم: شاكر فريد حسن

تحل في هذه الأيام الذكرى الستين لمجزرة صندلة الواقعة في مرج ابن عامر ، التي حدثت في السابع عشر من ايلول الأسود عام ١٩٥٧، ابان الحكم العسكري البغيض ، وبعد انتهاء wالدوام المدرسي الأخير في حياة خمسة عشر طفلاً في عمر الورود ، حيث اصطدم التلاميذ الاطفال بجسم غريب على قارعة الطريق الترابي الذي مروا فيه مرات ومرات ، فتحول الى جحيم ، بعد أن تمرقت اجسادهم ارباً ارباً ، وتطايرت الأشلاء ة وتبعثرت ، واختلطت الدماء بتراب مرج ابن عامر ليزيد قدسية في قدسية .

وكانت مجزرة رهيبة ودامية اقشعرت لها الابدان ، وهزت مشاعر أهالي صندلة والجماهير العربية الفلسطينية في البلاد وذوي الشهداء الذين راحوا يرقصون بصورة هستيرية من هول ما شاهدوا من اشلاء متطايرة ، ومن شدة التأثر .

ورغم مرور ٦ عقود على هذه المجزرة الأليمة الا أن الضمير العالمي في نوم عميق كأهل الكهف ، وكأنه لم يحدث شيئاً ، ولم تشكل لجنة تحقيق آنذاك لبحث ظروف وملابسات المجزرة ، ولكن أهالي صندلة لم ولن ينسوا ولن يغفروا للمسؤولين عن الجريمة النكراء وهي حكومة العدوان والاحتلال ، ولا تزال الدماء التي تخضبت بالثرى الفلسطيني الطاهر لم بجف بعد ، وما زال هول المأساة والكارثة الانسانية ، ومنظر اشلاء جثث الاطفال عالقة في وجدانهم وذاكرتهم ، وهم حتى الآن يطالبون السلطات باقامة لجنة تحقيق نزيهة ومحايدة في ملابسات هذه المجزرة التي ستظل تلاحق المسؤولين عنها الى الأبد  ، الذين اكتفوا في حينه باصدار بيان قالوا فيه انه القضاء والقدر .

وغداة هذه المجزرة المؤلمة فاضت روح شاعرنا الفلسطيني الشهيد راشد حسين برائعته " الغلة الحمراء " ، فابدع في تصوير هذه الفاجعة والكارثة وهول المجزرة ، وفي وصف الضحايا ، وتجسيم المأساة ، واشاعة الحزن والمرارة واللوعة والاسى على البراعم الطاهرة التي راحت ضحية تلك القنابل الغاشمة الغادرة ، وتجلت  فيها انسانيته ، فيقول :

مرج ابن عامر هل لديك سنابل ؟

                 أم فيك من زرع الحروب قنابل ؟

أم حينما عز النبات صنعت من

                 لحم الطفولة غلة تتمايل ؟

يا مرج قل لي هل ترابك سامع ؟

               أم انت عن صوت الملامة ذاهل ؟

مرج ابن عامر انت ما عودتنا

               جهلاً فما لك بعد حلمك جاهل ؟

بالأمس أبكيت الجباه فدمعها

            عرق الى أضلاع صدرك سائل

واليوم أبكيت القلوب فما عصى

            دمع ولكن القلوب تسائل :

هل بعد أن كنا نلم غمورنا

          وعلى الشفاه تبسم وتفاؤل

نأتي نلملم عن ثراك لحومنا

          وكأننا كنا عليك تقاتل ؟

أبناؤنا من طين صدرك لحمهم

          فالوجه مثلك إسمر متفائل

الى أن يقول مختتماً قصيدته المؤثرة :

يا اخوتي حضن الامومة بيتكم

           واليوم أحضان التراب منازل

يا غلة حمراء كنت براعماً

            خضراء ... فيها للشباب دلائل

يا قصة ما أكملت فكأنما

            مات المؤلف قبلما تتكامل

إيجيد هذا الشعر حق رثائكم

            أم أن قول الشعر وهم باطل ؟

بينما سيد القصيدة الشاعر الراحل محمود درويش فكرم واستحضر شهداء المجزرة في قصيدته " لاعب النرد " التي كتبها قبيل وفاته ، ويقول فيها :

لو أن خمسة عشر شهيدا

أعادوا بناء المتاريس

لو أن ذاك المكان الزراعي لم ينكسر

ربما صرت زيتونة

أو معلم جغرافيا

أو خبيراً بمملكة النمل

أو حارساً للصدى

وتبقى هاتان القصيدتان شاهدتان على الجرح الفلسطيني الذي نزف ولا يزال برصاص المحتل ، وعلى آثار هذه المجزرة البشعة ، التي ستظل وصمة عار في جبين حكومة العدوان والعنصرية ، وستبقى ذكراها  في صدورنا وقلوبنا ، وفي سفر الكفاح الفلسطيني الطويل ،وتاريخ المجازر التي اقترفت بحق شعبنا ، وما أكثرها .

 

شاكر فريد حسن