( لن تضيع القدس ما دام في العرب عرق ينبض )
زيارة الامير سعود بن عبدالعزيز الى بلدة عنبتا اثناء زيارته لفلسطين سنة ١٩٣٥ م ..
خلال شهر آب من عام 1935م قام ولي العهد السعودي الأمير سعود بن عبد العزيز رحمه الله بزيارة إلى فلسطين إستقبله في القدس الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى ووجهاء وفعاليات فلسطينية مختلفة، وأطلع خلال زيارته على حال الشعب الفلسطيني وما يواجهه من تحديات تحت حكم الإنتداب البريطاني وخصوصاً موجات الهجرة المنظمة للصهاينة إلى أرض فلسطين، مثلت تلك الزيارة دعماً سعودياً وعربياً للشعب الفلسطيني، وقد زار عدداً من المدن الفلسطينية برفقة الحاج أمين الحسيني والوفد المرافق له.
وفي طريق عودته من مدينة حيفا إلى القدس توقف موكبه في بلدة عنبتا حيث أقيم له وللوفد المرافق له إستقبال شعبي حافل وألقيت فيه كلمات الترحيب من عدد من الخطباء، وكان الشاعر الشاب عبد الرحيم محمود نجم المتحدثين الذي ألقى قصيدة وصفت بالمعلقة الفلسطينية من جانب سمو الأمير سعود.
ينشر بين الحين والآخر صور عن زيارة الامير سعود لبلدة عنبتا في ثلاثينيات القرن الماضي مع تعليقات عن الزيارة، ويكون هناك أحياناً معلومات مغلوطة عن مكان الحدث وتفاصيله... وبعد التواصل مع أستاذنا القدير الشاعر طارق عبدالكريم محمود (أبو طريف) ابن اخ الشهيد عبد الرحيم محمود الذي يعتبر أفضل مرجع لسيرة الشهيد، فقد تكرم وأرسل التوضيح التالي عن تلك المناسبة التي ألقى فيها الشهيد قصيدته نجم السعود التي تنبأ فيها بضياع القدس في بيت الشعر المشهور:
المسجد الاقصى أجئت تزروه ام جئت من قبل الضياع تودعه
( قام الامير سعود ولي العهد ابن الملك عبدالعزيز بزيارة لفلسطين وذلك في ١٤ / ٨ /١٩٣٥ ٠ وكان من برنامجه ان يمر موكبه من عنبتا قادما من حيفا متوجها الى القدس ٠ واتفق رجال عنبتا وعلى رأسهم حافظ الحمدالله كبير وجهاء البلدة ان يتوقف الموكب في عنبتا ليقام حفل ترحيب بالضيوف٠ وكان الترحيب امام دار الشيخ حسين شهاب (عمارة حسين شهاب الجديدة) حيث فرش السجاد الاحمر، واجتمع اهالي البلدة واهالي القرى المجاورة٠ وكان برفقة الامير سعود كل من الحاج امين الحسيني والشاعر السوري الكبير خير الدين الزركلي وفؤاد حمزة كبير الموظفين عند الامير ثم اصبح وكيلا لوزارة الخارجية السعودية ٠ اما الذين تكلموا في الاحتفال فهما : الاستاذ الكبير يوسف جابر عدس حيث القى كلمة مؤثرة. ثم تبعه الشاب عبدالرحيم محمود (٢١ عاما) فألقى قصيدته المشهورة بعنوان نجم السعود٠ وكان قد نظم نصفها قبل يوم واحد من المناسبة ثم أكمل نظمها في صباح الاستقبال تحت شجرة لوز كبيرة (محل داري)٠ وعندما القى القصيدة الهب مشاعر الحاضرين وخاصة الامير سعود الذي بكى حينما سمع البيت المذكور وقال له: اعد يا فتى فأعاد عبدالرحيم قراءة البيت، ثم قال له اعد يا فتى مرة اخرى٠ وبعد ان انهى القصيدة تقدم للسلام على الامير وصحبه، فربت الامير على كتفه شاكرا اياه قائلا له لن تضيع القدس ما دام في العرب عرق ينبض، وعند عودة الامير الى السعودية ارسل القصيدة الى صحيفة سعودية لتنشرها تحت عنوان: معلقة فلسطينية جديدة ).
