تعيش مجتمعاتنا وشعوبنا العربية وضعاً نوعياً غير مسبوق ، ويزدحم الواقع العربي بالصراعات الطائفية والمذهبية والعشائرية والقبلية ، عدا عن انتشار الفكر الظلامي الوهابي التكفيري ، الذي بات يهدد ويضرب هذه المجتمعات .
وما من شك أن الردة الساداتية كان لها الآثار السلبية المدمرة على كل العالم العربي ، من تعمق الاقليمية وازدهار الحركات الرجعية والظلامية المتلبسة بالزي والغطاء الديني ، والدين منها براء ، فضلاً عن التفكك والتشرذم في دنيا العرب .
ولا يخفى على احد ان التعصب اهرق الكثير من انهر الدم ، بل هو الذي ادى الى معظم الحروب والاضطرابات الداخلية والاقتتال الاهلي ، وغياب السلم المجتمعي ، وما زال يثير بين البشر الضغائن والاحقاد .
ويتمازج الصراع الطبقي - الاجتماعي مع الصراع القومي ، وما سمي ب" ثورات الربيع العربي " ، لم يكن ثورات بالمعنى الحقيقي للثورة ، انها اعمال احتجاجية وانتفاضات شعبية عفوية وصرخات غضب جماهيرية ، لم تحقق أحلامها وطموحاتها في احداث التغيير والاصلاحات والحرية والديمقراطية وحياة الرخاء والرفاهية .
ولذلك فمن المحتم أن تكون الثورة العربية القادمة ، ولا محالة فسوف تقوم عاجلاً ام آجلاً ، ذات ابعاد اجتماعية تقدمية اعمق من مظاهر التمرد والغضب الشعبي المتأجج في الصدور ، هدفها الاصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي ، وتغيير ظروف واوضاع حياة الناس من أبناء الطبقات الشعبية الكادحة الفقيرة المسحوقة المعذبة .
واذا كان تغيرت انظمة الحكم في تونس ومصر وليبيا ، لكن لم تكن بمستوى الطموح الجماهيري ، ولم تتحقق اهداف الانتفاضات الشعبية ، ولم يتحقق حلم الجماهير والنخب والحركات والقوى الوطنية والتقدمية والتقدمية بالتغيير المرتجى والمأمول ، بل أن الاوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية تزداد سوءاً يوماً بعد يوم ، والانظمة السياسية الجديدة تخدم ان شاءت ام ابت الاجندة الامريكية في المنطقة ، ومنخرطة في المشروع الامبريالي الصهيوني ، الرامي الى تدمير وتمزيق وتقسيم الوطن العربي ، وتعميق الفتنة المذهبية ونشر القكر الطائفي ، ليظل وطناً مأزوماً تتآكله الانقسامات والصراعات القبلية والعشائرية والاقليمية .
ان العالم العربي الآن على أبواب ومشارف عصر جديد ، وامام فرصة حقيقية شاملة لتشكل انظمة عربية ديمقراطية تستند الى ارادة الجماهير ، والاسهام الفعال في مساندة التغيير نحو الأفضل والأجمل لتحقيق الاهداف والطموحات والاحلام الوطنية والثورية في تصفية كل مظاهر التخلف والأمية والقهر والتسلط والاستبداد والفساد السياسي ، على طريق الحرية والكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، واحداث التغيير ، واجراء الاصلاحات الدستورية وانجاز بناء وانشاء الدولة المدنية ، التي تترسخ فيها المواطنة .
ولتحقيق ذلك نحتاج الى الفكر المقاوم وثقافة التنوير والاستنارة الفكرية في مواجهة كل اشكال والوان التعصب والتطرف الديني وممارسات التيارات والاتجاهات الظلامية التكفيرية للوصول الى الرقي والحلم المنشود ومواكبة التطور والتقدم في جميع مجالات الحياة .
بقلم : شاكر فريد حسن