هي معلمة سابقة للغة الانجليزية وممرضة في مستشفى شننايدر للاطفال حالياً ، ومثقفة عميقة ، وقارئة مثابرة ، ورغم انشغالاتها لم تترك هذه الهواية المحببة لها ولن تتخلى عنها ، ومعجبة بكتابات واعمال محمد مهدي الجواهري ومحمود درويش واحمد حسين واحلام مستغانمي واحمد مراد ، ومتأثرة كغيرها بشاعر المرأة نزار قباني .
وهي انسانة مرهفة وبشوشة لا تفارق الابتسامة محياها ، تهوى الحرف ، وتعشق الكلمة ، وشغوفة بالكتابة الابداعية ، رغم انها تعتقد وترى ان الكتابة هي انتحار في ايامنا هذه لندرة القراء والمهتمين بالثقافة ..!
دخلت فيروز مملكة الشعر حين كانت على مقاعد الدراسة الابتدائية ، ولكنها لم تنشر كتاباتها لانها تشعر بانها حينئذ ستعلق مشاعرها على الحبال امام الجميع ، وتصر ان لا تطلق على نفسها شاعرة او ناثرة ، وانما نافثة لافكارها واحاسيسها ونبضات قلبها وكل ما تشعر فيه في دواخلها ، فالشعر في نظرها بحر واسع ، ولقب شاعر مسؤولية كبرى ولم يستحقه الا القلبل ممن يكتبون ويدبجون قصائدهم ، وغايتها من الكتابة ليس الشهرة الزائفة ولا التزاحم على المنصات والركوض خلف الكاميرات فالشعر بالنسبة لها حباة وملجأ في كل الاوقات للتنفيس عما يختلج في صدرها وما يؤرقها ، وهي بطبيعتها بشوشة ومبتسمة ، ولا تطهر الا بوجه واحد مبتسماً وباشاً ، ولكن في الوقت نفسه فلكل واحد سراديبه الداخلية التي تلد الضوء احياناعلى شكل كلمات كما تقول .
انها ابنة " مصمص " بلد الادب والثقافة والوعي المتنور المسيس ، وابنة زلفة سابقاً ، المعلمة والممرضة والموهبة الادبية المتدفقة شعراً وحباً وأملاً ودفئاً انسانياً وتبضاً ، فيروز ذياب ابو شتيه اغبارية ، التي جاءت الى الحياة في الثامن من تشرين الأول العام ١٩٨٦ونهضت من. ربى وثرى قرية زلفة من قرى طلعة عارة ، البلدة الهادئة الوادعة الساكنة في مرج ابن عامر ، حيث الهواء والنسيم العليل والطبيعة الخلابة واشجار اللوز التي تحيطها من كل جانب .
امها مدرسة للغة العربية اسقتها اللغة مع حليبها بكأس من عروبة ، ووالدها رجل مكافح وعصامي ورجل اعمال ناجح لا تفارقه الابتسامة ايضاً ، انهت دراستها الابتدائية في مدرسة قريتها ثم انتقلت الى مدرسة خديجة الثانوية للبنات في ام الفحم التي تخرجت منها ، وكانت رئيساً لمجلس الطالبات ، والقت كلمة الخريجات في احتفال الوداع والتخريج ، بعد ذلك التحقت بكلية القاسمي في باقة الغربية ودرست موضوع اللغة الانجليزية ، وبعد تخرجها من الكلية عملت لمدة عامين في مدارس الجنوب بالنقب ، ثم جالت كل مدارس وادي عارة كمعلمة بديلة ، وبعدها بدأت رحلة تحقيق الحلم بأن تصبح ممرضة فالتحقت بكلية التمريض التابعة لمستشفى هليل يافه في الخضيرة ، ودرست لمدة سنتين ونصف ونجحت بتفوق ، وتعمل الأن في قسم العناية المركزة والمكثفة وقسم الخدج في مستشفى شنايدر بيتح تكفا .
