لعلك يا سيادة الرئيس دونالد ترامب ، كنتَ سبّاقاً إلى خيرٍ وفير طالما انتظرناه ، بل طالما حلمنا بثلثه ، و الثلثان الباقيان غابا في مهبّ التنازع الذي يعيشه الوطن العربي ، و لو كنتُ أستطيع تعليقَ صُورَتِكَ على أعلى قمة في هذه البسيطة لفعلت ، و لو كنت أتمكّن من بناء تمثالٍ لك من الأحجار الكريمة ما تردّدتُ لحظةً واحدة ..
مَن كان منّا يقول أنّ القضيّة الفلسطينية سوف تعود إلى الواجهة بعد اندثارٍ طويل ؟ مَن كان يقول أنّ العالَم بأسره سيشهد هبّةً جماهيرية ، على قلبِ رجلٍ واحد بعدما ضاعت القضية الفلسطينية في تزاحم القضايا المستوردة إلى الشرق الأوسط ، فأنهكت مواطنيه ، و سَلَبَتهُم قُوتَ يومهم ، و دمّرت بلدانهم على وقعِ اقتتالٍ لم تُرسَم ملامح نهايته ؟؟؟
عظيمٌ و عظيمٌ جداً ، ذلك المشهد المشرّف الذي رَمَقْتُهُ بِشَغَف ، و تلذّذتُ بِلَحَظَاتهِ السِّمَان ، عندما رأيتُ أبناءَ بلدةٍ ريفيّة في ريف درعا الغربي جنوب سورية ، تربطني بهم سنواتُ زمالةٍ ممزوجةٍ بالدم السوري النازف منذ سنوات ، يعانون من مكائد الحرب ، و براثن العدوان ، و غلاء المعيشة و ضنك الحال ، و لكنّ تلك الجراح تناسوها تماماً عندما مُسّت القدس الشريف ، فوقفوا وقفة رجلٍ واحد و رفعوا الصوتَ عالياً ليعبّروا عن عِرقهم الأصيل ، الذي صدحَ للقدسِ رغم الجراح ، و هتفَ لفلسطين رغم المواجع السورية ، و لبّى نداءات المسجد الأقصى رغم مئذنة المسجد العمري التي دهاها الإثم و العدوان ، لتتوحّد الهموم السورية و الفلسطينية في حناجرهم الطاهرة ..
و قِسْ على ذلك ماشئت ، مشرقاً و مغرباً ، فمن حيث خرجْتَ و قَصَدْتَ سيطالعك اسم فلسطين و اسم القدس ، على امتداد العالم و على امتداد الأرواح الشريفة التي عانقت القدس رغم مشقّة المسافات ..
نعم .. شكراً يا سيادة الرئيس .. بعدما جعلتَ أبناء الجاليات العربية في القارة الأوروبية يقفون تحت الثلوج التي أمست ورداً و ريحاناً لأجل القدس ، لسانهم واحد ، هتافهم واحد ، قُدسهم واحد ، يُعيدون القضية الفلسطينية إلى أروقة المحافل من جديد ، فتستمرّ الاحتجاجات و تُقدّم مذكرات الاحتجاج ، و يخوض الناشطون الفلسطينيون و غير الفلسطينيين معركةً شرسة ، لإيصال الصوت الفلسطيني إلى المحافل الدولية ، و لجلب مزيدٍ من الأصوات المتضامنة مع القضية الفلسطينية ..
مُخطِئٌ ذلك الذي يظنّ أنّ هذه الهبّة لا تسمن ولا تغني من جوع ، أو أنّها صرخةٌ في وادٍ عميق لا زرعَ فيه و لا إنسان ، و بالرغم من أنها أقلّ تأثيراً من جلجلة الأسلحة ، إلا أنّها شديدة المفعول ، و إلّا لماذا توسّلت السفارات الأميركية لأفراد الشرطة عدم منح التراخيص لإقامة المظاهرات على مقربة منها ؟؟ و لماذا طلبت عدم منح التراخيص إلا بتعهّد خطّي بعدم إحداث أي أمر طارئ ؟؟ أليس ذلك دليلَ قلقٍ و اضطراب ؟؟
و بالعودة قليلاً إلى الوراء ، لماذا أُجبِرَ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على إزالة البوابات الالكترونية من ساحات المسجد الأقصى ، رغم أنّ الاحتجاجات على ذلك الأمر كانت سلميّة إلى حدٍّ بعيد ، تجلّت في انتفاضةٍ شبيهةٍ بانتفاضةِ اليوم ؟؟؟
نعم .. لقد وهبتَ يا سيادة الرخيص ، عفواً ، يا سيادة الرئيس ، الهبّات الشعبية شعاراً جديداً ، عاد بالنفع و الظفر علينا جميعاً ، فالمثل الشعبي الذي نَأْلَفُهُ جميعاً ( الحجر اللي ما بصيب بِدْوِش ) لم يعد بهذه الصيغة قطعاً ، بل أمسى : ( الحجر اللي ما بصيب راح يصيب و نُصّ ) ، و بالتالي سوف تجد أنّ شرفاء العالم الحُرّ ، قد وضعوك و وضعوا ( إسرائيل تاعك ) بين خيارين اثنين لا ثالث لهما : إمّا القدس و إمّا القدس ..
اِتْحَبَّ و اتْنَقَّ يا ترامب ..
عبدالسلام فايز / شاعر و إعلامي فلسطيني