هناك من يزعجهم الفرح ...

بقلم: عبد الرحيم محمود جاموس

لا يختلف عاقلان على أن المصالحة الفلسطينية، تمثل مصلحة وطنية فلسطينية، كما تمثل مصلحة أمن قومي عربي بإمتياز، ولذا تحقيقها وإنجازها على أرض الواقع لابد أن يمثل لحظة فرح فلسطينية وعربية، وما شهده قطاع غزة بالأمس من إستقبال جماهيري حاشد وعفوي للحكومة الفلسطينية برئاسة رامي الحمدالله يعبر عن لحظة فرح صادقة ليس من أهلنا في قطاع غزة فقط بل من عموم الشعب الفلسطيني في الوطن وفي الخارج على السواء، لما تمثله من لحظة تاريخية نأمل ويأمل الجميع أن تطوي خلفها السنوات العجاف للإنقلاب والإنقسام الذي لم يستفد منه سوى أعداء الشعب الفلسطيني والمستثمرين في دماءه ومعاناته دون شفقة أو رحمة وإن تباكوا على هذه الدماء، تجدهم اليوم في صف المشككين في جدية هذه المصالحة غيظا وحسدا، ويستحضرون نظرية المؤامرة لإغتيال هذه اللحظة التاريخية وما تمثله من فرح عم كل البيوت الفلسطينية في غزة وغيرها، هذا اللقاء والحراك الأخوي الذي شهدته غزة بالأمس يفند كل نظريات المؤامرة، ويسقط كل هواجس التشكيك بأن يكون التلاقي وإستعادة الوحدة الوطنية السلطوية والإجتماعية والسياسية للشعب الفلسطيني تكمن خلفها مؤامرة تصفوية للقضية الفلسطينية كما يزعمون وأن ذلك مقدمة لتنفيذ صفقة القرن التي يبشر بها الرئيس ترامب والتي لم تعرف حدودها ولا آفاقها لغاية الآن، ولم تفصح الإدارة الأمريكية عنها سوى تأكيدها على أنها جادة في عمل شيء جدي وملموس من أجل إنهاء الصراع العربي الفلسطيني الإسرائيلي وهو ما نتمناه ونعمل لأجله إذا ما حقق التطلعات العربية والفلسطينية في إنهاء الإحتلال للأراضي المحتلة للعام 1967م وفق قرارات الأمم المتحدة ومبادرة السلام العربية، ويؤدي إلى قيام الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران للعام 1967م وعاصمتها القدس، والعمل على حل مشكلة اللاجئين وفق القرار الأممي 194 لسنة 1948م.

يزيد المشككون أن هذه الصفقة الكبرى ستشترك فيها إلى جانب الولايات المتحدة دول عربية مثل جمهورية مصر العربية، والمملكة الأردنية، والمملكة العربية السعودية، إننا نتمنى هذه المشاركة العربية ونطالب بها، لأنها سوف تمثل ضمانة أكيدة وداعما إستراتيجيا للموقف العربي عموما والفلسطيني خصوصا، فجمهورية مصر العربية تمثل قضية فلسطين بالنسبة إليها قضية أمن قومي ووطني مصري بإمتياز ولن تقبل مصر بأقل من إنسحاب كامل وقيام دولة فلسطين المستقلة على كامل الأراضي المحتلة للعام 67 بما فيها القدس عاصمة لهذه الدولة، وكذلك الحال بالنسبة للأردن الشقيق توأم فلسطين، فقضية فلسطين هي قضية كل أردني دون إستثناء لن يقبل الأردن التخلي عن دوره في العمل الجاد من أجل إستعادة الحقوق الوطنية الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وكذلك حل مشكلة اللاجئين والتي تعد بالنسبة إليه أيضا مشكلة وطنية عدا عن كونها قضية قومية وما يضطلع به الأردن من دور تجاه القدس يحتم عليه أن يكون شريكا في تقرير أي تسوية أو جهد في هذا الشأن، والمملكة العربية السعودية موقفها أيضا واضح كل الوضوح وفق مبادرة السلام العربية والتي هي بالأساس مبادرة سعودية وقبل بها العرب والمسلمون كما إشتملت عليها خطة خارطة الطريق، وأزيد هنا بالذات بشأن موقف المملكة العربية السعودية الثابت من مسألة القدس كلام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ولي شخصيا في يوم 05091993م في إجتماع معه في قصر الحكم بالرياض تعليقا منه على إتفاق أوسلو يومها بعد أن قدمت له موجزا عنه، قال نحن في المملكة العربية السعودية دولة تقوم على أساس العقيدة، والقدس جزء من العقيدة، فلا أتصور أن يكون هناك سلام مع الكيان الصهيوني والقدس محتلة وهذا الموقف بلا أدنى شك يمثل دعما وضمانة للموقف الفلسطيني خصوصا والعربي عموما من أية جهود أو أفكار أو صفقات كبرى أو صغرى بشأن تسوية الصراع العربي الإسرائيلي ...

لذا أقول لمن يثيرون التخوفات من إنطلاق قطار المصالحة الفلسطينية، بل زاد بعضهم وأعلن أن المصالحة تتم بناء على الرغبة الأمريكية الإسرائيلية، وأنهما قد أعطيا الضوء الأخضر لإنطلاقها لأنها تمثل حاجة لهم وليس لنا من أجل أن تكون جسرا تمرر عليه مؤامرة الصفقة الكبرى التصفوية إن مثل هذه الرؤيا هي سقوط في الفكر والتحليل ما بعده سقوط، وهنا يفترض الخيانة والتسليم بالمؤامرة من جانب حركتي فتح وحماس والكل الفلسطيني والعربي ...

لا يوجد تفسير غير ذلك، أقول كفى تشكيكا وهبلا وإغراقا وغرقا في نظرية المؤامرة، ونحن نملك قرارنا أن نقول نعم عندما تكون نعم من مصلحة شعبنا وقضيتنا ونملك أن نقول لا كبيرة لأي مؤامرة تستهدف حقوقنا ومصلحة شعبنا وقد جربنا والذي قال لا كبيرة للرئيس كلنتون في كامب ديفيد 2000م، خليفته قادر أيضا على أن يقول للمؤامرة وللرئيس ترامب لا كبيرة اليوم إذا كان هناك إستهداف لحقوق شعبنا المشروعة، وإذا كانت الصفقة لا تلبي متطلبات شعبنا وأمتنا، لذا نقول للمشككين في المصالحة وأهدافها وأغراضها كفوا عن هذا التشكيك، وأحتفظوا بتحليلاتكم وحذاقتكم لأنفسكم، ودعوا شعبنا الفلسطيني يقتنص لحظة فرح حقيقية في إنهاء الإنقلاب الأسود وإزالة آثاره، وطي هذه الصفحة السيئة في تاريخ شعبنا، وفوتوا الفرصة على المتربصين بشعبنا وبقضيته وبحقوقه، لا يمكن أن يكون العدو الإسرائيلي ومعه الولايات المتحدة مستفيدين وداعيين للمصالحة، إن المستفيد الوحيد من المصالحة الفلسطينية هو الشعب الفلسطيني والأمة العربية على السواء، ليس عيبا التنوع والتعدد والإختلاف في الرأي ولكن العيب هو العمل على إستمرار الفرقة والإنقسام والتشرذم، نعم هناك فئة إستفادت من الإنقسام والإنقلاب هذه فقط هي الخاسر الوحيد في المصالحة أيضا إلى جانب الأعداء ...

قد يرى البعض منهم أو يلجأ للتشكيك في جديتها أو فوائدها وقد يصطنع العقبات في طريق إتمامها أو إنجاحها ولابد له أن يبرر ذلك إما بالمؤامرة وإما بالمصالح الفئوية والحزبية والفصائلية والنتيجة هي واحدة تبرير إستمرار الإنقسام والشرذمة لما يعود عليهم من نفع ...

إن ردود الفعل الإسرائيلية والقراءة الإسرائيلية للصورة الأولية التي قدمتها غزة في إستقبال حكومة الوفاق الوطني تكشف بصورة جلية رغبة إسرائيل بإستمرار الإنقسام لما يوفره لها من ذرائعية في إدامة سياسة الحصار والقتل والدمار لشعبنا في غزة وفي الضفة على السواء، كما يوفر لها الذريعة الكبرى في مواجهة كافة الجهود الإقليمية والدولية ومنها الأمريكية من أجل إفشال تسوية الصراع التي تحتم عليها إنهاء إحتلالها والإقرار والتسليم بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

لقد أدرك الشعب الفلسطيني أن مصلحته تكمن في الوحدة دائما ونبذ الفرقة والإنقسام، فكونوا عونا له على تحقيقها ولا تكونوا مبطلين ومبلسين ومخذلين، الطريق صعب ويحتاج إلى جهود كبيرة، لأن البناء أصعب بكثير من الهدم والدمار، ما تهدمه في ساعة تحتاج لبناءه لسنوات.

فالتمتد الأيدي لبناء الوحدة وتكريس المصالحة ونبذ الفرقة ومعالجة كافة الإفرازات السلبية التي أفرزها الإنقلاب، ولنسقط الذريعة من يد العدو والصديق على السواء، ولنكرس ثقتنا بأنفسنا وبأمتنا وبأشقاءنا حتى نواجه كافة المتغيرات والإستحقاقات ونسقط كافة المؤامرات ونسد كافة الثغرات وننتزع حقوقنا المشروعة.

فلا تحسدوا شعبنا الفلسطيني على لحظات الفرح، ولا تنزعجوا، وتفاءلوا في الخير تجدوه ... لقد إنطلق قطار المصالحة ولن يتوقف فأبحثوا عن مقعد لكم فيه بدلا من التشكيك فيه وفي جدواه.

بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس