غزة يكفيها ما فيها ...!

بقلم: عبد الرحيم محمود جاموس

لقد تفاءل أهلنا في غزة وجميع أبناء شعبنا الفلسطيني والعربي في كل مكان، بتوقيع إتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس، في القاهرة برعاية مصر العربية يوم 12 / 10 الجاري وهو إتفاق تنفيذي لإتفاق المصالحة الموقع أصلاً 04/05/2011م في مصر والذي كان معطلاً تنفيذه بسبب الرهانات على متغيرات قد تحدث في الساحة العربية والدولية ويكون لها إنعكاسها على الساحة الفلسطينية، لكن الرهان على تلك المتغيرات قد جاءت عكسية ولم تحقق المراد منها، فجاءت لحظة الحقيقة بضرورة التوجه لمصر العربية لتجديد الثقة بها أولاً والإلتزام بتنفيذ إتفاق 2011م للمصالحة، بعد حكم قارب على أحد عشر عاماً لقطاع غزة منفرداً من (قبل حركة حماس) الإخوانية زاد خلالها سكان قطاع غزة نصف مليون نسمة، وتردت فيه الخدمات بشكل كبير لا يوجد له مثيل على سطح الكرة الأرضية، بسبب ما تعرض إليه القطاع من حروب ثلاثة ظالمة أوقعت الدمار والخراب والقتل والإعاقة في سكانه ولم يسلم من أذاها شجر أو حجر أو بشر، ورافقها حصار حَوَّلَ قطاع غزة خلال الأحد عشر عاماً إلى سجن كبير بسبب إغلاق المعابر من والى القطاع والذي تتحكم فيه إسرائيل بالدرجة الأولى، يضاف إلى ذلك تلوث البيئة الناتج عن تلك الحروب وعن نقص الخدمات الأولية مما وضعه في ظروف بيئية بالغة الصعوبة تكاد تنعدم فيها شروط الحياة الصحية على سبيل المثال لا الحصر نسبة 95 بالمئة من الماء فيه غير صالحة للشرب، وباتت فيه الظروف الإقتصادية شديدة القساوة حيث أصبح 80 بالمئة من سكانه تحت خط الفقر، والبطالة فيه متفشية في أوساط الشباب من الخريجين والتي زادت عن 50 بالمئة، يضاف إلى ذلك تردي الأوضاع الصحية، وقلة الغذاء والدواء، ولازال عشرات الألاف بدون مأوى بسبب الدمار الذي لحق به جراء الحروب المتعاقبة حيث لازال 40 بالمئة مما دمر في الحرب الأخيرة 2014م ينتظر الإعمار، إن الأوضاع في قطاع غزة غاية في الصعوبة وفي المأساوية، وهي بحاجة لجهود دولية كبيرة وإلى تكاتف جميع الدول الشقيقة والصديقة، وقبلهم إلى تكاتف الفلسطينيين أنفسهم وتنظيماتهم المختلفة وفي المقدمة حركة حماس ثم فتح والكل الفصائلي والحزبي من أجل تغيير الأوضاع الإنسانية البالغة الصعوبة في قطاع غزة، وأساس كل ذلك ينبني على تأكيد ومصداقية الإلتزام بإتفاق المصالحة الفلسطينية وعدم إخضاعها إلى المناورات الفصائلية والحزبية، أو المناورات الإقليمية والدولية، والتي لن ينتج عنها سوى مزيد من العبث بالشأن الفلسطيني وتعميق المأساة الفلسطينية، ومنح العدو الإسرائيلي مزيداً من الذرائع لإستمرار حصاره للقطاع بل ربما لا سمح الله بتعريضه لشن حروب جديدة ظالمة تعمق المأساة والجراح وتفاقم من أوضاعه التي تزداد سوءً يوماً بعد يوم.

في هذا السياق تأتي زيارة وفد حركة حماس إلى طهران لتدق ناقوس الخطر من جديد ولتطرح مصداقية حركة حماس بالتوجه نحو المصالحة على المحك وما ظهر منها للعلن، حيث صرح السيد / علي أكبر ولايتي أن دعم إيران للمقاومة الفلسطينية سيزداد / ويعقب عليه أيضاً السيد / أبو زهري بقوله / تأكيد من طهران وحماس على عودة العلاقات إلى شكلها الطبيعي بين طهران وحماس، والعلاقة مع إيران بما يخدم المقاومة والقضية الفلسطينية، وزيارة وفد حركة حماس لطهران جاءت لرفع وتيرة الإسناد للمقاومة الفلسطينية /.