وكانت فيروز حصلت في العام الماضي على جائزة افضل معلمة للغة الانجليزية ، وكمعلمة متميزة في وحدة النهوض بالشبيبة هيلة ، وكتبت آنذاك على صفحتها الفيسبوكية تقول :
" ان هذا الانجاز الذي كان حلماً وبالاصرار والعمل تجسد على الارض واقعاً ، وما زال ينمو ويكبر كشجرة ارز تتوقف للمس السماء يتبلور بصورته البهية باختياري كمعلمة متميزة في وحدة النهوض بالشبيبة هيله ، حيث أن الارادة الذاتية والتصميم والتركيز على الهدف لا بد أن يلد نجاحاً ، وفقني الله واياكم ، وقدماً نحو التفوق والتميز وتحقيق الاحلام التي تبدأ فقط بخطوة وابتسامة ردعاء .
وتنهي قائلة : " زملائي تحية لكم وشكر من القلب لكل من ترك بصمة ايجابية قي حياتي لكل دعم وسند لكل روح ملؤها العطاء ، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون .. !!
انكبت فيروز منذ صغرها على القراءة والمطالعة والكتابة ، وكانت اول تجربة كتابية لها وهي في الصف الخامس الابتدائي ، وهي خاطرة جميلة لا تزال تختزنها في داكرتها التي لا تنسى شيئاً ، وهي بعنوان " معلمي " ، تقول فيها :
" قالت لي أمي وأنا طفلة معلمك كبير ليس له ما في الدنيا مثيل ، في عقله ماله نظير واما قلبه فملجأ أمين وانفاسه مسك وعبير . باختصار قالت هو بطل من ابطال الأساطير ليس له في الدنيا مثيل .
وتضيف : " سئمت الانتظار وقضيت الليل ادعو الواحد القهار أن تمضي ايامي على عجل ، فكلما نظرت الى عقارب الساعة اثارت بنفسي الضجر لانها بطيئة ، وانا اريد ان أرى الكبير الكبير الذي ليس له في الدنيا مثيل .
حلمت به كثيراً ورأيته مراراً ، يحولني من صغيرة الى كبيرة ، بين يوم وليلة ، يزرع دربي سنابل أمل يسقي روحي بحب العمل ، ينير ليلي بألوان قوس قزح ، يمحو حزني فأغفو في مرح .
كيف لا فأمي قالت ان معلمي كبير كبير وليس له في الدنيا مثيل .
واخيراً جاء اليوم والتقيت معلمي ، ولم يمض عام حتى خاب أملي حين رأيته كالبركان يثور يقذف باتجاهنا حمم تجرح الشعور .
عاتبت أمي في سري وقلت نعم معلمي كبير كبير ، ولكن له في الدنيا الف الف مثيل ..!
فيروز ذياب أبو شتيه اغبارية تكتب الخاطرة والقصيدة ، وهي تكتب لتنقذ حياتها من الانتحار ، وستبقى تكتب لانها لا تتقن ، ولا تعشق شيئاً آخر ، الى ان تشرق الشمس حارة كالاحتراق ، ولا شيء يجعلها برداً وسلاماً سوى الفيروز في عينيها .
وكانت فيروز عرضت كتاباتها ونصوصها على المرحوم الشاعر احمد حسين ، وابدى اعجابه فيها وقال لها ان كتاباتك افضل بكثير ممن يكتب وينشر لادعياء الشعر والأدب ، وكان رحمه الله نادراً ما تعجبه كتابات شعرية محلية ، وعرف عنه صرامته ولم يكن يجامل احداً على حساب القصيدة .
فيروز ذياب تحلق في الاقاصي لتأثيث عوالم بعيدة ، تبحث عن ممرات دلالية صورية وسجعبة بلاغية روحية لعالمها الابداعي اللامحدود ، حالمة بولادة جديدة في رحم نصها ، الذي يغدو مرتعشاً في يدها زئبقياً شفيف المرايا الى حد الكسر والجرح في الروح .
