صفقة القرن و أخواتُها ..

بقلم: عبد السلام فايز

تتسارع أيام شهر آذار ، ليكون الفلسطينيون في نهايته على موعد مُهمٍّ جداً مع يوم الأرض ، حيث يتطلع الفلسطينيون في نهاية شهر آذار كل عام ، نحو قضيّتهم التي أكل الدهر عليها و شرب ، ثم يحذوهم الأمل على أن يكون يوم الأرض القادم يحمل لهم بشريات الحل و العودة و استرجاع الحقوق الفلسطينية المشروعة ، و في مقدّمتها حق العودة المقدّس ، و لكنّ آذار يأبى في كل عام ، إلّا أن يضيف إلى الخارطة الفلسطينية شرخاً جديداً يُنسِي الفلسطينيين شروخ آذار الذي سلف ..

و اليوم يدنو يوم الأرض من الفلسطينيين حاملاً لهم صدىً مدوّياً و مشروعاً جديداً لم يألفوه من قبل ، و هو ما يسمّى بصفعة القرن أو صفقة القرن أو سمّها ما شئت ، لتصبح عاصمتهم الإسلامية في واجهة الخطر ، و ذلك بعد القرار الجائر التي  عزمت على تنفيذه القيادة الأمريكية الجديدة التي يتزعمها رئيس جديد كان قد وعد الإسرائيليين بإعادة الهيبة لدولتهم تارةً أخرى ، إذ هَمّ دونالد ترامب بنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى مدينة القدس ، تنفيذاً لوعده المشؤوم المتمثل بالاعتراف بمدينة القدس عاصمة أبدية لدولة الاحتلال الإسرائيلي ..

و يزيد صفعةَ القرن سوداوية ، تلك الموافقاتُ الخجولة التي لاقتها الصفقة من قبل بعد الحكومات العربية التي حاولت في بداية الأمر أن تخفي دورها الضالع في هذه الصفقة ، و لكنها سرعان ما مارست شيئاً من الوضوح الذي كشف بعض الأسرار  المتعلقة بها ، فكيف يُحيي الفلسطينيون يوم أرضهم و هاهو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ، يحث الخُطا في زيارته الخارجية الأولى صوب مصر ، للوقوف على آخر مستجدات صفقة القرن ، و لتحويل ما خُطّ في دهاليز الرياض إلى واقعٍ مرير مفروض على الفلسطينيين شاؤوا أم أبوا ، و كأنّ تلك الهبّة الجماهيرية التي هزّت عواصم العالم أجمع لم تقنع رعاة صفقة القرن بأنّ القدس ستبقى عاصمة فلسطين و بأنّ تلك المساعي اللامشكورة التي تهدف إلى طمس معالم مدينة القدس هي مساعٍ غير مرحّب بها ، و يلفظها أحرار العالم و جميع المتضامنين مع الحق الفلسطيني المسلوب ،

فمتى سيتوقّف هؤلاء عن تجاهل الصوت الفلسطيني ، و تصويب جُل إدراكاتهم لما يتفوه به السياسيون الإسرائيليون و من سار في ركبهم ؟!

و ليست صفقة القرن هي البُعبُع الوحيد الذي يعكّر أجواء يوم الأرض الفلسطيني ، بل إنّ لها أخواتٍ في المهمّة ، حالها هو حال الأحرف المشبهة بالفعل التي لا يجمعها شيء سوى أنها جميعاً تؤدّي مهمّة واحدة و هي تغيير معالم الجملة الاسمية ما بين نصبٍ و رفع ، و كذلك هي حال صفقة القرن و أخواتها ، فقد اتفقنَ كلّهن على عدم ترك المواطن الفلسطيني إلّا في حالة من اليأس يُرثى لها ..

كيف لا ، و هاهي المصالحة الفلسطينية التي سُرّ بها الفلسطينيون نوعاً ما ، تعود إلى مرحلة التراشق من جديد تمهيداً لذات المصير الذي لقيته المصالحات السابقة ؟! لتدخل في أتّون صفقة القرن و أخواتها ، فالانقسام الفلسطيني هو أخطر عدوّ يهدد مصير الفلسطينيين في الداخل و الخارج ، بل هو أشدّ بطشاً من العدو الإسرائيلي ذاته ، فكيف لشعبٍ متناحرٍ و متشرذم أن تقوم له قائمة و هو يعيش في كَنَف الانقسام و الفُرقة ؟!

هذا و إنّ الانقسام الفلسطيني لم يكن حِكراً على فلسطينيّي الداخل ، بل كان له تَبِعات في الخارج ، إذ انقسم أيضاً فلسطينيو الشتات بين مؤيّد للسلطة الفلسطينية و قيادتها و قراراتها ، و بين مخوّنٍ لها .. و ما بين زيدٍ و عمرو قدّم فلسطينيو الخارج نموذجاً سلبياً للقضية الفلسطينية أمام الوسط المدني الذي لم يعد يحترم الهموم الفلسطينية كما كان يحترمها قبل الانقسام المشؤوم ..

أضف إلى ذلك أنّ الأزمات التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط قد أثّرت على القضية الفلسطينية التي غابت عن معظم وسائل الإعلام إثرَ انشغالها بالحروب الدامية و الصراعات التي تخضّب البلدان العربية ، فالقضية الفلسطينية و قبل قرار الرئيس الأمريكي الأخير المتعلق بمدينة القدس ، كانت غائبة كليّاً عن وسائل الإعلام العربية ، و كيف لها الحضور وسط كل هذا الكَمّ الهائل من الأزمات ، فالأشقاء الخليجيون يعيشون اليوم أسوأ نكبة في تاريخ الخليج العربي ، إذ لم تُرسَم حتى اللحظة ملامح النهاية ، و كذلك الأزمة السورية التي كان لها تأثير سلبي لا بأس به على القضية الفلسطينية ، إذ انقسم فلسطينيو سورية إلى ثلاث طوائف .. طائفةٌ لم تتردد في حمل السلاح و التحاقها بالقتال لصالح طرف من أطراف الصراع هناك ، فكانت المعضلة الكبرى في مخيم اليرموك ، إذ وَجدَ مواطنان فلسطينيان شقيقان نفسيهما و دون سابق إنذار ، على حلبة المواجهة كَعَدُوَّيْنِ يصوّبان البنادق على بعضهما البعض ، و ذلك دفاعاً عن الطرفين اللذين يحاربان من أجلهما ..

و أما الطائفة الثانية فهم الفلسطينيون الذين التزموا الحياد و مايزالون حتى اللحظة يعيشون في سورية يقاسمون الشعب السوري العظيم معاناته و نكبته الجديدة ، و أمّا الطائفة الثالثة فهم الذين زحفوا خارج الحدود ليعيدوا تجربة الآباء و الأجداد في تكرارهم سيناريو اللجوء ، فوجدوا أنفسهم في مخيمات جديدة في لبنان و الأردن و تركيا ، في حين وصل كثيرون منهم نحو القارة الأوروبية التي مهرت تذاكر إقاماتهم بشعار جديد يلغي وطنهم بالكامل من خارطة الوجود ، فبين ليلةٍ و ضحاها وجدوا اسماً جديداً لهم و هو ( بلا وطن ) ، فكأنهم جلمودٌ غريب الشكل و الأطوار هبط من السماء إلى الأرض ، فليس له الحق في أيّ شبر من هذه الأرض ..

تلك هي صفقة القرن و أخواتها ، تخيّم على الفلسطينيين أينما وُجدوا ليعيشوا استمرارية النكبة التي تستمر و تستمر حتى تحقيق الوعد الإلهي الذي يغنيهم عن فضائل البشرية جمعاء ..

بقلم/ عبد السلام فايز