طهران لم تخفي إمتعاضها من المصالحة الفلسطينية الأخيرة ومن الدور المصري والعربي الحاضن لهذه المصالحة لأنها قد تغلق إمامها بوابة العبث في القضية الفلسطينية، وساحة مهمة تعتمدها إيران في تزكية نفسها وتضليل شعبها والشعب العربي للتغطية على تدخلاتها السافرة في الشأن العربي سواء في العراق أو سوريا أو اليمن أو الخليج وغيرها لتظهر تدخلاتها وكأنها شكل من أشكال المقاومة والتغيير وهي تعصف بنسيج المجتمعات والدول العربية وتهدد وتعرض أمنها ووحدتها وإستقرارها للخطر.

نقول شكراً إيران وشكراً ولايتي لا نريد دعمكم للمقاومة العابثة بالشأن الفلسطيني وقضيته، كفوا عن تدخلاتكم التخريبية فيها وكفوا عن سياساتكم الهدامة في الدول العربية الأخرى والزموا حدودكم الوطنية العرب لم يشكلوا يوماً تهديداً لكم كنتم عبر التاريخ كما اليوم في هذه المرحلة السوداء من تاريخ المنطقة، معول هدم وعدم إستقرار وقوة إستعمارية وإحتلالية للأرض العربية، فلا يمكن أن تكونوا قوة مساندة لتحرير فلسطين من الكيان الغاصب الذي تتكاملون معه في إحتلال أراضٍ عربية، وإشاعة الفرقة وعدم الإستقرار في المنطقة وتهديد الأمن والسلم الإقليمي فيها، خوضوا حروبكم بعيداً عن غزة وفلسطين وأرض العرب ...!.

إن القضية الفلسطينية، قضية عربية بإمتياز ولا يمكن أن تكون قضية فارسية أو طائفية لتجد الدعم من نظام فارسي طائفي يخلط الدين بالسياسة بالقومية بالطائفية.

ونقول للأخوة في حركة حماس أخطأتم، أخطاء بالغة بحق غزة وبحق الشعب الفلسطيني وقضيته، كفوا عن هذا النزق السياسي الخطير الذي أوصلتم غزة إليه، والوضع المأساوي الذي أوصلتم القضية الفلسطينية إليه، فيه الكفاية، أخلصوا النية مع غزة ومع شعبكم ومع سلطته الوطنية، ومع أمتكم العربية وفي مقدمتها جمهورية مصر العربية التي تسعى جادة لإعادتكم إلى الحاضنة الفلسطينية والعربية معاً وليس لكم غيرها إذا أردتم أن تكونوا حركة وطنية وليس (حركة إخوانجية) تنفذ سياسة الغير والآخر الفارسي أو غيره، المصالحة لا تعني إلقاء نكبة غزة والقضية والتي تسببتم بها على ساحة رام الله وفتح والسلطة الوطنية .. وتخرجوا براءة لتواصلوا سياسات المحاور التي تدفع القضية الفلسطينية ثمنها إتعظوا هداكم الله، غزة يكفيها ما فيها، غزة بحاجة للوحدة الوطنية بحاجة للغذاء للدواء والهواء بحاجة لفتح المعابر ورفع الحصار، بحاجة لتشغيل العاطلين عن العمل من سكانها بحاجة للنور والكهرباء كفى ظلاماً أحد عشر عاماً، سيحاسبكم عليه الله والشعب، لا تراهنوا على المغفلين والمضللين والمنتفعين من حروبكم ومقاومتكم المشبوهة، التي تقدم خشبة النجاة للكيان الصهيوني للإفلات من العقاب، وتحرفوا البوصلة والإتجاه عن القدس وعن الإستيطان في الضفة إلى ماء وكهرباء ومعبر وحياة بائسة في غزة، كفى وعودوا إلى رشدكم، لن تنالوا من شرعية م.ت.ف فهي أقوى من أن تهتز أمام سياساتكم ومواقفكم الرعناء، والمشروع الوطني الفلسطيني هدف سامٍ للشعب الفلسطيني ويحظى بدعم الأشقاء والأصدقاء ولا يعاديه غير الكيان الصهيوني والسياسات الأمريكية المنحازة له، والسياسات الإنتهازية المزاودة لنظام الملالي في إيران، فلا تكونوا معهم في خندق واحد وإن تغلفتم بشعارات الدين والمقاومة، شعبنا الصامد في غزة والقدس والضفة الفلسطينية وفي فلسطين المحتلة عام 1948م، يعرف خياراته السليمة والناجعة في المقاومة الوطنية والشعبية التي تؤدي به إلى حقوقه، وليس بصواريخكم العبثية التي لا جدوى منها سوى إعطاء المبرر للعدو لشن حروبه على شعبنا وإلحاق القتل والخراب والدمار، والهروب من الإستحقاقات المتوجبة عليه ومواصلة سياسة الإستيطان والتهويد.

أصدقوا النية حتى يأخذ الله بيد الجميع نحو تحقيق أهدافنا الوطنية في العودة والحرية والإستقلال وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

 بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس