نجاة تصر فواز طائر مغرد يغني بكل الألوان في سماء الجليل ..!!

بقلم: شاكر فريد حسن

نجاة نصر فواز من الأصوات الشعرية المضيئة الهادئة المتميزة في دوحة الشعر ، فهي طائر  يفرد جناحيه ويغرد بكل الألوان ،تعزف الالحان الجميلة على قيثارة الحب والوطن ،وهي ناشطة ثقافية تشارك في الانشطة والفعاليات الأدبية والثقافية والوطنية والسياسية هنا في الداخل والمناطق الفلسطينية المحتلة .

نجاة نصر فواز سنديانة جليلية جذعها في السماء وجذورها تضرب في اعماق الارض الفلسطينية ، مسكونة بالهم والوجع الفلسطيني ، وهي ذات حس انساني ووطني مرهف ، تحلق في فضاءات الابداع ، تجدد  في القلوب نبضاتها ، وتزرع الازهار في حدائق الروح وحقول الوطن ، تحمل في ثنايا نصها المها ووجعها وقلقها الانساتي الوجودي الحضاري ، وتبوح بمشاعرها وأحاسيسها الوطنية ومعاناتها الذاتية كفلسطينية وامرأة تعيش في مجتمع تقليدي وذكوري .

نجاة نصر فواز من بلدة عيلبون الجليلية ، خاضت غمار الكلىة ، ونشرت نتاجها الشعري ومساهماتها الأدبية في صحيفة " الاتحاد " العريقة ، وفي العديد من المواقع الالكترونية ، ورغم غزارة عطائها وعشرات القصائد الا انها لم تطبع اي ديوان حتى الآن .

تنحاز نجاة نصر فواز للكلمة الملتزمةًالنظيفة ، والمعاني المدهشة ، والصور الجميلة الجديدة المبتكرة ، والاسلوب التعبيري التصويري السلس الذي يتغجر كالينابيع من باطن الارض ، وتناجي وطنها / المعادل الموضوعي للحبيب مثلما تناجي الياسمين الجليلي .

في نصوصها تتبادل نجاة المشاعر والاحاسيس التي تشكل المساحة الكلية لعالم الأنثى ، وتتدفق ما في اعماقها من عواصف اللهفة واضطرام المشاعر الصادقة ، فتعتكف في محراب العشق المزنر بالجمال الممتلىء باللغة الشاعرية الراقية ، وكثيراً ما يقطر الحب بالدموع وينتهي بالأحزان .

نجاة نصر فواز عودتنا في كل مساء ومع انبلاج الفجر وطلوع الشمس ان تفيض روحها بالجمال فتنثال شعراً حسياً ووجدانياً وبرقيات دافنة سريعة بنسمات ربيعية مع قطرات الندى وفنجان قهوة الصباح وصوت فيروز الملائكي السحري وهو يحاكي ويناغي النجوم والكواكب السماوية .

ان المتأمل والسابح عميقاً في النص النجاتي يرى مسحات ولمسات شاعرية من حيث التراكيب والصور والايحاءات والبوح والمكاشفة ، والاسلوب الشعري الناعم الشفاف المنساب لديها يعكس عذابات شاعرة حنينية يغمر قلبها حب الجليل وفلسطين ، ولا تكتفي بالنص الشعري بل تلجأ الى الترسيم بحبر القلب وريشة الوجدان ، تقول نجاة في قصيدة لها بعنوان " كن وطني " :

مشيت وظلي لساعات ...

كنت انت اقرب لي منه

كنت تشبه ملامح قلبي

تلعثمت حروفي ...

سكتتت كلماتي ...

أنت معي ...

أنت وطني ...

لم يكن عندي وطناً ...

لم يكن عندي لوحة ...

اليوم سأعيد كتابة قصيدة

لا مكان لحزن بها

قصاند نجاة نصر فواز متسارعة الايجاز ، تسارع ينم عن قدرة فنية عالية وعن قدرة على التكثيف غير متوفرة لكثيرين من اصحاب القلم ، في عبارات شعرية موجزة وخاطفة ، وفي ابيات بالغة الجمال الفني ، مشفوعة بوثبة لعشق الحياة ومباهجها لا تحدها حدود .

نجاة نصر فواز تمتلك ناصية اللغة ، وتكتب الشعر الملتصق بالوطن ، وترسم ملامحه وحدوده وخريطته بالكلمة ، بما تحمله من معان وحروف لظى ومضطرمة  ممزوجة  بمشاعر وطنية جياشة حرى من اجل شعب فلسطين الظامئ للحرية ، التواق للاستقلال .

وحالة البريق والوميض الشعري لديها تشبه حالة المخاض ، ولكن الآلام عذبة ورقيقة لا تستطيع ان تتحكم بالمولود وبلون عينيه وتفاصيل وجهه ، وهي تعلم فجأة انه سيأتي وتنتظر كهبة من السماء . وهذه الحالة الشعرية الالهامية الايحائية ملونة مرة وبيضاء صافية مرة أخرى ، تجعلنا محلقة مرة ثانية تذوب في نفسها ، ولكن بالتأكيد لحظة سعيدة عندما تكتمل القصيدة بتلاق مع الوعي لغة وموسيقى وصوراً وتراكيب ، وتكون النشوة حين يكون  البناء الشعري والفني كاملاً ومهندساً بشكل سليم ، فتتنفس روحها وتنتعش عندما تتعمشق وتعتلي عرش وصهوة القصيدة .

نجاة نصر فواز تعيش قصيدتها بكل حالاتها وبجميع فصولها النازعة ، انها عوالم لا يدرك كنهها سوى القليل ، ولو خيرت بين عالمها وبين عالم القصيدة لاختارت عالم القصيدة السحري ، الذي تتوحد معه بشفافية واحساس تلقائي عفوي ، وجمال البريق يأخذها بعيداً عن ذاتها وتبقى مشدودة الى القمر ، فالقصيدة دمعة تتمرغ في داخلنا واعماقنا لتأخذ أجمل ما فينا .

قصيدة نجاة نصر فواز هي بوح ذاتي ، تلجأ فيها الى البساطة والعفوية والوضوح في التعبير باسلوب سلس ورشيق بعيداً عن التعقيد والابهام والغموض دون اغفال الصورة الفنية التي تجيء كعملية استبصار ذاتي ضمن النموذج الانساني المحسوس الملموس من الاشياء ، واليكم هذا النص كنموذج لابداعاتها الشعرية الذي اختارت له العنوان " آذار احوال البلاد " حيث تقول :

آذار يمد يده لثدي الارض

الارض أكثر الاناث غنجاً ،

تقهقه لذكور آذار

تهزها بقدمها الخلخال

وتراقص القمر

تقبل الشمس

ثم ترتدي التراب اخضراراً

تتزين بشقائق النعمان

وتمضي لسهرتها الطويلة

مع حبيبها العاشق

الأرض مثلي عاشقة

تفرش شعرها

قصيدة للثوار

وتحتضن حكايتهم رصاصة

الارض سيدة ذاتها

ملكة الفضاء

قبلة الله فوق جبين الزمان

كلما باح العشاق للبحر باسرارهم

ضحكت بسرها من شقائهم

وأخذتهم لصدرها أغنية

الارض غواية

توقع الارض بحبها

وتلوذ خلف معبدها

لتصل لآلهة الحب

أن تبقيها سيدة العاشقات

" الأرض سيدة العاشقات "

تعلنها آلهة الحب

وتمنحها الصولجان

خذوا قلوبكم

واذهبوا لمعبد عشاقاً لها

نجاة نصر فواز استطاعت القبض على جمر القصيدة ، وهي تأتي بصور مكثفة ولغة شعرية مباغتة تنم عن نضوج شعري ونزوع انساني لتوقع الدهشة في النفس ، وسرعان ما تلمع مثل وميض فتختفي عن الانظار وتترك القارئ في حالة انبهار منتزعة .

أشعار نجاة نصر فواز لصيقة بالوجدان والوجود ، انهاعصارة قلب ونبضات حياة ودفقات دافئة تعشب الشرايين والاوردة ، فيورق الحرف سنابل قمح وازاهير ياسمين ونعناع يفوح عبيرها ويتضوع عطرها عبر الذات ، في حالة من التجلي والانفعال والدفق الوجداني العاطفي .

تتميز قصيدة نجاة نصر فواز بخصائص وجماليات تتمثل في الصورة والتخييل وتوهج اللفظ وشفافيتة وحرارة التجربة والرؤى المكثفة والانسيابية والتحرر اللفظي والتركيبي والدلالات العميقة وفضاءات التأويل والتحليل والعلامات التي تسبق جسد النص كاشارات دالة مستفزة .

والمتابع لمنجز نجاة نصر فواز الشعري لا بد ان يقف على ميزة خاصة وهامة تتمثل في وضوح رؤيتها وتماسكها وثراء تجربتها الوجدانية التي تزخر بالحياة وما يحيط بها ، فهي ترسم تفاصيل حياتها الشعورية الباطنية والعلنية وتتجاوزها الى المدى الذي تتنفس الهواء ومنه تغزل وتنسج كلمات قصيدتها المعبأة بالفراشات ، التي تتوغل في خفايا الذات والنفس الانسانية .

ويمكن القول ان القصيدة التي تكتبها نجاة نصر فواز باحساسها تمتاز بالبوح الصادق الذي ينزف الماً حينا ، وحباً وفرحاً حيناً آخر ، وفي كل الاحوال تغرق حروفها بالمشاعر والاحاسيس المتوهجة المتوثبة ، المحتشدة بالمدهش ، التي تأخذنا نحو عوالمها وعمقها الداخلي .

نجاة نصر فواز تحاكي الوطن ، تناجي الحبيب ، تشتاق اليه ، تعانق روحه، تهتف للانسان الفلسطيني المعذب ، تنشد لأم الشهيد ، تصور المعاناة والمكابدة والجرح الفلسطيني النازف ، وتبث الأمل والتفاؤل وتستشرف المستقبل والغد الاجمل ، رغم صعوبة المرحلة ووعورة الدرب ، وبالرغم من الانتكاسات والانكسارات والهزائم المتلاحقة ، وتنحاز للعمال والفلاحين وفقراء الشعب وبسطاء الناس والمستضعفين في الارض .

ان التصوير والتأمل والتساؤلات والبوح الشفاف وجماليات الصورة والمبنى العام ، هي الأشد بروزاً ووضوحاً في قصيدة نجاة نصر فواز ، وتمزج  في عناوينها عوالم عدة لغوية وبلاغية وفكرية وسياسية ووجدانية ، تمنحها خصوصيتها وتفردها وبهاءها ودفئها .

قصيدة نجاة نصر فواز فيها عشق ودفء ووله بالجمال والطبيعة ، فضلا عن الاحساس العفوي غير المتكلف ، لا نقرأ حروفاً وكلمات ، وانما فلذات كبد ونبضات قلب وهتافات روح ونجاوى حب واشواق حرى لاهبة ، وتأمل شجي في كنه الوطن ومحاولة سبر اغواره ومعانقة همومه .

وهي تحرص كل الحرص على الكلمة الدافئة والصورة المشرقة البديعة الخلابة ، ولعل الملمح الرومانسي الغنائي الذي يتوزع على نصوصها وعناوينها بلا حصر ، حيث تطغى الغنائية عليها ، وتهبها قرباً من القلب والروح حتى نكاد نحس انها كتبت بدم القلب لا بمداد اليراع .

نجاة نصر فواز انك تتألقين في كل نص جديد لك ، وفي كل برقياتك الفيسبوكية وهمساتك الرقيقة ، فتابعي المسيرة نحو قمة المجد والشهرة عن استحقاق وجدارة ، وكما قلت لك يوماً وقبل سنوات طوال اكتبي يا نجاة ..!

لك خالص التحية ودفء القلب ، ومزيداً من الابداع والعطاء الشعري والادبي المتجدد .

بقلم/ شاكر حسن