والجدير بالذكر أن الشاعر الثائر عبد الرحيم محمود ابن بلدة عنبتا، قد إنضم إلى الثورة الفلسطينية الكبرى عند تفجرها في عام 1936م وكان بمثابة سكرتير عام قائد الثورة القائد الشهيد / عبد الرحيم الحاج محمد، فكان يحرر له البيانات والخطابات، وشارك في العديد من المعارك إلى جانب قائد الثورة ومنها معركة بلعا.
وفي العام 1939م وبعد توقف الثورة رشح من قبل الحاج أمين الحسيني الزعيم الديني والسياسي لفلسطين للإلتحاق بالكلية العسكرية في بغداد هو ورفيقيه عبد القادر الحسيني، وعبد الله يوسف عمر، وهم أول ثلاثة طلاب فلسطينيين يتخرجوا من الكلية العسكرية في بغداد برتبة ملازم، وبعد ثورة رشيد عالي الكيلاني عاد إلى فلسطين وعمل في سلك التدريس في مدينة نابلس وكان صديقاً للشاعر الفلسطيني الكبير إبراهيم طوقان.
وقبيل إنتهاء الإنتداب البريطاني على فلسطين في عام 1948م، حيث شكل جيش الإنقاذ بقرار من جامعة الدول العربية، إلتحق الشاعر عبد الرحيم محمود بتشكيلاته وسلم قيادة إحدى فصائله، وقد أبلى بلاء حسنا في المواجهات التي دارت مع العصابات الصهيونية، إلى أن لقي وجه ربه في معركة الدفاع عن قرية الشجرة القريبة من مدينة الناصرة في 13 تموز 1948م، وصدق فعله القول مع قصيدته المشهورة (الشهيد) والتي يقول فيها:
ســأحمل روحــي عـلى راحـتي وألقــي بهـا فـي مهـاوي الـردى
فإمــا حيــاة تســر الصــديق وإمــا ممــات يغيــظ العــدى
ونفس الشـــريف لهــا غايتــان ورود المنايـــا ونيـــل المنــى
ومـا العيش¡ لا عشـت إن لـم أكـن مخــوف الجنــاب حـرام الحـمى
إذا قلــت أصغــى لـي العـالمون ودوى مقـــالى بيـــن الــورى
لعمـــرك إنــي أرى مصــرعي ولكـــن أغذ إليــه الخــطى
أرى مصـرعي دون حـقي السـليب ودون بـــلادي هـــو المبتغــى
يلــذ لأذنــي ســماع الصليــل ويبهــج نفســي مســيل الدمــا
وجســم تجـندل فـوق الهضاب تناوشـــه جارحـــات الفـــلا
فمنــه نصيــب لأســد السـماء ومنــه نصيــب لأســد الــثرى
كســـا دمه الأرض بـــالأرجوان وأثقــل بــالعطر ريــح الصبـا
وعفـــر منــه بهــي الجــبين ولكـــن عفــارا يزيــد البهــا
وبــان عــلى شــفتيه ابتســام معانيـــة هــزء بهــذي الدنــا
ونـــام ليحــلم حــلم الخــلود ويهنــأ فيــه بــأحلى الــرؤى
لعمــرك هــذا ممــات الرجـال ومــن رام موتــا شــريفا فــذا
فكــيف اصطبـاري لكيـد الحـقود وكــيف احتمــالى لســوم الأذى
أخوفــا وعنــدي تهــون الحيـاة وذلا وإنــــي لـــرب الإبـــا
بقلبــي ســأرمي وجــوه العـداة فقلبــي حــديد ونــاري لظــى
وأحــمي حيــاضي بحـد الحسـام فيعلـــم قــومي بأنــي الفتــى
في الختام لا يسعنا إلا أن نترحم على المغفور له الملك سعود بن عبد العزيز وعلى شاعرنا الكبير الشهيد القائد عبد الرحيم محمود.
بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس