نحو نهايات عصر الدم العربي المهدور؟

بقلم: طلال سلمان

بعد غياب “الكبار” من القادة في الوطن العربي، بعنوان مصر والجزائر ثم العراق وسوريا، انفتح المجال امام “الصغار” لملء الفراغ بالرغبة الشخصية او بالتحريض الاجنبي، … وهكذا تقدمت السعودية، بعد تردد، في حين قفزت الامارة من غاز، قطر، لتتصدر المشهد العربي وادعاء الاهلية في القيادة، استناداً إلى الثروة الخرافية وتشجيع الخارج، بمن فيه العدو الاسرائيلي.

كانت الكويت هي “الاعقل”، فقد انتدبت نفسها لدور “الوسيط” دائماً، مبتعدة عن التنافس على “الزعامة”، مدركة أن ذلك الدور أجدى وانفع لها و”للإخوة الاعداء”.

ومؤخراً انضمت دولة الامارات بشخص الشيخ محمد بن زايد، إلى السعودية في التصدي لدور “قيادة الامة”. فتم “استرضاء” الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بثلاثين من الفضة، ثم تقدمت الامارات لمشاركة السعودية في حربها على اليمن، بلد الحضارة الأولى، فأرسلت طيرانها الحربي ليغير على المدن والبلدات والقرى الفقيرة في اليمن، مشترطة أن تحصل، بالمقابل على قاعدة بحرية على الشاطئ اليمني قرب باب المندب.

لكن القيادة مكلفة، في السياسة قبل المال وبعده،

وإذا كانت السعودية قد بادرت بالانفتاح على روسيا، عبر زيارة اولى لولي عهدها الامير محمد بن سلمان، فان موسكو قد رحبت، من بعد، بملكها سلمان بن عبد العزيز الذي لقي “استقبالاً امبراطورياً”، وتمت المحادثات بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في بعض أفخم قاعات القياصرة في الكرملين. وشملت المحادثات التي أجراها مع “القيصر” الجديد مع الملك سلمان ـ لأول مرة ـ صفقات مهمة من السلاح، بينها الصواريخ الجبارة وبعض انواع الاسلحة المضادة للطائرات فضلاً عن كميات من رشاش الكلاشينكوف مع ترخيص بإنتاجه في المملكة المذهبة.

الزيارة مهمة بذاتها، لكن مقدماتها ثم نتائجها لا تقل أهمية، خصوصاً في ما يتصل بدور السعودية في المحيط العربي، وتحديداً في سوريا، (حيث ترعى المملكة مجموع المعارضات)، فضلا عن العراق ولبنان الذي “تحاصره” المملكة برعاياه فيها، كما بالحملة المنظمة التي تشنها اجهزتها على “حزب الله”، وآخرها التصريح “المباغت” الذي اطلقه الوزير السبهان، بغير مناسبة، والذي جاء بعد يومين من عودة مليكه من موسكو.

ثمة خلل كبير في الادوار والاوزان، اذ يحتل “الأغنى” محل “الاجدر” و”الأولى بالقيادة”، لتعذر استيلاد البديل المؤهل..

ثم أن خريطة السنوات العشر الماضية للمشرق العربي، وتحديداً العراق وسوريا، تشهد تبدلات مهمة بل جذرية.. فعراق ما بعد تحرير الموصل واستكمال الحرب ضد “داعش” لطرده من ارض الرافدين، في تكامل ـ واقعي ـ مع معركة سوريا لتحرير المناطق التي كانت قد استولت عليها عصابات “جبهة النصرة” المتفرعة من “القاعدة” وتلك التي استولى عليها تنظيم “داعش” في السنوات الأخيرة، يعيدان خريطة هاتين الدولتين العربيتين إلى أصلها، برغم الخرق الذي احدثه مسعود البرازاني بإعلان “دولته” الكردية المستقلة في شمال العراق، متجاوزا الصيغة الاتحادية التي كان قد اعتمدها العراق بعد جلاء قوات الاحتلال الاميركي عنه.

واذا كانت الامارة من غاز، قطر، لم تغادر بعد نزعتها التوسعية التي تتجاوز قدراتها الاسطورية، وما تزال تحاول توسيع دائرة نفوذها ما بين موريتانيا والعراق، مروراً بتونس (الاخوان المسلمين) وليبيا (التي بلا رأس) ومصر (برغم سقوط رهانها على حلم الاخوان المسلمين)، فان الحرب التي اندفعت اليها السعودية ضدها، مستدرجة معها دولة الامارات ومملكة البحرين، وحتى مصر (التي تعتبر أن لها ثأرها البايت عند امير قطر)، قد انهكت هذه الامارة ـ اقتصادياً ـ من دون أن تحقق نتائجها السياسية، بالكامل، اقله حتى الساعة..

أن الحروب العربية ـ العربية اخذت الدول العربية (والى حد ما الشعوب العربية)، بعيداً عن ميدانها الاصلي ضد العدو الاسرائيلي..

بالمقابل رأينا “المصالحة الفلسطينية ـ الفلسطينية” (بين فتح وحماس ـ او بين “السلطتين” في الضفة وقطاع غزة)، تتم بسحر ساحر، ودون مقدمات مقنعة برعاية مصرية، وتتوجها زيارة لموفد رسمي حضر الى غزة، لأول مرة منذ سنوات، على أن تعقد جلسات تثبيت المصالحة بتقاسم الحكم (تحت اشراف القاهرة، والعدو الاسرائيلي بطبيعة الحال).

ومن الطبيعي، والحال هذه، أن يغتنم العدو الاسرائيلي الفرصة لتوسيع رقعة نفوذه ووجوده العلني فيبعث إلى المغرب بوفد “رسمي” بين اعضائه وزير الدفاع الاسبق عمير بيرتس لكن النواب المغاربة ومعهم جمهور من المواطنين استقبلوه باللعنات، مطالبين بطردهم فوراً، وايقاف عملية الابتزاز المفتوح التي يقوم بها العدو الاسرائيلي بذريعة “مواطنيه” من اليهود الذين كانوا عبر التاريخ من اهل المغرب.. وفيهم، كما المغاربة، نسبة ملحوظة من اليهود الذين طردوا مع العرب المسلمين من الاندلس.

*****

التطورات متسارعة في المنطقة.. وثمة تبدلات جوهرية طرأت خلال مدة قياسية: فاستفتاء مسعود البرازاني اقفل حدود الاقليم الكردي من جهة إيران كما من جهة تركيا التي تضم الغالبية العظمى من الكرد، في حين تدعم الولايات المتحدة الاميركية اكراد سوريا في معركتهم “لتحرير” الرقة، وللمشاركة في “تحرير” الميادين ودير الزور، ولو انهم سيصلون متأخرين..

وبغداد التي فاجأها استفتاء البرازاني في شمالي العراق تجتهد في الوصول إلى تسوية سلمية مع كردها ضمن اطار الاتحاد الفيدرالي القائم ولو بتحويله إلى اتحاد كونفيدرالي..

وسوريا تنهمك في تحضير مشاريع اعادة الاعمار، برغم أن المعارك لاستئصال “داعش” من الشمال (بالتعاون مع تركيا!!) والشرق (بالتعاون مع ايران و”حزب الله”) تتعاظم احتداماً.. لكن الخبراء يؤكدون اننا في المرحلة الاخيرة من هذه الحرب التي تتواصل منذ اكثر من سبع سنوات..

ربما آن أن تتوقف أنهار الدماء التي تنزفها الامة العربية.. او أن الموعد المرتجى لتوقفها قد اقترب، او انه سيقترب بعد حين!

تنشر بالتزامن مع السفير العربي