تقول فيروز في احد مقطوعاتها النصية الجميلة التي تطرب القلب وتمس الوجدان :
سليل كوثر الفردوس يا بردى
يا ولياً بمحراب الأنهر انفردا
كم ناهل لدنك تخاله معتكفاً
كناسك دون الصلاة قد سجدا
حري بكل طهر الأرض رافده
افرأيتم نهراً بالنجيع قد رفدا
تخصب منه النمير فوا عجبا
كأنما المرجان في قاعه رفدا
يا أبا الأنهر جمعاء لا تهن
فما وقب ليل الا وفجره ولدا
تتنوع الكتابات الفيروزية في موضوعاتها وموتيفاتها ومضامينها ، ولوحاتها الشعرية متنوعة ، فمن كل قطر أغنية ، وقد غنت للحب ، وناجت الحبيب ، وكتبت عن الحنين والطبيعة والبحر والوطن والجمال والمرأة ، وهي ترى في الحب كلمة شاملة لمشاعر واحاسيس واحلام وردية ، لكنه في ارض الواقع بات ضئيلاً ونادراً ، وهنالك من يحب بعطاء وسخاء ، وثمة من يزينون خواتم خناجرهم تحت مسمى " الحب " ولذلك تستهويها كلمة " المحبة " لانها اشمل ، وتضم كتاباتها الحسية كلا الطرفين (الحب والمحبة) ، وفي قلبها مكان يتسع العالم كله .
فيروز ذياب أبو شتيه اغبارية تتصف بحس شاعري دافئ ، وعقل متوثب ، وروح متوقدة ، وذكاء خارق ، وذاكرة حية لا تنسى .
تشربت القيم والفضائل ، ونقاء الكلمة وجمال الروح مع حليب امها ، وادركت في جيل مبكر معنى الحرية ، وعرفت حدودها وخطوطها الحمراء ، وتسلحت بوعي ثقافي وحس ادبي وفكر تنوري اشراقي ، وهي صوت صارخ ومجلجل في البرية دفاعاً عن الحق ورسالة الحياة وحق التعبير عن الرأي والموقف الاجتماعي .
ما يميز الكنابة الفيروزية جذوة الاحساس ودفء المشاعر ، وحرارة العاطفة ، وهي متمكنة من اللغة ولديها ثراء لغوي وبياني ، وبارعة في انتقاء واختيار الكلمات التي تشي بروحها الدافئة ، وتملك موهبة وطاقة ابداعية وزخم شعوري ، وخواطرها الوجدانية الشعرية والنثرية تجيء تعبيراً صادقاً وعفوياً، وفيها افكار واحاسيس وتطلعات ، خصوصاً بعد ان انصهرت في واقع الناس ، وعاشت قضايا المجتمع ، ولذلك جاءت نصوصها من صميم المعاناة والمكابدة الذاتية ، وحقيقة الموت والحياة ، وتميل الى الرومانسية والرومنطيقية ، وتنبض بالحياة ، وتجسد الاحساس العميق بجمال الطبيعة ، وجماليات الدفء الانساني .
انها لوحات فيروزية زاخرة بالاضاءات الفياضة واللمسات الحيوية والايحاءات العميقة والخيال الرحب ، فلنصغي لها وهي تقول :
احب الناس من ناء ودان
واسعد بالجمال وبالحنان
وابدو بالبشاشة لا ارائي
بوجه ظل محدود الاماني
فالمح ها هنا شخصا سعيدا
واخر ان انياب الزمان
احب الناس من قلبي وربي
لذا فالحقد مجهول المكان
فان كانت حياتي في صراع
فليس يفت في عضدي زماني
سبيلي ان اسير بلا توان
وابقى في سجال العنفوان
فيا ظمئان هاك الماء صبا
شرابا سائغا مليء الدنان
فقد وافيت قلبا مطمئنا
يناجي الله في ارقى معاني
فيروز ذياب تنقلنا عبر خطوط لوحاتها الشعرية وخواطرها النثرية الى أجواء يثار فيها العقل بالنشوة الطافحة ، ويجمح الخيال الى ماء وراء المتناهي ، وفي الاذن وقع كمثل سمفونية غامضة الحركات ، تختلط فيها الحركة المعنوية بالحركة اللفظية .
ان محاولات وتجارب فيروز ، التي تمكنت من الاطلاع على الكثير منها ، بلغت نضجاً وتكاملاً تجليا في مضمونها وبنائها الفني ، والسؤال المطروح ؛ هل تطلق فيروز ذياب ابوشتيه اغبارية سراح قصائدها وخواطرها من " الزنزانة "الى الفضاء الواسع والعالم الافتراضي ..؟؟!!
بقلم/ شاكر حسن