ذهبت في صباح الأحد الى غزة المتشائلة من مصالحة البوم والغربان تلبية لدعوة من ادارة جمعية رعاية كبار السن لتكريم ستة منهم في رويال بلازا.. وكالعادة بدأ الاحتفال بكلمات الإدارة والوزارة ووالمعازيم وهل الحارة ..كلام جميل ..كلام معقول مقدرش أقول حاجة عنه.. ترتيب واستقبال آخر جمال و كولا وبطاقات وزجاجات مياه معدنية وطواقي بيضاء وقدامى الاصدقاء.. جاء دوري لالقاء قصيدة بالعامية فقبلت أولا راس مسنة تشبه أمي على كرسي متحرك والقيت قصيدتي بصفتي من كبارالسن مع إني أفضل كلمة كبار العطاء فهى اجمل واذوق وأوفى وارحم.. استمتعنا بدبكات ومسرحية وصورتذكارية وانتهى الاحتفال المتعوب عليه والله اعلم كم كلفبسلام وعلى ما يرام ولكن النهاية كانت للأسف اقرب الى فضيحة بكل معنى الكلمة .
خرجت لارى بعيني كبار السن يتصارعون كأطفال الشوارع على علب مخبوزات وقد فر الموزعون من ارض المعركة..
كان منظرا مضحكا مبكيا لايسر عدو ولاحبيب..سألت نفسي
ألم يكن من اللائق ان تقدم الوجبات للضيوف المكرمين وهم على مقاعدهم محترمين .. بدلا من ان يوضعوا بقصد او غير قصد في محك صادم ومهين..
خرجت حزينا محبطا ..فزجاجات العسل لا تخفي أبدا مرارة قطرة الحنظل ..
ذهبت الى ابنتي لأريح اعصابي ساعتين او ثلاث مع صحن فاصوليا وبرغل والصورة البشعة تتأرجح امام عيني لاتفارقني و تجلدني بلا رحمة
توجهت عند الخامسة الى جمعية الشبان المسيحية تلبية لدعوة أخرى صديقى اليسوعي الأمين عيسى سابا .. الذي احبه لله فلله واثق به اكثر من كل المسلمين.. والدعوة للقاء وزير الثقافة ..ودعوتين في الراس توجع وصلت وصافحت وحضنت أحبة وأصدقاء وأدباء بانتظار قدوم الموكب المهيب ..
أخيرا هل علينا الوزيرالشاعر راجلا يحيط به مبدعون ومدعون ومثقفون ومنافقون ومتسلقون ..سلمت كما سلموا وهز يدي كأنه يذكرني بما اقترفت من إثم يوم كتبت عن مافيات السقافة وفسادها منذ اوسلو حتى تاريخه
قال لي استاذي وصديقي أبو توفيق مشتهى ردا على رغبتي بالجلوس في مكان ملائم.. كما قال نابليون لمعتقليه وقد اجلسوه في مكان قصي بقصد إذلاله .. أينما يجلس نابليون فهو مكان الصدارة
ولم نجد مكانا الا في السطر قبل الاخير فهمست ساخرا هنا جلس نابليون..
قدم الفنان فايز السرساوي ابن الوزارة الوزير بكلمة تليق بمكانة ابن غزة وذكره باسلوب ذكي ان غزة تحتاج منه كل شيء
القى الوزيرالرقيق كلمة شاعرية أكثر منها سياسية وصفق الحضورالغلبان كالعادةع الفاضي والمليان.. وبدات الاسئلة .. عن التسليم والاستلام وعن المتوقع واللا متوقعوالتفاؤل والتشاؤم و الهم الثقافي
قفز الى ذهني فجأة كضفدع سؤال شائك ..رفعت يدي وتلقفت الميكرفون .. قلت أنا لا اعرف من ال بسيسو الكرام الا الشاعر العظيم معين واللاعب القديم معمر .. ولي سؤال بسيط و بريء ماذا تعني لك ياسيادة الوزير النسبة التالية 45و0 فاجاب الوزير مقدما سؤالي على ماعداه قائلا يا استاذ توفيق هذه نسبة وزارة الثقافة من ميزانية السلطة وقد كانت اقل من ذلك والان نحصل على مليون شيكل أي بنسبة 2،5
الحمد لله ..صدقت وآمنت أني رأيت لأول مرة وزيرا لا يكذب
وللحق فان السؤال لم يكن بريئا ولم يكن في نفس الوقت خبيثا وإنما كان القصد منه بيان ان الهم الثقافي بشكل عام مهمش الى درجة مضحكة و في غزة مهمش الى درجة مخزية
فمن يصدق ان كتابا واصلين تافهين نشر لهم اكثر من عمل في حين أن كتابا اخرين رائعين يقبرون يأسا اعمالهم التي لم تر النور
اني اتهم ولا استثني احدا من وزارة السقافة الى اتحاد الهباب منذ أوسلو وتلقي جاي بالمحسوبية والموالاة للون دون النظر الى قيمة الإبداع ويكفي ان اقول مثلا ان لا فضل للوزارة ولا الاتحاد علي في النشر بل عملا لي ضاع في مزاريب الاتحاد الخائب منذ 12 عاما ربما لأني لا أنتمي الى الموز والقرع الاصفر ولا الى الملوخية والفلفل الاخضر
واذا كان لابد من مقارنة موضوعية لاختيار أفضل السيئ بين العهد العباسي البسيسوي والعهود السابقة من حد القائم مقام ياسرعبد ربه كرم الله ظهره لحد دحية عطاالله ابو السبح قدس الله سره فاني اشهد ان هناك في الضفة حراكا ثقافيا افضل .. وهنا في غزة حالة موت سريري وهذا يفسر سبب تهكمي على وزارات سقافة وأسماء تفافة مرت كريح السموم أخذت ولم تعط بل ولم تترك أثرا طيبا الا خرابا فوق خراب
انا شخصيا لاتعنيني الاسماء ولا الالقاب ولايهمني ان كان وزير الثقافة أبو زنيط او نطاط الحيط وإنما يعنيني الحراك الثقافي نفسه كما يعنيني حال الخبز والطبيخ بل واكثر
يعنيني مدى تفاني الوزارة في احتضان ورعاية كبار المبدعين وتقديرهم كما تفعل الدول المحترمة ويعنيني احتضان المواهب الشابة الحقيقية دون محاباة للون او توجه لا ان يكون هناك كتاب سلطة ابرار واخيار على رؤوسهم ريشة وباقي كتاب الشوارع والازقة كما أولاد البطة السوداء
كنا تحت الاحتلال والماموث الميت في عمارة لظن يشهد ..نقاوم بالفكرة.. نتسول.. نستدين ..نجمع.. ندفع.. ندقق.. نطبع.. ليظل باب اتحاد الكتاب مفتوحا وكان الاتحاد ما قبل أوسلو أكبر من دولة وأعظم من وزارة
والآن.. أليس من المخجل ان يستطيع حمار معه 2000 دينار طباعة نهيقه ورفسه وبعره في كتاب مصقول عجيب .. ويوقعه في احتفال نفاقي مهيب بينما الكاتب الحقيقي يتلمظ حسرة ويتحسس جيبه الفارغة الا من ثمن ربطة خبز وصحنين فول
أنا لا احقد ولا أحسد ولا اغضب وانما اتألم واحزن على حال ثقافي مريض تطرد فيه العملة المتطفلة الرديئة العملة الجيدة التي تستحق
أنا لن اسامح كل الوزراء والوكلاء والمدراء الذين مروا والذين سرقوا وبذروا حقي وحق كل مبدع وطني يحترم قلمه على سهراتهم وحفلاتهم الوطنية والدينية العظيمة
في الختام ..كل التقدير والاحترام للوزير الشاعر الشاب ايهاب بسيسو واتمنى من كل قلبي الا يكون صورة طبق الاصل من سابقيه .. فعلى هذه الارض ما يستحق الافضل.
بقلم/ توفيق الحاج